أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

د.طارق الحروي : اتجاهات جديدة نحو فهم أعمق لحقيقة الأوضاع الحالية في اليمن وآفاق حلها!!

- د.طارق الحروي
من نافلة القول أن كان الدافع الأساسي الذي يكمن وراء اختياري الخوض في مثل هكذا موضوع من خلال هذا العنوان وفي هذا التوقيت تحديدا، هو طبيعة المرحلة ذات الطابع المصيري- الاستراتيجي التي تعيشها اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا منذ الإعلان الرسمي عن مسودة مشروع المبادرة الخليجية بأبعادها الدولية في 21-22/5/2011م، ومرورا بإرهاصات إعادة صياغة وبلورة بنودها مع كافة الأطراف المعنية في الداخل والخارج مرفقا بها آلية تنفيذية مزمنة  وصولا إلى توقيعها في احتفال رسمي احتضنته الرياض تحت رعاية وإشراف القوى الدولية الكبرى وكبرى المحافل الدولية، يحمل الكثير من المعاني والدلالات الأكثر أهمية في تاريخ العلاقات اليمنية- (السعودية- الخليجية) ومساراتها المستقبلية المتوقعة والمحتملة والمرغوبة، وانتهاء بإرهاصات إنفاذها على أرض الواقع.
  • والتي نجحت من خلالها حركة التغيير الوطني إلى حد كبير في تحقيق الجزء الأكبر والمهم من أهداف المرحلة الأولى المتمثلة في نزع فتيل الاحتراب الأهلي الذي كان قاب قوسين أو أدني وحالت دون انفراط عقد البلاد من خلال ما قطعته من أشواط مهمة بهذا الشأن- هذا أولا- مقابل ما حققته من نجاحات نسبية ومهمة في إعداد العدة اللازمة لولوج أتون المرحلة الثانية فيها المعنية بتصحيح مسار الحياة الرسمية بكل أبعادها وصولا إلى الحياة غير الرسمية كما أوردتها نصوص الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية وملحقاتها في اتجاه تهيئة كافة الأجواء اللازمة والمستلزمات الضرورية لولوج اليمن معركة الحياة في سبيل الله القادمة- ثانيا.
  •  والتي مازالت قطاعات واسعة من الرأي العام الرسمي وغير الرسمي في الداخل والخارج إلى حد اليوم غير قادرة على استيعاب حقيقة ما جرى ويجري وما سيجري، جراء استمرار تنامي لعبة خلط الأوراق الخطرة التي تمارسها معظم العناصر والقوى المنتمية للتيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه القدماء- الجدد ضمن إطار دوائر الصراع المصيرية المحتدمة رحاها بينه وبين التيار التحديثي التحرري منذ خمسة عقود ونيف ماضية التي أوردنا الكثير من معالمها الرئيسة في عشرات المقالات المنشورة لنا من على صدر الصحافة الالكترونية المحلية، لدرجة حالت دون إمكانية الوقوف بشكل موضوعي على طبيعة حقيقة أبعاد ومضامين اللحظة التاريخية الفارقة والاستثنائية التي تقف عندها البلاد والكفيلة بإحداث نقلة نوعية كبيرة جدا في الواقع اليمني برمته في حال أتيح لها المجال واسعا لتبلغ مداها المنشود وتم استثمارها إلى أقصى حد ممكن.
  • فإنه يصبح من الأهمية لا بل والضرورة من وجود محاولات بحثية وتحليلية يغلب عليها الطابع الموضوعي في اتجاه تفكيك حيثيات أبعاد ومضامين واحدة من أهم المحطات الأساسية التي نعيش (أو سوف نعيش) أدق تفاصيلها كما أوردنا الكثير من مؤشراتها بما تحمله من معاني ودلالات لها شأنها في مقالاتنا السابقة المنشورة من على صدر الصحافة الالكترونية المحلية، سيما أنها- وفقا- للدلائل التاريخية يجب أن تكون الحلقة الأكثر أهمية وتأثيرا ومن ثم أثرا في تاريخ اليمن المعاصر، أما لماذا ؟
  • نرد على ذلك بالقول باعتبارها امتداد طبيعي وتتويج حقيقي ومن ثم استكمال لأغلب مقومات المحطة الأولى بهذا الشأن  (1974-1977م)، التي كانت اليمن ومازالت تعيش أدق تفاصيلها وأجوائها بقيادة عناصر حركة التغيير الوطني نفسها، والتي نجحت إلى حد كبير من استعادة الجزء الأكبر والمهم من ملامحها الرئيسة وأدق تفاصيلها الرئيسة، في محاولة منها تجسيد أعلى درجات المسئولية الوطنية والتاريخية لاستكمال مجمل حلقاتها الرئيسة مراعاة لعامل الوقت والسرعة والكلفة بالبناء على كافة نقاط القوة ومعالجة أو تجاوز مواطن الضعف كمؤشر حيوي على طبيعة ومدي جدية حركة التغيير الوطني لاستغلال هذه الفرصة التي لن تتكرر إلا بعد زمن طويل والاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن .
  •  وهذه بحد ذاتها هي أحدى أهم التفسيرات الرئيسة والترجمة الأكثر واقعية لمضامين الغاية الأساسية للمرحلة الانتقالية التي حاولت حركة التغيير الوطني تجسيدها قولا وفعلا في خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية، في تطور جذري يغلب عليه الطابع التاريخي والاستراتيجي على حد سواء بكل ما تحمله هذه الاستنتاجات من معاني ودلالات لها شأنها، كي يتسنى لها- في المجمل النهائي- من ولوج أتون المحطة الثانية القادمة المنشودة من أوسع أبوابها بعد العام 2014م على أقل تقدير، تحت قيادة حركة التغيير الوطني بمسارها الجديد (الحركة التصحيحية الثالثة).      
  • بمعنى آخر أكثر دقة وتحديدا فإنه عند وجود أية محاولة لوضع تشخيص موضوعي جاد له شأنه في هذا الأمر يجب وليس ينبغي إعادة تعريف وتحديد طبيعة حقيقة أبعاد ومضامين الوضع الحالي الذي تعيشه اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا والذي درجت الكثير من الأدبيات والصحف والمواقع على تسميته بـ(الأزمة)؛ من خلال خمسة اتجاهات رئيسة على أقل تقدير الأول له علاقة وثيقة الصلة بتلك النوعية من التساؤلات التي وصلت حد الجدل المثار والتي تدور حول طبيعة حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن دولة وشعبا هل يمكن عدها بالفعل قد دخلت نطاق حدود الأزمات التي يصعب حلها إلا بأثمان باهظة ؟ أم أنها في الجزء الأكبر والمهم منها مازالت ضمن نطاق حدود المعضلات والمشكلات الممكنة الحل وبمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة، على الرغم أنه عند التشخيص الأولى لها تثبت بعض الدلائل أن الأوضاع في البعض من أبعادها قد دخلت إلى حد ما نطاق حدود الأزمات منذ فترة ليست بالقصيرة ؟
  •  في حين أن الاتجاه الثاني له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة التساؤلات المحورية التي تدور بالدرجة الأساس حول طبيعة حقيقة طبيعة مدى الأوضاع الحالية التي تعيشها اليمن، بمعنى هل هي مشاكل مرحلية وقتيه فرضتها منظومة من المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية في العقدين الماضيين والعشر سنوات ونيف خاصة بلغت حد الذروة منذ نهاية النصف الأول من العقد الثاني (2004م) ؟
  •  أم هي امتداد طبيعي ونتاج حقيقي للمشاكل الطاحنة التي تعيشها اليمن منذ قيام ثورتي الـ26 من سبتمبر عام 1962م والـ14 من أكتوبر عام 1963م إلى حد يومنا هذا، بما خلفته من تركة متوارثة هائلة من التحديات والمخاطر والصعوبات والعراقيل، والتي حال هيمنة حالات اللا أمن واللا استقرار على المشهد الداخلي برمته دون إمكانية احتوائها وعزلها ومن ثم معالجتها أو تقويضها في مهدها في اتجاه التقليل من آثارها وتداعياتها السلبية أكثر منه القضاء عليها، كي تصبح شبيهة بكرة الثلج المتدحرجة من قمة الجبل في اتجاه القاعدة ؟
  • أما الاتجاه الثالث فإنه يدور حول طبيعة حقيقة أبعاد هذه المشاكل، هل هي مشاكل سياسية بالدرجة الأساس ألقت بظلالها السلبية على نشو واستمرار تنامي حالات الانقسام والتضارب الحادة الحاصلة في الحياة الرسمية بأبعادها الدستورية والتنموية والاقتصادية....، ومن ثم العسكرية والأمنية وصولا إلى الحياة غير الرسمية- الشعبية ومن ثم الحياة العامة، بصورة حرفت وعطلت ومن ثم جمدت وأوقفت أية خطوة حقيقية في اتجاه تجاوزها؟  أم هي بالدرجة الأساس مشاكل تنموية يغلب عليها الطابع الاقتصادي، سواء جراء قلة مواردها وإمكاناتها بأوضاعها الحالية وهشاشة وضعف بنيانها المؤسسي....الخ، أو جراء استمرار تنامي ظاهرة العبث والفوضى في إدارة هذه الموارد بسبب استشراء ظاهرة الفساد بكل أشكالها في جسد اليمن دولة وشعبا ؟   
  • وصولا إلى الاتجاه الرابع الذي تدور حول طبيعة الصراع السياسي المحتدمة رحاه منذ خمسة عقود ونيف هل هو في حقيقة الأمر صراع تقليدي بين أفراد وجماعات أو عناصر وقوى نافذة على مصادر القوة والثروة في البلاد الذي جبلت عليها البشرية منذ أول الخليقة ليس إلا كما يحاول الكثيرين أن يغرسه في أذهان قطاعات واسعة من الرأي العام بوعي أو بدون وعي وبقصد أو بدون قصد ؟ أم هو بالدرجة الأساس صراع مصيري أزلي بين التيار التحديثي التحرري الحامل لمفردات المشروع النهضوي المدني المنشود والتيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه المناوئ والمناهض له قلبا وقالبا والحامل لمفردات مشروع الإمارة الإسلامية بامتداداتهما الإقليمية والدولية، وبمعنى آخر هو صراع مصيري بين مشروعين متقاطعين (فكرا ومشروعا وأفرادا) وإرادتين متناقضين إلى حد كبير؟
  • أما الاتجاه الخامس فإنه يدور حول طبيعة حقيقة أبعاد ومضامين هذه المشاكل كي يتسنى لنا وضع اليد على أحد أهم الحقائق الدامغة على أرض الواقع الأكثر أثرا وتأثيرا على اليمن ماضيا وحاضرا ومستقبلا، التي من خلالها سوف ندرك حقيقة المسارات الجديدة المتبعة لحل هذه المشاكل من جذورها التي يجب أن تتخذها حركة التغيير الوطني والتي بدونها سوف تبقى أية خطوة في هذا الاتجاه مجرد تجاهل وتجاوز على هذه الحقائق (وهذا ما أدركته وسارت على خطاه حركة التغيير الوطني)، وصولا إلى ما يمكن أن يمثله هذا الأمر من أهمية لإعادة قراءة أبعاد ومضامين طبيعة حقيقة الخطوة التي نقف أمامها- وفقا- لخارطة الطريق الحالية (المبادرة)، وما علاقتها باتفاقيات ترسيم الحدود مع كلا من السعودية وعمان واتفاقية جده منها- بوجه خاص- بمعنى أخر أكثر دقة وتحديدا هل هي في حقيقة الأمر مشاكل داخلية أم خارجية ؟  أما لماذا؟
  • نرد على ذلك بالقول لأن عدم استيعاب ما سوف نخرج به من مؤشرات تصل إلى مرتبة الحقائق الدامغة في أرض الواقع بما تحمله من دلالات ومعاني لها شأنها جراء مناقشة واستعراض أبعاد ومضامين هذه الاتجاهات ضمن إطار أية خطوات جادة وموضوعية في اتجاه تشخيص وانتشال اليمن من أتون الأوضاع الحالية (المشاكل أو كما يطلق عليها الكثيرين مصطلح الأزمات) التي تعيشها، سوف يفرغها من محتواها ومضامينها ومعانيها وسوف يحكم عليها بالموت في الرحم قبل تولد أو الموت السريري كما كان مصير مثيلاتها على مدار الخمسة عقود الماضية.

                                               وهذا ما نحن بصدد إلقاء الأضواء عليه في المقالات اللاحقة,,,,,,,,

                                                                                          والله ولي التوفيق وبه نستعين



([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.0584