أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

يموتون من الجوع ومن المهانة ايضا !!

- محمد عبد الوهاب الشيباني
القرار الغبي القاضي بإغلاق جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية، اعطى مبررا قوياً لمشغلي اقتصاد الحرب، المنتسبين لمليشيات القتل ،في المتراسين، لامتصاص المتبقي في جيوب ومدخرات الناس المغلوبين على امرهم ،والذين يعانون منذ ثلاثة اعوام من تغول اللصوص الجدد والقدماء،  الذين وجدوا في الحرب وفوائضها  مناخاً ملائما لتعظيم ثرواتهم، التي تُتكاثر يوميا من الاتجار بأقوات الناس وألآمهم.  
 
تجار المشتقات النفطية المرتبطين بقيادة الصف الاول لسلطة الامر الواقع عمدوا الى اخفاء البنزين والديزل وغاز الطبخ، في مناطق سيطرتهم  فور الاعلان عن اغلاق المنافذ،  فتضاعفت  اسعارها في ظرف ساعات  في السوق السوداء التي يديرونها ، وترتب على ذلك ارتفاع جنوني في اسعار المواد الغذائية، واسعار الخدمات المرتبطة بحياة الناس اليومية، وانهيار العملة بفعل المضاربة، التي تقودها شبكة الصرافة التي  ولدت مع الحرب وتشتغل بمردوداتها وبغطاء النافذين في هذه السلطة.
 
لم يمهل اللصوص الناس يوما  اضافيا واحدا،  فقط انتظروا  مثل هذا الاعلان ليبدأوا  في اعمال سكاكين الجزارة في الاجساد العليلة، وليس من احد يستطيع محاسبتهم  او على اقل تقدير ايقافهم، لانهم بكل بساطة  الجزء الفاعل  في ادارة السلطتين المتحاربتين، وعصبها التمويلي.
 
حين ارتفعت الاصوات التي تقول ان الناس يقتلهم  الجوع  كانت تأتي الردود، من ابواق الانتفاع والتبرير والسُحت، ان لا احد يموت من الجوع ، المهم هو الثبات والصمود، التي ستكون عاقبته النصر المؤزر!
ادخلوا الشعب في متاهة الدم والحزن لإشباع رغباتهم المريضة في الحكم والتسلط، ثم طالبوهم بالصمود!
 
 أي صمود هذا الذي امات الناس جوعا ومهانة واذلال؟!  واي حسم يلوح في الافق غير حسوم الموت والتفكك والنزوح ؟!
 
الصمود كشعار ،وسيلان اعلامي يستغبي الجميع،  لم يكن سوى اعادة تموضع  لطبقة الحرب العابرة للطائفة والمنطقة والجهة والشعار،  والتي تلتقي في كثير من الزوايا والمنحنيات، التي ظنها الشعب الغلبان نقاط افتراق بين خصمين ومشروعين،  غير ان الايام اثبتت انه  لم يكن سوى مشروعا واحدا، لكن بقبحين مضاعفين . 
 
جثث  الضحايا الآمنين من اطفال  ونساء وكبار في السن  تنتشل من تحت ركام المنازل المتهدمة بفعل غارات عشوائية لا يحاسب الآمرين بها،  وجثث الاطفال الفقراء الذين سيقوا الي الجبهات  بفعل التعبئة والتحشيد العصبوي تتعفن في الاودية والشعاب والصحارى في حرب عبثية لا تحد ، يستفيد منها الاسياد  وامراء الحرب القابعين في مأمن من الجوع والقتل. تماما كما يستفيد رموز الفساد التاريخي في الطرف الاخر (الشرعية) من شعار عدالة القضية في استعادة الشرعية وانها الانقلاب وإعادة الاعتبار للدولة والمواطنة ،حين حُول الى  شًرَك  جاذب لحماس الشبان، الذين  رُموا  في الجبهات دون عتاد ومعين ، لتبدا بعدها المتاجرة بكل شيء يخص هؤلاء بما فيه املهم في النجاة .
 
ثلاثة اعوام كأنها الدهر، الذي ايقن معه الجميع ان الحرب محكومة  بتوازنات  وتفاهمات الهدف الحيوي فيها هو انجاز "وظيفة" ما على الارض وها هي الوظيفة قد انُجزت، وعلى راسها تعطيل السياسة و ترسيم الجغرافيا بالدم واعادة انتاج تحالفات لحروب الوكالة  وصولا الى اقتسام الغنائم بين قوتي التحالف الرئيسيتين ووكلائهم في الداخل . 
 
كل ما هو حيوي واستراتيجي في هذه "البلاد الاطلال"  ليس بيد احد من المتحاربين في الداخل ، فلا الموارد ولا المنافذ ولا الممرات ولا الجزر ولا الفضاء ولا القرار السياسي ، الذي بايدهم فقط جبال جرداء قاحلة  ومدن تتأكل بفعل الحصار والجوع يُفرغون في جنباتها شهوة القتل المجاني. وبأيديهم بندق لسرقة و اذلال الناس!
 
الناس تموت من الجوع الحقيقي لا المجازي ،وتموت اكثر من مهانة وذل العوز وقلة الحيلة.

Total time: 0.0465