(3) فئة المسئولين وكادر الدولة في الأنظمة السابقة
" مشروع رؤية تقويمية مقترحة في طبيعة الأدوار الوطنية
- تأسيسا على ما ذكرناه معاني ودلالات ومؤشرات حول أهمية ومن ثم ضرورة وجود رؤية طموحة للأدوار الوطنية المنشودة لهذه الفئة المهمة جدا من المجتمع، أوردنا بعض أهم مؤشراتها في مقالتنا المنشورة تحت عنوان (المسئولين وكادر الدولة في الأنظمة السابقة: رؤية تقويمية طموحة في أهمية الأدوار الوطنية المنشودة !!)؛ ضمن إطار سلسلة من المقالات تحمل عنوان (المسئولين وكادر الدولة في الأنظمة السابقة: قراءة في أبجديات خارطة الطريق الجديدة لإرساء مداميك الدولة المدنية البحرية الحديثة)، يمكن إعادة صياغة وبلورة بعض أهم المعالم الرئيسة لطبيعة الأدوار الوطنية المنشودة ضمن إطار مشروع رؤية وطنية طموحة مقترحة في اتجاهين رئيسين متلازمين على أقل تقدير، تجسد الدولة الحديثة بأعمدتها الثلاثة الأساسية الأول له علاقة وثيقة الصلة بالنظام السياسي نفسه (الجانب الرسمي) والثاني له علاقة بالقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني (الجانب غير الرسمي)؛ وعلى النحو التالي:
أولا: فيما يتعلق بالنظام السياسي :
- يتمحور هذا الاتجاه حول توجيه جزء مهم من هذه الفئة للعمل ضمن أروقة الدولة في عمودها الأساسي الذي يمثله النظام السياسي ولكن بمسافات متباينة عن المواقع الرسمية ذات الطابع الإداري والسياسي من خلال الاستفادة من البعض منها من ذوي الخبرات المتخصصة في تأسيس أهم الحلقات المعنية بصناعة القرار المحيطة بدوائر اتخاذ القرار، في اتجاه مأسسة القرار السياسي اليمني الداخلي والخارجي بما يسهم في ترشيد القرار، وصولا إلى إعادة استيعاب أهم مسئولي الدولة وكادرها المعنيين كلا بحسب خبرته وعلومه ومهاراته فيها- أولا.
- وإعادة استيعاب الجزء الأخر كلا بحسب خبراته وعلومه ومهاراته في مراكز الدراسات والأبحاث التي يجب أن يتم تأسيسها على معايير وطنية ومهنية في كل مؤسسات وأجهزة الدولة، كحلقة مكملة للحلقات المحيطة بدوائر صنع القرار الأنفة الذكر- ثانيا- وصولا إلى إعادة استيعاب الجزء الأخر في مراكز دراسات وأبحاث رسمية تابعة للدولة أو غير رسمية مستقلة- ثالثا- ومن ثم ربط مخرجات هذه المراكز بجهاز الأمن القومي.
- أما عن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المهام الموكلة لهذه المراكز فهي مهام ذات طابع سيادي تُعنى بترشيد عملية صناعة واتخاذ القرار على المستوى القومي، ومنها ذات طابع فني تخصصي يرتبط بترشيد صناعة واتخاذ القرار داخل كل مؤسسة من حيث تحسين أساليب أدائها ومخرجاتها، ومنها ذات طابع عام تُعنى بالمساهمة في دراسة متطلبات المرحلة بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع باقي المراكز التي تعج بها البلاد، ومنها أخيرا ما لها علاقة بإعادة كتابة وتقييم تاريخ اليمن المعاصر على أسس موضوعية، يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في محورين رئيسين.
- المحور الأول له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة المهام التي تهتم بإحياء أهم الحلقات المضيئة للمحطات الرئيسة في التاريخ اليمني؛ من خلال إعادة قراءتها ودراستها ومن ثم تقييمها؛ كمدخل أساسي لا بد منه للاستنباط وأخذ الدروس والعبر المهمة المفيدة بهذا الشأن، في اتجاه إعادة تقويم مسارات البلاد الحالية والقادمة مراعاة لعامل الوقت والسرعة والكلفة، من خلال البناء على نقاط القوة التي تزخر بعض أهم تجاربنا ومعالجة مواطن الضعف فيها أو تجاهلها، باعتبارها جزء لا يتجزأ من تراث وثروة ومن ثم مسيرة الأمة نفسها أخذت منها الوقت الطويل والجهد المضني والثروات والموارد الضخمة....، بما يرقى بأقوالنا وأفعالنا إلى المستوى الوطني والتاريخي المنشود.
- والمحور الثاني له علاقة وثيقة الصلة بمهام إعادة تقييم مسيرة البلاد برمتها وكل مسئول فيها في المدى المتوسط كي يأخذ كل ذي حقا حقه سلبا وإيجابا، سيما أن هذه العملية سوف تأتي متسقة إلى حد كبير مع مهام إعادة تأهيل وتطوير الحياة السياسية المتوقعة، بحيث يصبح لمنظمات المجتمع المدني مراكز دراسات وأبحاث و...، يعتد بها بهذا الشأن، كي تتفق شكلا ومضمونا مع متطلبات المرحلة القادمة التي سوف تلج من خلالها اليمن مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة.
- في حين يتمحور الاتجاه الثاني حول توجيه وتأطير جزء مهم أخر من هذه الفئة للعمل ضمن أروقة الدولة بعموديها الأخريين اللذان يشكلان الجانب غير الرسمي.
ثانيا فيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني:
- تتعلق طبيعة الرؤية المقترحة بهذا الشأن بطبيعة الآليات الرسمية المقترحة لإعادة استيعاب جزء مهم من هذه الفئة ضمن إطار منظمات المجتمع المدني العمود الثالث من أعمدة الدولة المدنية الحديثة المنشودة، سيما تلك العناصر التي لديها القدرة على إحداث نقلة نوعية في واقعها؛ من حيث مستوى أدائها وفاعليتها ومخرجاتها المنشودة، على اعتبار إن هذا العمود سوف يكون له مكانة مرموقة لها شأنها في الدولة المدنية الجديدة.
- حيث ستقع عليه كامل المسئولية في لعب أدوار محورية يغلب عليها طابع الرقابة والإشراف والمراجعة لمسارات العملية التنموية بكل أبعادها- من جهة- والتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة في قيادة المرحلة مع باقي أعمدة الدولة الأخرى (النظام السياسي، القطاع الخاص)، سيما إن أبعاد ومضامين المرحلة القادمة تتطلب ان ترقى قيادات وعناصر منظمات المجتمع المدني بأدوارها ومهامها إلى أعلى المستويات التي تستطيع من خلالها تمثيل مصالح الشعب في حدودها العليا، على خلفية ما يمكن أن تضيفه عملية استيعاب هذه الفئة من مسئولي الدولة وكادرها في هذا الوسط من نقلة مهمة جدا تتناسب إلى حد كبير مع النقلة المتوقعة في الأوساط الأخرى (النظام السياسي والقطاع الخاص).
ثالثا: فيما يتلق بالقطاع الخاص:
- تتعلق طبيعة الرؤية المقترحة بهذا الشأن بإعادة ترتيب أوضاع (القطاع الخاص) من الجانب التشريعي وصولا إلى إعادة تأهيله وتطويره من أجل تصحيح رسالته وأهدافه ومساراته وسياساته...الخ - من جهة- وتصحيح أدواره ومهامه وأوضاعه المختلة- من جهة ثانية- في اتجاه ضمان مرونة وانسيابية انخراطه في أتون معركة الحياة في سبيل الله التي تستعد اليمن دولة وشعبا لخوض فصولها عام 2014م، كي يتمكن هذا القطاع من تحمل تبعات المسئولية الوطنية والتاريخية الضخمة الملقاة على عاتقه إزاء الوطن والمواطن، من خلال حسن توظيف ما تمتلكه من خبرات تراكمية لدي بعض أهم عناصر هذه الفئة وصولا إلى السعي بقوة وراء الدفع بالجزء الأكبر والمهم من مسئولي الدولة وكادرها في أتون هذا الوسط الأكثر أهمية وإلحاحا الذي سوف توكل إليه مهام تفجير وضمان بقاء واستمرار الثورة الرابعة القادمة في اليمن ذات الطابع التنموي، والتي يجب أن تنبع وتستهدف أوساط المجتمعات المحلية نفسها.
- من خلال دفعهم بصورة مباشرة وغير مباشرة نحو إعادة توظيف واستثمار أموالهم التي حصلوا عليها في سنوات خدمتهم البلاد بصورة شرعية وغير شرعية في مشاريع تنموية عملاقة تطال كافة البني التحتية بعد توفير كافة الأجواء اللازمة لذلك، وبالشكل الذي يضمن معه إيقاف معظم عمليات التهريب للأموال (التي نضع عليها الكثير من علامات الاستفهام) إلى الخارج ليس هذا فحسب، لا بل وفي نفس الوقت تدفعها بشكل جاد إلى استعادة الجزء الأكبر والمهم من أموالها التي نجحت في إخراجها من البلاد والاحتفاظ بها في ضمن نطاق حدود سواء البنوك والمصارف العربية والأجنبية أو شتى الاستثمارات في الخارج.
- سيما إن هذا الأمر قد أصبح أمرا واردا، باعتبارها أموالا تعود بالدرجة الأساس للأمة، تم الحصول عليها نتاج لعمليات مشبوهة وغير مشروعة، بسبب استشراء ظاهرة الفساد في جسد الدولة والمجتمع، وبالتالي تصبح اليمن أولى بهذه الأموال كي تشكل محور ارتكاز مهم في هذا الحراك الرسمي وغير الرسمي، على أساس إن الكثير من القوانين والإجراءات قد حسمت وأوقفت أية ملاحقات قضائية وجنائية وبوليسية بهذا الشأن، بالاستناد إلى ثلاثة اعتبارات رئيسة بهذا الشأن.
- الأول له علاقة بفتح الأبواب على مصراعيها أمام هذه الفئة طواعية للانخراط بقوة في أتون هذا الأمر لإثبات حقيقة مدي ولائها وانتمائها لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا، في حين يتمحور الاعتبار الثاني بحقيقة الرسائل التي تضمنتها التوجهات والمواقف الدولية في إدارة إرهاصات الحراك الذي تشهده المنطقة العربية منذ مطلع العام الماضي، في اتجاه إجبار مسئولي الدول وكوادرها على العمل بجد ومسئولية عالية في رفع وتائر مساعيهم المبذولة لإصلاح واقعهم السياسي كمدخل الإصلاح واقعهم الداخلي بما يخدم مصالحها الحيوية، التي تدور حول تقليص حاد جدا في عدد الخيارات المتاحة أمام هذه الفئة من المسئولين في الأنظمة السابقة من الاستمرار بعمليات الفساد والإفساد المتمثلة بالاستنزاف والفوضى في الإدارة والنهب لموارد وإمكانات الدولة واستحالة التنصل من تحمل المسئولية كاملة إزائها فإذا نجا من مقصلة القانون فلن ينجو من مقاصل الشعب ليس هذا فحسب، لا بل وقلة الفرص المتاحة أمامها إلى حد كبير لإمكانية تهريب هذه الأموال خارج البلاد، جراء وقوعها تحت رقابة مشددة من دول بعينها في المجتمع الدولي في اتجاه ضوء الأدوار التي تلعبها دول المجتمع الدولي والإقليمي، بصورة وضعت فئة مسئولي الدولة وكادرها في الأنظمة السابقة والقادمة بين مطرقة الداخل وسندان الخارج.
- أما الاعتبار الثالث فإن له علاقة وثيقة الصلة بسابقة مهمة جدا بهذا الشأن؛ ترجع بجذورها إلى حقبة الرئيس الشهيد إبراهيم ألحمدي عام 1974م، عندما قام باستعادة صناديق ضخمة من الأموال والمجوهرات حرزت عليها القوات المصرية أثناء اندلاع الثورة عام 1962م، واستفاد من هذه الثروة في تأمين أوضاع العملة اليمنية كأحد أهم خطوات إنعاش الاقتصاد الوطني كما أوردتها أحد التحقيقات المنشورة في العدد الخاص لصحيفة الجمهورية الصادر بمناسبة الوبيل الذهبي للثورة السبتمبرية بعنوان (قصور الإمام.. هل تحمل أوزاره لتستحق الهدم!!) بتاريخ 26/9/2012م.
- وفي الأخير نخلص إلى القول إن فتح الأبواب على مصراعيها أمام هذه الفئة المهمة من المجتمع كي تستعيد توازنها المفقود داخل البلاد دولة وشعبا هي فرصة حقيقية أمامها لإخراج أفضل ما عندها من إثباتات ودلائل واقعية عن ولائها وانتماؤها لليمن شعبا ثم دولة، على افتراض أن هنالك ظروف كثيرة حالت في الفترة الماضية دون ذلك (محاسبة الضمير والتكفير عن التقصير،...)، سيما إن تاريخنا العربي- الإسلامي يعطينا أمثلة حية في نماذج من أبناء الأمة كانوا الأكثر والأشد خطورة على مسيرة الأمة، إلا أنهم بمجرد انضوائهم ضمن صفوفها تحولوا إلى أبر وأخلص أبنائها، فكانوا إضافة نوعية فريدة من نوعها في التسابق والمنافسة لخدمتها والبر بها كامتنان منهم لها على قبولها التغاضي عن ما ألحقوه بحقها من أذي من باب التكفير عن مواقفهم الماضية.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.