قصة أول مظاهرة طلابية أرعبت البدر يرويها حمود السعيدي: خرجنا للاحتجاج على الأوضاع الصعبة والمناهج المتخلفة
بتاريخ 2012-09-27T03:59:21+0300 منذ: 12 سنوات مضت
القراءات : (2928) قراءة
اخبار الساعة - صنعاء
نشرت صحيفة «26 سبتمبر» التابعة لوزارة الدفاع حواراً مع المناضل العميد حمود محمد السعيدي أحد قيادات المسيرات الطلابية التي مهدت لثورة 26 سبتمبر 1962 ضد النظام الإمامي آنذاك.
ويحكي السعيدي بعض ذكرياته، وقصة أول مظاهرة أرعبت الإمام البدر وكيف تعامل معها.. المصدر أونلاين يعيد نشر الحوار.
حاوره: محمد محسن قائد
> ممكن تحدثنا عن الوضع التعليمي في عهد الامام؟ وماهي المواد التي كنتم تدرسونها؟
>> كانت المناهج في تلك الفترة بسيطة ومتواضعة ولا تف بالغرض مثل التاريخ والجغرافيا والعربي، وكانت عبارة عن اوليات لتلك المواد وغير مجدية، وكان التركيز كله على الجانب النظري مثل القرآن، وكانت الامكانات محدودة جداً فلا كتب وافية ولا مناهج متوسعة.
> ما اسماء المدارس التي كنتم تتلقون فيها تعليمكم في صنعاء آنذاك؟
>> طبعاً كنا ندرس في مدارس اسمها مدرسة المعلمين تقع بجانب قصر السلاح وكانت هناك العديد من المدارس الاخرى مثل المدرسة المتوسطة، والمدرسة العلمية، ودار رعاية الايتام، والمدرسة الاصلاحية، والمدرسة الاعدادية.
> كيف بدأت قصة انطلاق المظاهرات؟
>> كنت في تلك الفترة احد الطلاب في مدرسة المعلمين والى جانب الدراسة كنت اعمل كنائب لمدير المدرسة اصرف اعمال الطلاب في حالة غيابه وخصوصاً بعد الظهر والمساء لانهم كانوا يختارون مننا أشخاصاً ويسندولنا المهام بغرض تسيير امور الطلاب، لأن الكادر الاداري كان شبه معدوم آنذاك وما علينا الا ان نعتمد على انفسنا وطبعاً كانوا يأخذون أكبر الطلاب وارجحهم عقلاً.
> كيف كانت اوضاعكم المعيشية والسكنية والصحية في المدرسة آنذاك؟
>> كانت الاوضاع سيئة فلا دواء ولا طبيب والسكن كان غير صحي، واما بالنسبة للمعيشة فقد كانت مش ولابد المهم كانوا يوفرون لنا الأكل والشرب فقط، اما بالنسبة للملابس فقد كان كل واحد يعتمد على اسرته في توفير ملابسه هذا بالنسبة للطلاب الساكنين في المدرسة، اما الباقين والمؤهلين خارج المدرسة فلم يكن يصرف لهم اي شيء، بالاضافة الى صرف ريالين لكل واحد من الطلاب الساكنين فقط.
كنت انا المحرض > متى خرجت المظاهرات الطلابية، وماهي المطالب التي طالبتم بها؟
>> بالنسبة لوقوع تلك المظاهرات فقد حدثت قبل انطلاق ثورة 26سبتمبر بثلاثة اشهر اي في شهر 27/6/1962م، وكانت قريبة من تاريخ تفجير الثورة ونجاحها.. اما بالنسبة للمطالب التي كنا نطالب بها فهي مطالب حقوقية لصالح الطلاب والمطالبة بتوسعة المناهج حيث كانت محدودة ومحصورة وكان اهم وأكبر تلك المطالب ماحدث قبل انطلاق المظاهرات باسبوع او اكثر في مدرستنا خاصة وهي كانت الاساس لانطلاق تلك المجاميع الطلابية في توحيد كلمتهم، وبالنسبة لمطالب الطلاب طبعاً في البداية سبق ان تم حبس سبعة من زملائنا الطلاب من مدرسة المعلمين بسبب مشاكل حدثت بينهم وبين مدير المدرسة آنذاك وغيرها، وكان يعتبر الاختلاف مع المدير من اي مشكلة هي بمثابة الاختلاف مع حكم الامام نفسه.. طبعاً بحكم عملي كنائب للمدير ومسؤول عن زملائي فقد قمت بالمطالبة باطلاق زملائنا الا ان مدير المدرسة لم يعمل اي شيء.. وعندما حاولنا وكررنا المطالبة باطلاق سراحهم رفض الامام البدر اطلاق سراحهم، وفي ذات اليوم واثناء قيامنا بالخروج بالطلبة من اجل تنفيذ حصة اللياقة والتمرينات الرياضية كالمعتاد اليومي وعندما انتيهنا من التدريبات الرياضية المقررة خارج المدرسة اتفقت مع الطلبة والمشرفين من زملائي الطلاب وقلت لهم: «عندما نصل الى المدرسة انا سوف اطلب منكم ان تدخلوا الى الفصول بحكم عملي كمشرف عليكم وانتم ارفضوا ذلك بحجة اطلاق زملائنا أي الاضراب حتى نضيق الخناق عليهم لاطلاق زملائنا لانه ليس هناك ما يستدعي حبسهم طوال تلك الفترة، وبينت لهم ان لو عرفوا في الادارة اني انا المحرض للطلبة فانهم سوف ياخذوني للحبس ونضيع انا والزملاء وتفشل الخطة، ثم فهمتهم بذلك فأبدوا استعدادهم لذلك وقمت بتحليفهم على ذلك فحلفوا جميعاً، وعندما رجعنا انا ذهبت لأطالب باطلاق الزملاء بعد ان طلبت منهم دخول الفصول فرفضوا وظلوا مضربين طوال الوقت حتى الليل.
الحقيقة اننا نجحنا في تلك الوقفة وقام مدير المدرسة بالذهاب الى محمد اليريمي مدير مكتب التربية في وزارة المعارف الموجودة في التحرير واقنعهم بان الطلاب مضربين عن الدراسة ولم يرجع الا وقد اطلق السبعة الطلاب وعادوا معه.. وعندها كانت فرحة كبيرة خصوصاً اننا نفذنا الخطة بدون ان يعرف احد السر وهذا الموقف زادنا اصراراً على ان الحق يجب ان يؤخذ بالقوة ومن تلك اللحظة استطعنا الضغط على اعوان الامام منهم البدر ابنه الذي كان يحكم في صنعاء لانه كان مريضاً وطريح الفراش في تعز.
من اجل السرية > ما الذي حدث بعد اخراج السبعة الطلاب من السجن؟
>> عندما علم الزملاء في بقية المدارس اننا نجحنا باطلاق زملائنا جاءوا الينا كي يستفسروا عن الطريقة التي اتخذناها، وكيف تم نجاحنا فيها ومن ذلك كنا نعقد اجتماعات سرية بين جميع المدارس بحيث يحضر من كل مدرسة حوالي من 4- 5 طلاب بحيث نتفق على كل شيء، وفي اليوم التالي يوضحون لبقية الطلبة ماهي الخطة والاجراءات التي اتفقنا عليها شرط اننا لم نكن نكلم الطلبة الساكنين خارج المدرسة من اجل السرية..
> ماهي التطلعات والطموحات التي كنتم تحلمون بتحقيقها وانتم في المدرسة؟
>> من خلال الاجتماعات السرية كنا نطمح لتحقيق كيان شبابي يكون قادراً على شق الطريق، ثم تطورت تلك الاجتماعات السرية الى اظهار المطالب الحقوقية التي كنا في البداية نسعى الى تحقيقها وكان اهم تلك المطالب هي تحسين ظروف المعيشة من سكن وأكل وشرب وملبس، ايضاً كنا نطالب بتوسعة المناهج الدراسية، حيث كانت محصورة على معلومات اولية مثلاً الرياضيات مافيش فيها غير الجمع والطرح والضرب والقسمة، غير ذلك ما فيش، وكذا التاريخ والجغرافيا وكان التركيز في تلك الفترة على القرآن بالدرجة الاولى اما المواد الاخرى فكانت ثانوية.
واما المطلب الاهم فهو مطالبة جميع الطلاب باطلاق سراح زملائنا الطلاب من جميع المدارس وانتهاء الامر بالاتفاق على خروج جميع المدارس الى ميدان شرارة والمطالبة بتحقيق تلك المطالب وخصوصاً المطالبة باطلاق زملائنا التي الهبت صدورنا وشجعتنا على كسر حاجز الخوف من الامام واعوانه خصوصاً وقد نجحنا في اطلاق زملائنا في مدرستنا.
> أين كانت نقطة تجمع الطلاب والمسارات التي اتخذتها المظاهرات؟
>> اتفقنا مع جميع المدارس من خلال لجان التنسيق الطلابية والاتفاق السري بيننا بان تكون نقطة تجمعنا في ميدان شرارة (ميدان التحرير) بحكم قربها من قصر الامام وكنا في البداية قد توجهنا صوب سوق الملح بحكم ان جميع الطلاب لم يكونوا قد وصلوا جميعاً ثم تحركنا باتجاه بستان الامام بجوار المدرسة المتوسطة في التحرير وهجمنا عليه ثم اقتحمنا وزارة المعارف حتى ان الاخ مدير مكتب التربية آنذاك محمد اليريمي كان قد اختبى تحت المكتب الخشبي ثم توجهنا باتجاه الاذاعة لاقتحامها الا ان الحرس الملكي قام باطلاق النار علينا فلم نستطع الدخول اليها ثم توجهنا الى شعوب وقمنا بالتوقف هناك ورفضنا التحرك الى المدارس حتى تتحقق مطالبنا كلها وكان ذلك في وقت الظهر وعندها جاءوا لنا بالغداء من جميع المدارس الى منطقة شعوب وعندما بدأنا بتناول الغداء لاحظنا وصول بعض المصفحات والجنود فقمنا نحن كبار الطلاب بالوقوف في الصفوف الامامية للمظاهرة كدروع بشرية للمحافظة على بقية الطلاب.
وعند وصولهم الى عندنا قالوا لنا جاءت لنا أوامر من الامام بأن تقوموا بالعودة كل واحد الى مدرسته وانهم سوف يحلون كل تلك المشاكل وقاموا يأمرون الطلاب بالصعود على تلك القلابات. وعندها شعرنا ان في الامر لعبة وتدبير خدعة ضدنا، عندها ما كان مننا الطلاب الكبار الا بجلب العصي من الاشجار وضرب الطلاب ومنعهم من الصعود ثم اتفقنا بالتوجه جميعاً الى مدرسة واحدة وحددنا التوجه الى المدرسة المتوسطة في التحرير مرة اخرى وعند وصولنا الى التحرير واذا بالحرس الملكي قام بقطع ذلك الشارع الذي يؤدي الى دار البشائر في نفس الميدان.
ثم قاموا يأمرونا بالتوجه الى المدارس فرفضنا ذلك وحدثت مشادة كلامية مع قائد الحرس والحرس الملكي وبين الطلاب، وعندما عرفنا انهم قد أحكموا تطويقنا عندها استخدمنا اسلوب استفزازهم وحرق اعصابهم فقد كان علم المملكة المتوكلية اليمنية موجود مع بعض الطلاب وكان يحمله آنذاك محمد المقبلي، فما كان منا الا ان قمنا بتمزيق علم الامام وعندها غضب الحرس الملكي لم يتمالكوا انفسهم إتجاه تقطيع العلم وقام امير الجيش ابو طالب باصدار اوامرة باخذنا جميعاً الى سجن الرادع حيث استمرينا هناك لاكثر من اسبوع وكان يصل عددنا آنذاك من اربعمائة الى خمسمائة طالب.
الزخم الثوري > ماهي الشعارات التي كنتم ترددونها في تلك المظاهرة الطلابية؟ وكيف تفاعل رجل الشارع مع تلك الشعارات، وما الاثر الذي احدثته؟
>> نعم لقد تخللت تلك المظاهرة العديد من الشعارات التي كانت في بدايتها شعارات مطالب حقوقية واصلاحات لكن بعد تاكدنا انهم لم يلبوا مطالبنا خصوصاً بعد هجومنا على بستان الامام وضرب النار علينا من قبل الحرس الملكي للاذاعة قمنا وبترديد الشعارات الثورية مثل (لا ملكية بعد اليوم)، (لا رجعية بعد اليوم) (يعيش الرئيس عبدالناصر)، (ثورة ثورة حتى النصر)، مرددين اغنية (ثواراً ثواراً ثواراً ثوارا) وهناك العديد من الشعارات الاخرى التي كانت تميل الى الزخم الثوري والمطالبة بالتحرر الثوري من عقلية الامامة وجهلها وكنا نجعل من الزعيم جمال عبدالناصر مثابة الزعيم المتحرر من قيود الماضي.
طبعاً كان لتلك الشعارات صداها الكبير حيث اثرت على جميع المواطنين حتى أن العدد الكبير منهم رافقونا في تلك المظاهرة ونادوا بتلك الشعارات معنا وكان هناك العديد من الثوار ساندونا بالمظاهرة ومدوا معنا وبشكل سري فقد كانوا يعتبرونا مثل اولادهم بذلك استطعنا ان نكسب تعاطف الشارع معنا كذلك قمنا برفع صور الزعيم جمال عبدالناصر واتذكر ان الأخ عبدالله حمران هو من كان يوزع صور جمال عبدالناصر، حيث كان هو ضمن الثوار الأحرار.
> كيف تعامل الحكم الامامي البائد مع الاحتجاجات الطلابية؟
>> نعم بعد ما تم تطويقنا في ميدان شرارة امر امير الجيش ابو طالب بضرورة القبض علينا جميعاً وارسالنا الى سجن الرادع وتم حبسنا في البداية لمدة اسبوع جمعياً وبعد اسبوع جاء الينا امير الجيش ابو طالب وقال لنا بأن الامام البدر قد وصل الى صنعاء وسوف يحل لنا جميع مشاكلنا وعندما خرجنا اليهم لم نجد غير امير الجيش ابو طالب والذي افادنا بانه مرسل من الامام البدر وسيحل لنا كل مشاكلنا وطلب بان نخرج له عدداً 24طالباً من غيرنا نحن المحرضون والذي وصل عددنا الى 24طالباً ايضاً وقال نريد اخراج 24طالباً من بين اوساطكم بشرط ان طالبوا بنفس المطالب التي طالبتهم بها فهذا سيكون لصالحكم وان طالبوا بغيرها فهذا ليس بصالحهم وعندها وبعد التحقيق معهم وجدها نفس مطالبنا ووجد ان المطالب واحدة عرف ان الامر اكبر مما يتصورون وان هناك خطط مسبقة قمنا بها وهي توحيد الكلمة عند الصغير والكبير وتوحيد المطلب وعندما سمعوا مطالبهم عرفوا انها نفس مطالب المشرفين عليهم ال42 طالباً الذين كنا ضمن اللجان المختصة في تيسير امور الطلبة.
وكان من ضمن الطلبة الذين خرجوا ال24 طالباً واللواء على محمد صلاح نائب رئيس الاركان حالياً وأثناء أخذ أقوال زملاءنا الطلاب طلبوا مننا نحن المشرفين بان نخرج الى باحة السجن وعندها راينا العديد من الجواني مملوءه بالقيود والحراسة المشددة على السجن.
> ما الذي عملوه معكم بعد ذلك؟
>> قاموا بتقييدنا اولاً نحن المشرفين ال24 مشرفاً وبعدها قيدوا البقية ال42 المحرضين الآخرين ثم قاموا بصف العسكر من امام سجن الرادع وبشكل صفين متوازيين وجعلونا نمر في الوسط حتى وصلنا الى غرب سور صنعاء القديمة حيث كان فيه هناك غرف للعسكر وضعونا هناك وعندها كانوا الطالب الصغير يطلقونه يروح بيته او المدرسة والطالب الكبير يدقوناً له قيداً في تلك الغرف أي استخدموا اسلوب تفريق جمعنا.
وفي صباح ذلك اليوم قاموا بتوصيلنا الى امام قصر البدر وخلونا لاكثر من اربع ساعات واقفين وسط الشمس وعندها اصدر الامام اوامره بنقلنا الى سجن نافع في حجة بشرط ان يمرون بنا من طريق عمران وعندما رفض السائقون تلك الطريق وطالبوا بالمشي من طريق الحديدة فقال الامام قولته (قولوا للسواقون يمرون من طريق عمران وليس عليهم أي خطاب) معناته إذا حدث لهم مكروه مثل انقلاب أو انزلاق أو أي مكروه فليس عليهم أي ذنب وهو كان بائعاً للطلبة والسائقين، والعسكر، وكان يتمنى أن يموتوا قبل أن يصلوا الى سجن حجة لأنه شعر أنهم قد هزوا عرشه وأضاعوا هيبته وقللوا من شأنه واحترامه.
> من تذكر من أسماء زملائك ال24 طالباً الذين حكم عليهم بالسجن في سجن وشحة؟
>> نعم.. مازلت أذكر أسماءهم وأذكر تلك المعاناة ومع زملائي في تلك المحنة هم الآن يحملون مناصب ورتباً عسكرية كبيرة وهم: عميد محمد حسن مفرح، والعميد: راجح محمد المالكي، والعميد: محمد محمد المقبلي، والعميد: يحيى محمد الغفاري، والعميد: أحمد الآنسي، والعميد: عبدالكريم الآنسي، والعميد: أحمد السنحاني، والعميد: محمد قائد بركات، والعميد: محمد حيدرة، والعميد: محمد لقمان، والعميد: علي يحيى عبدالمغني، والعميد: محمد اليناعي، والمدنيون هم: علي البقاهي، أحمد الحجري، أحمد السمان، محمد أحمد عامر، حسين السفرجل، حزام الاشول، حزام باكر، أحمد علي الضاعني، محمد صويلح، ردمان الشبامي، أحمد علي العلفي.
> كيف تصفون الرحلة والمواقف المؤثرة التي عايشتونها بعد صدور أمر الإمام بنقلكم من سجن الرادع بصنعاء إلى قلعة نافع في حجة ومن ثم الى سجن وشحة في عبس؟
>> بعد أن تقيدنا وتأكدوا بأننا نحن من حرض ودفع الطلاب للمظاهرة، حيث استقر عددنا بالنهاية أربعة وعشرين طالباً وتركوا البقية يعودون الى مدارسهم والى بيوتهم إضافة إلى حبس ال24 الذين خرجوا يؤكدون المطالب التي طالبنا بها سابقاً، فقد قام الإمام بإرسال 12 طالباً منهم الى سجن السنارة في صعدة وعلى رأسهم اللواء الركن علي محمد صلاح نائب رئيس الأركان والإخوة هم: عبدالوهاب الغابري، ومحمد محمد الكبسي، واحمد على المزنطي، وعبدالله المؤيد، واحمد محمد المتوكل، وعبدالملك الطيب، وحسين محمد الشبامي، محمد الجوبي، وحسين احمد الكبسي، وصالح احمد المطري، وعبدالله حمود الاشول.
وكما ذكرت لك سابقاً فأول المعاناة هي أن الإمام أصر بمرورنا من طريق عمران - كحلان عفار بغرض التخلص منا نتيجة صعوبة ووعورة الطريق آنذاك الا أن الموت ليس بيد أحد وعندما رفض السائقون وطلبوا طريق- الحديدة قال: قولوا للسائقين يمشون طريق عمران وليس عليهم أي خطاب، وأثناء وصولنا كحلان عفار وجدنا العساكر يتركون عندنا السلاح وينزلون يصلحون الطريق.. لأيقانهم أن مصيرنا أصبح واحداً وهو مواجهة الانزلاق الجماعي لنا وللعسكر والسواقين، وعندما وصلنا حجة وبالتحديد سجن نافع فإذا برجل يصيح ويستنكر هؤلاء ذي قاموا ضد الإمام حامي الاسلام والعباد وكان مكشوف الظهر والصدر غير مقطب يستر عورته، فصاح به الاخ صالح المالكي أحد زملائنا، احنا عملنا ثورتنا هذه من أجل يتغطى ظهرك، فضحكنا جميعاً رغم الارهاق والألم الذي كان يصاحبنا.
وعندما أدخلونا الى السجن وجدنا العديد من السجناء السياسيين والثوار الاحرار وعلى رأسهم اللواء عبدالله المقبلي -الله يرحمه-، واللواء علي سيف الخولاني واللواء هاشم الحوثي، حيث كانوا ضمن المحابيس في تلك القلعة وقال قولته المشهورة: إذا افتتحت السجون فقد قرب الفرج»، وقد تواجدنا في تلك الليلة مع عدد من السجناء الأحرار ظلينا طوال تلك الليلة نخطط ونفكر كيف نعمل على نجاح الثورة بأقل قدر من الدماء وما هي الطرق الصحيحة لتوعية الشعب وخصوصاً الحرس الملكي والعكفة وجيش الإمام وإقناعهم أن هذا النظام نظام بائد لا يمكن أن يسمح بتطور اليمن وتقدمه طالما ظل موجوداً وماهي الطرق الاكثر نضوجاً لتوعية الشعب.
المدهش أنه في نفس الليلة التي وصلنا فيها حجة بعد السفر يومين الى حجة من صنعاء نتفاجأ ببرقية من الإمام موجهة الى عامله في حجة مفادها إذا وصلوا الضيوف فعليكم بإرسالهم الى قلعة وشحة حالاً ودون تأخير.
والغريب أن السواقين رفضوا رفضاً قاطعاً توصيلنا الى قلعة وشحة مما استوجب إدخالهم السجن في حجة بحجة رفضهم أوامر الإمام.
قاموا في الصباح وجهزوا لنا قلاباً كبيراً يسمى أبو شنب، والغريب أننا كلما مرينا على ناس في الطريق ونسألهم عن مصير المساجين الذين ينقلونهم الى قلعة وشحة .. هل يرجعون منها فكانوا يقولون ولا ذي يرجع واحد.. هذا كان جواب من وجدناه على الطريق، فكنا حينها نثق بأن مصيرنا هو الموت وبدون شك.
افطس الأنف
الظريف في رحلتنا الى وشحة هو عندما وصلنا الى حرض واستقبلنا عامل حرض -كان أصله من بيت النعمان- وكان رجلاً خلوقاً ودوداً ومحترماً وكريماً، فقد قام بإكرامنا وضيافتنا على أكمل وجه، فاطمأنينا اليه والى خلقه.
غير أن الذي كان يقض مضاجعنا ويزيد من وحشتنا هو مرافقه الشخصي ذلك الاسود أفطس الأنف عريان الظهر والصدر يتقلد سيفاً على خاصرته وكان يحوم حولنا ويتفرس وجوهنا حتى أننا شكينا في الأمر واعتبرنا أن كرم العامل النعمان انما هو بمثابة تبرئة لذمته، بحيث لا نموت جائعين أو عاطشين وكلما حام حولنا تذكرنا سياف الامام وهو يجندر رؤوس الثوار في ثورة 48 وغيرها.
صادف تخميننا موقف آخر بأنه سياف الإمام وأثناء خروجنا من مدينة حرض وتوجهنا الى قلعة وشحة بمسافة خمسين كيلو متراً.. أوصلونا الى مكان وكان يرافقنا ذلك العبد الأسود وأوقفونا ثم طلبوا منا النزول.. عندها أيقنا بأن الموت حق على كل رقبة وصدقنا المقولة أنه من ذهب الى سجن وشحة لا يرجع أبداً.
فقام كل واحد منا بنطق الشهادة في سره وأيقنا ذلك هو آخر يوم في حياتنا وهم يلحون علينا بالنزول، فكان كل واحد يقول لزميله انزل أنت قال: انزل انت الا أن الغرض منه هو تقديم وجبة الصبوح لنا.
أخيراً هناك موقف مؤثر عند وصولنا اسفل قلعة وشحة كان هناك نقيل طويل ومتعرج وصعب المرور والصعود، فقاموا بإرسال الحمير لنقلنا فلم نفلح في الصعود عليها بسبب القيود مما استوجب صعودنا لاكثر من ثمان ساعات.
> بصراحة كيف كانت مشاعركم وانتم مكبلين بالاغلال لحظة وصولكم قلعة وشحة؟ وما هو النشيد الذي ردد قوله لحظة دخو لكم القلعة؟
>> أنت طلبت الصراحة لقد أزددنا فخراً وعزاً خصوصاً ونحن من أضعف هيبة الامام وكسر شكيمته ونحن لا زلنا طلاب واعمارنا مازالت صغيره غير أن الذي رفع معنوياتنا إلى عنان السماء هي تلك الأناشيد الثورية التي قمنا بتردديها جميعاً وفي صوت واحد وبأرفع الأصوات حتى أوجدنا حالة استنفار داخل القلعة وخارجها.واتذكر بعض المقاطع التي تقول في مطلعها:
زمجري بالنار ياأرض الجنوب
والهبي بالحقد حبات القلوب
واقذفي بالحقد دخاناً ولهيب
زمجري للثأر يا أرض الجنوب
وأركبي الموت الى المجد السليب
زمجري واثأري يا أرض جدي وأبي
وآثاري وعصفي بالغاصب المستعمري
وملأي الروع دماً وجراح
انما المجد نضال وسلام
ولك النصر وللعزم النجاح
اطلقيها ثورة كاللهب
إطلقي واعصفي بالغاصب المستعمري
هذه ارضي وارضي ابداً
وانا من صوتها الحد الصدى
وهي في صوتي هتافاً وندا
سوف اشفي جرحها يوم الفدى
والذي زاد من رفع معنوياتنا داخل القلعة هوالعديد من السجناء الثوار الاحرار وعلى رأسهم العميد حسين المقبلي، محمد رفعت، عبدالعزيز حمدي، داخل القلعة حيث كانوا ضمن المساجين من الثوار الاحرار وكان سجن «وشحة» يعد بمثابة المنفى وكان مدير السجن آنذاك يمارس سياسة الارهاب والحرب النفسية بحيث كان كل أربعة أيام أو أسبوع يقول لنا غداً سوف نعدم أربعة أو خمسة بغرض ارهابنا وتخويفنا وهكذا على طول فترة حبسنا في قلعة وشحة.
الامام امر باعدامنا > كم فترة الحبس التي قضيتها مع زملائك الطلاب في قلعة وشحة وكيف عرفتم بنجاح الثورة؟
>> يبدو أن الامام كان ينوي اعدامنا في يوم عيد الناصر المصادف بعد اسبوع من نجاح ثورة 26 سبتمبر أي لو تأخذنا أكثر من ذلك اسبوع ولم تنجح الثورة فإنه كان قد اصدر مرسوماً ملكياً -قطعة ورق بحجم راحة اليد- ومكتوبة بالخط الاحمر ممهورة بموافقته على اعدامنا مع بقية الثوار الاحرار غير أن ثوار 26سبتمبر أكيد كان عندهم معلومات بامر الاعدام فقاموا بالتعجيل بتفجير الثورة.
أما بالنسبة للفترة في الحبس فقد قضينا فترة ثلاثة أشهر من لحظة اطلاق شرارة المظاهرة الطلابية في 27/6/1962 وتم خروجنا من السجن في 27سبتمبر بعد الثورة بيوم واحد.
مع العلم بأني كنت قد حلمت قبل انطلاق الثورة السبتمبرية بأسبوع بأن هناك دخان يتصاعد من وسط صنعاء ويتجه في جميع الاتجاهات وكلمت انذاك الاخ حسين المقدمي والذي استبشر خيراً واعتبرها نيران الثوار ضد الامام وفسرت تلك الدخان بانها نسمات الثورة وانتشارها في جميع مناطق اليمن غير أن بعض الزملاء لم يعبروها ولم يقرؤ مفهومها واعتبروا الامر مجرد ضحك، ولم يعبروا تلك الرؤيا الا بعد اسبوع اثناء تلقينا خبر نجاح الثورة.
> كيف تلقيتم خبر اعلان الثورة وكيف تم اطلاقكم؟
>> لقد وصل الخبر الينا في الصباح من قبل النقيب حسين المقدمي الذي كان معه راديوا وقد سمع الخبر من اذاعة صنعاء صباحاً، فجاء وبشرنا وعندها لم نتمالك انفسنا بل اقولها لك لقد بكينا من الفرح جميعاً وحسبنا بلذة النصر والتحرر في نفس اليوم الاول للثورة وصلت برقية من المشير عبدالله السلال مفادها بان يتم اطلاق جميع السجناء والمعتقلين من الطلاب والضباط الاحرار على خلفية وقوفهم ضد حكم الامام غير أن عامل «وشحة» رفض رفضاً قاطعاً اطلاقنا وظل يطالب بضرورة امر من مولاه الامام احمد غير معترف بشرعية السلال والجمهورية مما جعل حراس السجن يتخلون عن وقوفهم معه فقاموا ودبروا لنا العديد من ادوات المبارد الخاصة بقطع الحديد وظلينا طوال الليل نبرد القيود حتى كسرناها جميعاً وكسرنا الابواب وتركنا القلعة نازلين طرقها المتعجرفة ولوحظ انذاك اننا اصبحنا في وضع صحي سيئ حيث لم نكن نستطيع المشي بسهولة بسبب حصول حالة تصلب في الركب والمفاصل بسبب مكوثنا ثلاثة اشهر بدون حركة للأرجل.
> هل انصف التاريخ بعد الثورة الحركة الطلابية ودورها في انجاح الثورة؟
>> المفروض أن الثوار الاحرار أنفسهم يعترفون بدور حركة الطلاب وكيف استطاعوا أن يهزوا شوارع صنعاء تلك الأيام بالشعارات الثورية والمنددة بحكم وجبروت الامام دوعوتهم الى ضرورة التحرر من الاستبداد والحكم الجائر الذي لا يخدم الوطن وانما يخدم مصالحه على حساب شعبه المتهالك معيشياً وصحياً وثقافياً واقتصادياً وسياسياً.
فجميع الثوار يعرفون شجاعة الطلاب وحركتهم وكيف كسروا حاجز الخوف لدى الشعب ففي ذلك اليوم ضم العديد من المواطنين تلبية لتلك المظاهرة وهم أكيد لازالوا يذكرون كيف كان يتم التنسيق بين الطلاب والثوار.
كما أن الطلاب انفسهم واجهوا مصير الموت والتعذيب والسجن وتحمل المعانات على طول فترة حكم الامام أحمد واعوانه وكيف كانوا مشاعل نور تضيئ للآخرين ولا شك ان الرعيل الاول من طلاب المدارس خلال تلك الفترة قد افنوا اعمارهم في خدمة هذا الوطن.
أعتقد أن الفارق في تلك المرحلة يتمثل بان الطلاب كانوا يحملون قلماً ودفتر لتنوير وتثقيف أبناء الشعب بينما يتمثل الجانب الآخر بقيادتهم للثورة وطرد النظام الامامي والحفاظ على النظام الجمهوري وسيادة الوطن وامنه واستقراره.
وبعد الثورة البعض منا التحقوا بالسلك العسكري واصبح عميداً والبعض واصل في السلك المدني غير ان معظمهم مازالوا مهضومين في الحقوق والمستحقات رغم ماقدموه من تضحيات ومواقف مشرفة في حياتهم النضالية فقد خدموا الوطن وحافظوا على سيادته وامنه واستقراره الا انهم لم يأخذوا حقهم بالشكل المطلوب.
الاجتماع مع الزبيري > أثناء خروجكم جميعاً من قلعة وشحة إلى أين اتجهتم؟
>> الى الحديدة وتم استقبالنا من قبل طلاب الحديدة وتم تكريمنا بعمل حفلة خاصة وفي نفس الليلة لم تكتمل تلك الحفلة بسبب البرقية التي وصلت من المشير السلال لتستعجل بوصولنا الى صنعاء في تلك الليلة.
طبعاً المشير السلال رحمة الله عليه كان على اطلاع ومتابعة لنا منذ اعتقالنا حتى حبسنا في وشحة وهو يقدر قيمة المتعلمين والمثقفين ويعد بان دورنا سيكون كبيراً في نقل ثقافة وافكار الثورة الى جميع مناطق وقرى اليمن وهذا ما حدث فعلاً فبعد وصولنا الى صنعاء وجدناه يخطب بالجماهير في العرضي فوق مصفحة مع المرحوم الزبيري وعندها وجه باجتماعنا مع الزبيري بعد أن قال لنا يجب أن تعرفوا أن الامام كان قد عقد العزم على اعدامكم جميعاً أنتم والثوار الأحرار لذلك تم التعجيل بقيام الثورة حتى لا تكبر محنة الشعب كان هناك نسخة من امر الاعدام لم نتمكن من حفظها وبعد اجتماعنا بالمرحوم طالبنا بانضمامنا إلى الثوار الاحرار غير أنه اجاب أن دور كم اكبر من دور القتال ومتابعة بقايا الحكم الامامي فانتم طلاب متعلمين وتحملون فكراً وتنويراً وثقافة وما عليكم الا ان يتوجه كل واحد منكم الى منطقته ويقوم بدعوة الناس الى الالتفاف حول الثورة والدفاع عنها والتعاون ضد الملكيين. وقام بدعمنا بالمصروف الجيبي لتسهيل تحركنا واعطى كل واحد منا 20 ريال (فرانصي).
> بحكم أنكم كنتم شباب وطلاب وقمتم باطلاق اول مظاهرة ضد الظلم والطغيان ما لذي تودون قوله لشباب اليوم؟
>> لا شك أن التغيير سنة من سنن الخالق والتغيير ضروري في أي شيء حتى في حياتك الشخصية ومن المعروف أن الشخص الذي يحب بلده ويحترمها ويحترم شعبه ويعمل على تطوره وتقدمه ويحاول أن يجعل بلده أفضل من اي بلداً اخر وبالتأكيد سيكون له الفضل الكبير في ذلك أما الشخص الذي يفكر ويرعى مصالحه الشخصية أكيد أنه سوف يخسر شعبه وعمله ومنصبه ولا شك بأنه قد يكون اشبه بالعميل الذي يخدم دولة اخرى.
> ماهي الدروس والعبر التي تقدموها للاجيال الصاعدة؟
>> ارجو من شبابنا أن يكونوا حريصين على تحصيلهم العلمي من اجل ان يخدموا أنفسهم اولاً ووطنهم ثانياً.
كما اطلب منهم أن يحافظوا على وطنهم وسيادته وامنه واستقراره وأن يتحلوا بالوطنية لان كرامة وطننا هي من كرامتنا وأمنه من أمننا واستقرار الوطن من استقرارنا ونعتبر اية اهانة للوطن هي اهانة لنا جميعاً.
كما اطلب منهم ان يحافظوا على ثورتهم الشبابية التي شهد لها العالم بالنزاهة وأن يكونوا سنداً وعوناً للقيادة السياسية وان لا يجعلوا لليأس مكان في قلوبهم وان يصمدوا ويستبشروا خيراً لان بعد العسر يسرا، ؤأمل في هذا الشباب خيراً لان الاوطان تبنى بشبابها وليس بشيوخها كما اطلب منهم ان يحافظوا على شرف ومهنة الوظيفة ويتجنبوا حق الضعفاء والمساكين.
وان لا يتركوا الوطن يتجزاء ويتشرذم ويتمثل ذلك بحفاظهم على الوحدة ونشر ثقافة الوعي بين اوساط الشعب.
> تحتفل بلادنا هذه الايام بالعيد الذهبي لثورة 26سبتمبر لمرورها خمسون عاماً.. هل برئيك تحققت كافة الطموحات والتطلعات التي حلمتم بها وخرجتم من اجلها؟
>> أكيد لقد تحققت معظم تلك الطموحات والتطلعات غير انها نجحت في جوانب واخفقت في جوانب اخرى نتيجة للظروف التي مرت بها الثورة منذ قيامها وحتى يومنا نتيجة الانقلابات والاغتيالات والحروب الغير مبررة مما اوجد ربكة في مسار تحقيق تلك التطلعات والطموحات.
> هل برأيك تحققت الاهداف السبتمبرية للثورة ام حدث هناك نوع من الانحراف؟
>> أرى أن الاهداف الستة للثورة لم تحقق.. الاهداف التي كان يطمح بها الشعب وذلك نتيجة لوجود بعض الانحرافات التي غيرت مسار تحقيق أهداف ثورة 62سبتمبر.
> ماهي أهم الايجابيات لثورة 62سبتمبر والاخفاقات التي رافقت الثور؟
>> أهم الايجابيات لثورة 62سبتمبر.. هناك الكثير من المكاسب التي تحققت مثل انتشار المدارس والتعليم والمستشفيات وتوسيع انتشار الطرقات حتى وصلت الى معظم القرى في جميع انحاء اليمن.
واهم الاخفاقات هي:
ضعف الاهتمام بالتعليم ومخرجاته وكذلك انتشار ظاهرة الغش خصوصاً في السنوات الاخيرة.
وكذا انتشار ظاهرة الفساد الذي عم جميع مرافق الدولة واصبح آفة عصرنا ونهب المال العام بدون وازع ديني وعدم الشعور بالوطنية من قبل بعض الاشخاص الذين يفضلون مصلحتهم على مصلحة الوطن.