أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

ماالسر الخفي وراء سيناريو ظهور وبقاء الرئيس علي صالح في سدة السلطة قراءة في أبجديات سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م

- د.طارق الحروي
من نافلة القول إن الشهيد الحي الرئيس على الصالح حفظه الله ورعاه وأدام الله في عمره ليرى حلمه في يمن جديد حقيقة قد اكتملت على يد رجال اليمن المخلصين من أبنائه الشباب، كان ومازال أهم الغاز المشهد السياسي اليمني قاطبة لحد اليوم، حيث مازال الكثيرين من عموم الرأي العام المعنيين وغير المعنيين بقصد وبدون قصد يرمون جزافا وتنجيما الرواية تلو الأخرى حول شخصية الرجل والقائد والإنسان والفارس الرئيس علي الصالح الذي تولي مهام إدارة بلد في ظروف غامضة واستثنائية جدا أكثر ما قال عنها بنفسه (إن الحكم في اليمن كالرقص على رؤوس الثعابين) واستمر يدير شئون الحكم فيها (ورفاقه) أكثر منه يحكم ويسيطر قرابة الـ33 عاما، دون أن يحيد عن مسار حركة التغيير الوطني قدر ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وفاء وإكراما وامتنانا من ابن بار لشهداء الأمة ولرفيق دربه وقائده الأعلى ابن اليمن البار الشهيد إبراهيم ألحمدي رحمة الله عليهم جميعا ولأبناء شعبه الطيب المعطاء شعب اليمن العظيم.
  • فطبيعة ومستوى ومن ثم حجم التساؤلات التي كانت ومازالت تثير الكثير من الجدل الحاد بهذا الشأن تدور حول من هو الرائد علي الصالح بالتحديد؟ وما هي الظروف الاستثنائية المحيطة بإرهاصات ظهوره فجاءه ضمن نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ألحمدي في الفترة الأكثر حرجا وحساسية من عمر النظام الوطني وحركة التغيير الوطني (1976-1978م) ؟ ثم كيف نجا الرائد علي الصالح من عملية اغتيال محتومة كادت تطاله في بيت الرئيس أحمد الغشمي مع رفاقه المشمولين بقائمة الاغتيال التي تم الموافقة عليها في أعلى المستويات القيادية في العالم.
  •  كما أشرنا إليه في مقالات سابقة ضمن إطار سيناريو دموي مخيف يقوم على تصفية الأنظمة الوطنية ورموزها التي نشئت خارج دائرة سياسة الاستقطاب الثنائية كما أشرنا إلى بعض مؤشراته في مقالاتنا المنشورة بعنوان من على صدر الصحافة المحلية الالكترونية (سيناريو تصفية زعماء اليمن 1977-1978م: رؤية في إرهاصات المخطط ألأممي الأمريكي- السوفيتي وحلفائه الإقليميين والمحليين) و(الناصريون هم من أحملهم دم ابن اليمن البار وشهيدها)، سيما أن ظروف تلك الفترة كانت عصيبة جدا على مسار حركة التغيير الوطني، بحيث كانت الاحتياطات الأمنية في أعلى درجة لها، لدرجة كان يمنع منعا باتا تواجد هذا العدد من الرجال الأقرب إلى الرئيس ألحمدي في مكان واحد، إذا كيف احتال قادة المخطط الانقلابي للإيقاع بهم ورئيسهم بضربة واحدة ؟
  • ثم كيف ظهر الرائد علي الصالح فجاءه على قمة المشهد السياسي عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، باعتباره المرشح الأبرز لتولي مهام سلفه الرئيس الغشمي ؟ ولماذا كان الرائد علي الصالح على وجه التحديد ؟ ألم تكن هنالك قيادات سياسية وعسكرية وأمنية لها الأولوية بكل ما تحمله هذه العبارة من دلالات ومعاني لتبوء هذا المنصب، بغض النظر عن مسألة المخاوف من الاقتراب منه وأحاطت به لدرجة الموت؟ وهل كان اختيار الرائد علي الصالح شأنا محلي أم إقليمي- دولي أم الاثنين معا ولماذا ؟ ثم هل كان خيارا مؤقت فرضته المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلية والخارجية آنذاك أم خيارا دائميا، كيف ولماذا ؟ وأخيرا لماذا أحجمت عناصر المخطط الانقلابي المنتمية للتيار التقليدي وشركائه عن عملية تصفية الرئيس علي الصالح في أخر اللحظات من بدء تنفيذ السيناريو الذي تكفلت بتنفيذه في العلن عناصر من الحركة الناصرية كما أشرنا إليها في مقالاتنا المنشورة بعنوان (الناصريون هم من أحملهم........!!!) و(حقيقة الدور التآمري للجناح المتطرف في الحركة الناصرية على مشروع حركة التغيير الوطني لإدارة الرئيس إبراهيم ألحمدي) ؟ وماذا يعني مؤشر تعرض الرئيس الصالح لما يقرب من الـ22 محاولة اغتيال وانقلاب في السنوات الأولى من حكمه ؟ وكيف نستطيع أن نفسر بقائه في السلطة لحد الآن كقائد مؤسس ورائد لحركة التغيير الوطني ؟ 
  • مما تجدر الإشارة إليه عند محاولتي تقديم تفسيرات شبه منطقية لهذه التساؤلات فإني لن أخوض كثيرا في التفاصيل لأني قد تطرقت للكثير منها في العديد من مقالاتي المنشورة والتي في طريقها للنشر أو تلك التي مازالت قيد الإعداد، وإنما سأقتصر بالتركيز على مسار بعض أهم الأحداث الرئيسة اللازمة بهذا الشأن، فالرئيس علي الصالح ينحدر من أسرة يمنية ميسورة الحال كما هو حال معظم شرائح المجتمع اليمني ليس لها شأن يذكر في عالم السياسة وأمور الحكم وإدارة شئون المجتمعات المحلية وعالم الجيش والاقتصاد....الخ، إلا أنه ولج عالم الجيش في سن مبكرة جدا كمتطوع فرض نفسه بقوة في صفوف مقاتلي الصف الجمهوري بما يمتلكه من عزيمة وشجاعة وطموح، وعندما تسنى له المجال التحق بالكليات العسكرية وتخرج منها ضابطا في صفوف القوات المسلحة وتدرج في المهام المؤكلة له في الوحدات العسكرية التي خدم فيها، ينتمي إلى قبيلة من قبائل سنحان أحد قبائل حاشد، لا أعرف كيف وقعت عليه أعين الرئيس ألحمدي وأين ومتى لأن هذا ليس مجال اهتمامنا في مقالنا هذا.
  • أما عن طبيعة الظروف الاستثنائية المحيطة بإرهاصات ظهوره فجاءه ضمن نطاق الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس ألحمدي في الفترة الأكثر حرجا وحساسية من عمر النظام الوطني وحركة التغيير الوطني (1976-1978م)، فقد ناقشتها في مقالاتنا المنشورة من على صدر الصحافة المحلية الالكترونية تحت عنوان(لمحات مضيئة حول خفايا وأسرار علاقة الرائد على الصالح حفظه الله ورعاه بالرئيس الشهيد ألحمدي رحمة الله عليه) و(لماذا وقع اختيار الرئيس ألحمدي على الرائد علي الصالح كي يكون خليفته في قيادة مشروع حركة التغيير الوطني).
  •  إلا أنني استطيع القول بهذا الشأن أنه كان واحد من الرجال الذين اختارهم الرئيس ألحمدي لخلافته على رأس مشروع حركة التغيير الوطني في أحد أدق وأهم مراحل نشوئها وتطورها، للكثير من الاعتبارات الذاتية والموضوعية التي رجحت هذا الاختيار بفراسة المؤمن والخبير بمعادن الرجال وذي النظرة الاستباقية والمستقبلية، حيث خضع الرائد علي الصالح لفترة من الاختبار  والمراقبة غير المباشرة وهو بعيدا قليلا عن الرئيس الذي أحاطه برعاية غير مباشرة، إلى أن ظهر فجاءه في عدة مناسبات بالقرب من الرئيس، كمؤشر عن اقترابه من الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس، ليبلغ هذا الأمر حد الذروة في الفترة (1976-1978م) عندما أصدر قرارا جمهوريا بتعينه قائد للمحور الأوسط ومنطقة باب المندب.
  •  ومنذ ذلك الحين بدأت الشائعات والأخبار تتوالى حول هذه الشخصية الغامضة التي ظهرت من العدم ولفتت انتباه القريب والبعيد، في ضوء البروز شبه الواسع النطاق الذي بدأت تحققه على أرض الواقع في فترة زمنية محدودة تجسيدا لمصداقية الرؤية والبصيرة الثاقبة للرئيس ألحمدي حولها كرجل يمتلك العديد من القدرات الذاتية التي تؤهله لتولى مهمة قيادة حركة التغيير الوطني في ظروف استثنائية جدا وخطيرة؛ من خلال ما حققه من حضور جماهيري واجتماعي وسياسي وحزبي وعسكري ملفت للانتباه، ومن ثم من مرونة وانسيابية عاليتين في التأقلم مع واقع جديد لم تألفه على الصعيدين المدني والعسكري، انعكست مباشرة بوتائر شبه متسارعة على حياته وشخصيته وعقليته لدرجة كبيرة.               
  • وقبل الخوض في بعض أهم التفسيرات الرئيسة حول الكيفية التي نجا فيها الرائد علي الصالح من عملية اغتيال محتومة كادت تطاله في بيت الرئيس أحمد الغشمي مع رفاقه المشمولين بقائمة الاغتيال، سيما أن ظروف تلك الفترة كانت استثنائية وعصيبة جدا على مسار حركة التغيير الوطني، بحيث كانت الاحتياطات الأمنية آنذاك في أعلى درجة لها، لدرجة كان يمنع منعا باتا تواجد هذا العدد من الرجال الأقرب إلى الرئيس ألحمدي في مكان واحد، باعتباره دليل مهم على أن من كانوا وراء هذا المخطط على درجة عالية جدا من المسئولية في الدولة وكذا الإمكانات المادية التي يمتلكها الخارج أكثر منه الداخل (معلومات استخباراتية دقيقة جدا حول تحركات وأماكن تواجد الشخصيات الأكثر تأثيرا في إدارة الرئيس، وقدرات قيادية تنسيقية على أعلى المستويات لم تثير الريبة، قدرات متوقعة للسيطرة على البلاد والجيش في حال نجح المخطط...)، كي يستطيعوا- في نهاية المطاف- أن يخترقوا كافة الترتيبات الأمنية المتبعة لينتهي النظام كله بضربة واحدة، سوف نقوم بمحاولة تلمس بعض أهم المعالم الرئيسة لمسار المخطط الانقلابي الذي يفسر أمامنا كيف احتال قادة المخطط الانقلابي للإيقاع بهم ورئيسهم بضربة واحدة.
  •  وهذا ما بدأ واضحا في بعض أهم معالمه الرئيسة؛ ابتداء باختيار هذه المناسبة (استعداد الرئيس للسفر إلى عدن والتوقيع على الإعلان الرسمي الخاص بتوحيد اليمن) محورا لاختراق كافة الترتيبات الأمنية والتواصل باسم الرئيس قبل سفره مع كافة القيادات النافذة من الصف الأول المشمولة بقائمة التصفية الجسدية بصورة فردية وسرية للغاية ، كي يفاجأ الجميع بأنهم مجتمعون في مكان واحد بدون سابق إنذار ومنهم الرئيس نفسه (الذي لم يعرف بأن هنالك لقاء لكبار قادته لتوديعه ليلة سفره إلا قبله بساعات، مستفيدين في ذلك من انقطاع الرئيس شبه الدائم عن أجهزة الأمن وتحبيذه الحركة بعيدا عنها، وانقطاعه شبه الدائم عن باقية رفاقه، بصورة أربكت وشتتت عمل الأجهزة الأمنية المعنية وعناصرها التي انقطعت عنها ميزة التواصل والتنسيق لدرجة أنذرت بوجود أمرا جلل وخطير تنذر به الساعات القادمة، في ضوء حساسية اللحظات الأخيرة المتبقية على النظام وحركة التغيير الوطني برمتها قبل سفر الرئيس لإسقاط العمود الفقري في المشروع الانقلابي!!).
  •  وهذا ما يفسر لنا وجود أقوى وحدة عسكرية في الجيش اليمني (العمالقة التي يقودها الرائد عبدالله ألحمدي) قد أصبحت على مسافات قريبة من تخوم محافظة صنعاء في تلك الليلة، ثم عجلة قائدها للدخول إلى صنعاء قبل أن تكتمل وصول وحدته العسكرية إلى أماكنها المرسومة مسبقا داخل العاصمة، بما يؤشر أن هنالك جهات وعناصر موثوقة أكدت له أن هنالك عملية مضادة لها امتداد عسكري داخل الجيش الذي كان يتحكم في الجزء الأكبر والمهم من مقاديره السفير السعودي (الحاكم العسكري الفعلي) تجري (أو قد جرت) ضد شقيقه الرئيس ورفاقه في ضوء الأجواء الغامضة والمريبة التي كانت مخيمة على البلاد والعاصمة السياسية منها- بوجه خاص- وانقطاع كافة الأخبار عن حالة الرئيس بحسب المصادر.
  •  ومرورا باختيار بيت الشهيد الرئيس أحمد الغشمي كي يكون مكان للقاء المرسوم على مؤدبة عشاء توديعية للرئيس بهذه المناسبة التاريخية، كان موفقا إلى حد كبير، لأنه خفف من الجزء الأكبر والمهم من الاحتياطات الأمنية والشكوك التي سوف تحيط بطبيعة مثل هكذا تجمع في التوقيت الحساس جدا، على أساس أن الأجواء أمنه إلى حد كبير وإن الحدث يتم تحت رعاية وإشراف الرئيس أو رجاله الموثقين في الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى أن وجود السفير السعودي (باعتباره كان ومازال الحاكم العسكري الفعلي للجيش اليمني بحسب المصادر بالرغم من كافة التدابير التي اتخذتها إدارة الرئيس لاحتواء وتقويض هذه الصلاحيات)، بجانب رموز عسكرية وقبلية نافذة من عناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف، قد أكمل عملية التعتيم المرسومة على خطورة التواجد في هذا المكان في هذا التوقيت تحديدا.
  • أما عن طبيعة الظروف التي كانت وراء إحجام القوى الانقلابية عن تصفية كل العناصر المشمولة ومنها المقدم أحمد الغشمي والرائد علي الصالح والاكتفاء بالرئيس وأخيه، والتحرك سريعا نحو تصفية عدد من قيادات الصف الأول في أماكن تواجدها في عملية استخباراتية نوعية (قدرتها بعض المصادر بحوالي سبعة)، بحسب وجهة نظرنا هو أقدار الله تعالى، فمن جانب فإن عدم حضور العديد من القيادات القريبة من الرئيس ذات النفوذ الكبير حال دون تصفيتهم خوفا من ردة الفعل القاسية المتوقعة وللوصول إلى النتائج المرغوبة، والاكتفاء بأخذ تعهداتها للإبقاء على سرية ما جرى والتأكيد على مصداقية الرواية الرسمية التي سربتها الأجهزة الإعلامية، سيما في حال تم تهديد كل الموجودين بأنهم متورطين في هذه الجريمة إلى حد النخاع وإن أية تسريب لما جرى خارج الجهة المعنية بهذا الشأن يعد تهديد لأمن البلاد التي تمر بأدق وأخطر مراحل وجودها، بصورة ضمنوا سكوتهم للأبد، على أن يتم معالجة هذا التأخير في مسار المخطط الانقلابي لاحقا.
  •  ومن جانب أخر فإن سرعة معالجة قيادة التيار التحديثي والحركة الناصرية بجناحها المعتدل لهذا الأمر الجلل الذي كاد يودي بها إلى الهاوية ومن غير رجعة بالاتفاق على تعيين المقدم أحمد الغشمي خلفا لرفيقه، قد حقق لها هدفين أساسين بمرونة وانسيابية عاليتين الأول رأب طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الصدع الحاد الحاصل بين صفوفها إلى حد كبير، سيما في حال أدركنا كيف سيؤول إليه أمرها عندما تنكشف الحقائق بتورط الجناح المتطرف داخل التيار التحديثي والحركة الناصرية في المخطط الانقلابي وعملية الاغتيال حتى النخاع- هذا إن لم نقل أن الرئيس ألحمدي وأخيه ورفاقه تم اغتيالهم بأيادي عناصر هذا الجناح مثلما أشرت إليه في مقالي المنشور آنف الذكر (حقيقة الدور التآمري......).
  •  والهدف الثاني يتمحور حول قطع الطريق أمام إمكانية استكمال القوى الانقلابية لمخططها في تصفية رموز النظام من خلال الإقرار بتعيين المقدم أحمد الغشمي رئيسا للبلاد، وهو الأمر الذي حال دون تمكن التيار التقليدي وشركائه من نقل مقاليد السلطة إلى قبيلة بكيل رمز التيار التحديثي التي ينتمي لها الرئيس وسلفه إلى قبيلة حاشد رمز التيار التقليدي، بصورة أربكت خط سير المخطط برمته وأوقفته أشهر طويلة، إلى أن قررت القوى الانقلابية استئنافه بعد ان استعدت له في اتجاه فرض مرشحها الأبرز (علي محسن الأحمر) ونقل مقاليد السلطة إلى قبائل حاشد كخطوة أولية مهمة جدا.
  •  إلا ان إصرار قيادة التيار التحديثي التحرري على الحيلولة دون ذلك، بانتقالها بصورة فورية إلى مبدأ الهجوم من أجل الدفاع ضمن إطار إستراتيجية المتبعة التي رسمت معالمها الرئيسة إدارة الرئيس ألحمدي؛ من خلال فتح الملفات الأربعة الرئيسة الأكثر حساسية (توحيد الجبهة الداخلية من مواصلة الجهود الرامية إلى تأسيس كيان سياسي حزبي جديد (المؤتمر الشعبي العام)، توحيد الجبهة الخارجية بامتداداتها الداخلية ( استكمال حلقات الوحدة مع النظام الوطني في الجنوب، استكمال حلقات التحالف الاستراتيجي مع العراق، محاولة إحياء مقررات مؤتمر أمن البحر الأحمر،...)، قد حال إلى حد كبير دون مرونة وانسيابية ذلك، حيث اضطرت إلى تبني خطوة انتقالية بقبولها بالرائد علي الصالح مرشحا توافقيا مؤقتا (وهو مرشح القوى الدولية ومن ثم الإقليمية) فرضته ظروف المرحلة نفسها التي اضطرتها تبني عملية سريعة ونوعية لاغتيل الرئيس أحمد الغشمي والرئيس سالم ربيع علي لإيقاف وتائر التصعيد التي تبناها نظامي اليمن إزائها- أولا- وإيقاف رحى الصراع مع التيار التحديثي- ثانيا.
  • ومن هذا المنطلق تبرز أمامنا  طبيعة الظروف الاستثنائية المحيطة بظهور الرائد علي الصالح فجاءه على قمة المشهد السياسي عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي، باعتباره كان المرشح الأبرز لتولي مهام سلفه الرئيس الغشمي، وقيادة حركة التغيير الوطني- وفقا- لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الأساسي والمحوري الذي لعبه الرئيس ألحمدي بهذا الشأن، بالاستناد إلى ما أوردته من مؤشرات في مقالاتي الأنفة الذكر بعنوان (لمحات مضيئة حول خفايا وأسرار علاقة......!!!) و(لماذا وقع اختيار الرئيس ألحمدي على الرائد علي الصالح.....!!!).
  •  فحين وقع اختيار القوى الدولية المعنية ثم الإقليمية عليه كمرشح توافقي مؤقت لفترة زمنية محدودة (قبلت به أطراف الصراع المحلي بتيارها التقليدي والتحديثي لقيادة مرحلة بعينها وتجاوز حيثياتها كما أشرنا إلى بعض أهم معالمها الرئيسة في مقالنا المنشور تحت عنوان (جريمة جامع النهدين: قراءة في البعد الاستراتيجي حول طبيعة وجذور السيناريو (القديم/ الجديد) المرسوم تكشف لنا ماهية الجهات المتورطة فيها حتى النخاع !!!!!)، كان يعني ذلك على أرض الواقع بأن القوى المناهضة لمشروع حركة التغيير الوطني قد ابتلعت الطعم كاملا بالفعل، وأن الرئيس ألحمدي قد نجح نجاحا منقطع النظير في قطع الطريق عموديا وأفقيا على القوى الانقلابية من تصفية مشروع حركة التغيير الوطني الذي كان قاب قوسين أو أدنى، فأعطاهم رجلا ينتمي إلى قبيلة من قبائل حاشد في الشكل ولكنه في المضمون كان يحمل بين خلجات قلبه وحداقات عينيه وعلى كتفيه وعنقه أمانة إنفاذ وتثبيت مشروع بناء دولة مدنية حديثة قدمت من اجله اليمن قوافل هائلة من أبنائها وجزء كبير من وقتها منذ ثورة سبتمبر العظيمة، وبذلك حدث الانتقال الشكلي لمقاليد السلطة من قبائل بكيل (ومذحج) إلى قبائل حاشد.   
  • إلا ان عناصر المخطط الانقلابي المحلي والإقليمي استشعرت مقدار الخطأ والخطر الذي وقعت فيه بدون أن تدري وعلى مضض، في ضوء ما أشرته تلك الخطوة الجريئة التي ولج بها أول خطواته في وضع حجر الأساس لمشروع حركة التغيير الوطني، والتي أقدم عليها الرئيس علي الصالح عندما أصر بعد ترشيحه بالإجماع رئيسا للمجلس الرئاسي على ضرورة الاستفتاء عليه من قبل ممثلي الشعب في المجلس الوطني (فاز بحوالي ثلثي أصواتهم)، فقررت إزاحته فورا من طريقها قبل أن يستفحل أثره عليها، في ضوء ما شكله من فرصة تاريخية لإمكانية استعادة حركة التغيير الوطني فكرا ومشروعا وأفرادا توازنها ومن ثم قدرتها على فرض نفسها بقوة على أرض الواقع (التي كانت تمتلك مزايا وفرصا تفوق التيار التقليدي وشركائه)، على خلفية التفاف الجزء الأكبر والمهم من رجال إدارة الرئيس ألحمدي والتيار التحديثي حوله.     
  •  أما لماذا أحجمت عناصر المخطط الانقلابي المنتمية للتيار التقليدي وشركائه عن عملية تصفية الرئيس علي الصالح في أخر اللحظات من بدء تنفيذ السيناريو الذي تكفلت بتنفيذه في العلن عناصر من الحركة الناصرية كما أشرنا إليها في مقالاتنا الأنفة الذكر بعنوان (الناصريون هم من أحملهم........!!!) و(حقيقة الدور التآمري ......!!!فنستطيع أن نرد  على ذلك بالقول أن بروز متغير جديد وصغير جدا في إرهاصات المخطط الانقلابي إلا انه كان مهما جدا لدرجة كبيرة ولم يكن متوقعا من لدنا قادة المخطط الانقلابي؛ ممثلا بإصرار قيادة الانقلاب الأسود من عناصر الحركة الناصرية بتيارها المعتدل على تبني مرشح رئاسي لها بهذا الشأن هو (المقدم نصار الجرباني) ينتمي إلى قبيلة همدان إحدى قبائل بكيل.
  •  دفع بالقوى الانقلابية من عناصر التيار التقليدي التي تدير المخطط الانقلابي  إلى التراجع بقوة عن هدفها الرئيسي غير المعلن في تصفية الرئيس علي الصالح ليس هذا فحسب، لا بل والسعي بكل ثقلها وإمكانياتها وراء ضمان حمايته قبل أن تنفلت الأمور كلها من أياديها، أما عن السبب الجوهري في ذلك فيمكن القول باعتباره كان أقرب خيار متاح أمامها لتجاوز هذا المتغير وتداعياته المتوقعة، على يتم تصفيته أو إزاحته لاحقا ضمن ترتيبات خاصة، سيما في ضوء ما أدركته من رجحان كبير لكفة مرشح الحركة الناصرية على مرشحها، بحكم أن الناصريون كانوا مازالوا يهيمنون على معظم مقاليد السلطة تقريبا ومنها قوة الشارع، حيث ان يد الغدر والخيانة حتى ذلك الوقت لم تكن قد طالت سوى مجموعة معدودة من عناصرهم، وهو الأمر الذي مكنها- في نهاية المطاف- من فرض نفسها بقوة على المعادلة الداخلية الحاكمة للبلاد، في ضوء هيمنتها على معظم مقاليد السلطة بنسبة (1:3)، بعد نجاحها في إزاحة الحركة الناصرية من المعادلة كلها والتخلص من القيادة التاريخية لحركة التغيير الوطني والحركة الناصرية على حد سواء. 
  •  وأخيرا يمكن لنا إعطاء تفسير مهما حول مؤشر تعرض الرئيس الصالح لما يقرب من الـ22 محاولة اغتيال وانقلاب في السنوات الأولى من حكمه، وبقائه في السلطة لحد الآن كقائد مؤسس ورائد لحركة التغيير الوطني، بأنه استمرار لنفس المخطط الانقلابي، الذي فشلت عناصره من استكمال حلقاته، في ضوء سلسلة التحركات والترتيبات السريعة والمدروسة بدقة متناهية التي اتخذها عناصر التيار التحديثي التحرري بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع التيار التحديثي التحرري الإقليمي الذي يمثله العراق، بصورة دفعت القوى الدولية والإقليمية المعنية التي لم يكن همها سوى مراعاة مصالحها الحيوية التي تفرض عليها الحرص على استقرار البلاد خوفا من الأسوأ القادم، ومن ثم الأطراف المحلية التي يمثلها التيار التقليدي وشركائه الجدد إلى التكيف مع هذا الواقع على مضض منتظرين الفرصة السانحة للوثوب على كرسي السلطة بدون منازع وهذا ما حاولت القيام به في أحداث مطلع عام 2011م.    

                                                                                    والله ولي التوفيق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  



([1] ) مما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن أن جميع الصحف الورقية وأغلب الصحف الالكترونية قد امتنعت منذ شهور طويلة عن إنزال هذه المقالات بدون أية مبرر يذكر فلا حول ولا قوة إلا بالله هذا للعلم.

([2]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.0603