اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- قد يسأل سائل وله الحق في ذلك عن الدافع الأساسي الذي يقف وراء اختياري الكتابة في مضامين وأبعاد هذا الموضوع ومن تحت هذا العنوان بالتحديد، سأرد عليه بالقول إن طبيعة الملابسات المهمة التي انكشفت لي والنتائج المهمة التي توصلت إليها أثناء وبعد انتهائي من إعداد مقالاتي السابقة المنشورة ضمن سلسلة متتابعة أعكف عليها منذ عاما ونصف ضمن إطار موضوع (قراءة في أبجديات خارطة الطريق الجديدة لإرساء مداميك الدولة المدنية البحرية الحديثة)، ابتداء بتلك السلسلة من المقالات المنشورة الخاصة بالقراءات ذات الطابع الاستراتيجي لخارطة الطريق الجديدة التي تمثلها (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة)، ومرورا بتلك السلسلة من المقالات المنشورة التي حملت عنوان (اتجاهات جديدة نحو فهم أعمق لحقيقة الأوضاع الحالية في اليمن !!)، وانتهاء بتلك السلسلة من المقالات المنشورة المتعلقة بمحاولة تقييم ومن ثم تقويم أدوار ومهام فئة مسئولي الدولة وكادرها في الأنظمة السابقة في المرحلة الحالية والقادمة على سبيل المثال لا الحصر.
- فتحت أمامي الباب على مصراعيه إلى حد ما، كي يتسنى لي الخوض بثقة في أتون مثل هكذا جزئية مهمة أثارت ومازالت جدلا واسعا بين مختلف عموم قطاعات الرأي العام- من جهة- وبين الكثير من المختصين والمعنيين- من جهة أخرى- سيما أن المنطق والواقع على حد سواء كان يؤكدان إلى حد كبير على أن المرحلة الانتقالية المحددة بالمبادرة بعامين ونصف منذ الوهلة الأولى سوف تشهد تغيرات شبه جذرية- هذا إن لم نقل جذرية- تطال (كل/معظم) مسئولي وكوادر الدولة في الأنظمة السابقة والنظام السابق منها – بوجه خاص- بدون أية استثناءات إلا بما تفرضه عملية الانتقال التدريجي لمقاليد السلطة من أولويات واستثناءات نسبية تفرضها أولويات المصلحة الوطنية العليا، بحيث تتاح الفرصة واسعة أمام إمكانية إشغال هذه المواقع والمناصب الرسمية بدماء جديدة من الشباب صاحب المصلحة الحيوية بهذا الأمر والقوة الحقيقية كما ونوعا والمفعم بالحيوية والمشبع بالروح والقيم الوطنية والدينية والأخلاقية والقادر على قيادة المرحلة بالاستناد على ما يمتلكه من علوم ومعارف ومهارات وهمم جديدة.
- ولكني لا أخفيكم سرا أني كنت قد فوجئت ومعي الكثيرين من أبناء الأمة منذ أول تغيير طال الجهاز الإداري للدولة إلى هذا اليوم فمعظم هذه المواقع والمناصب تم إشغالها من قبل مسئولي وكوادر الدولة من عموم الأنظمة السابقة بدون أية مبررات رسمية وغير رسمية تذكر حتى حارت العقول والأذهان وتوجست القلوب والأفئدة خيفة من كل شئ يدور حولها، لدرجة بدأت القلوب والعقول والأذهان ومن ثم الأقلام مستسلمة تنسج منظومة شبه متكاملة من المخاوف والهواجس والأوهام عن ما جرى ويجري وسيجرى، وخاصة في أوساط فئة الشباب والذين أهلوا أنفسهم أو تم تأهيلهم للمساهمة والمشاركة في قيادة المرحلة الحالية منهم- بوجه خاص- تمهيدا لاستلام مقاليد السلطة في المرحلة القادمة، والذين انفتحت أنفسهم للحياة عندما ظنوا أن اللحظة التي انتظروها طوال أعمارهم قد جاءت على طبق من ذهب وإن وقتهم قد حان لتسلم زمام الأمور كلها من الأجيال السابقة.
- على خلفية ما تنامي إلى مدركات الكثيرين ومنهم كاتب المقال من تصورات ذات طابع سلبي تدور حول ما أصبح يتسم به الواقع الرسمي الحالي من ضيق شديد في الأفق إلى الحد الذي انحصرت فيه سلسلة التعيينات في الجهاز الإداري للدولة ضمن إطار نطاق حدود الدوائر المغلقة نفسها التي احتكرت العملية السياسية والإدارية....الخ على مدار الأربعة عقود ونيف الماضية ليس هذا فحسب، لا بل وبنفس الشخوص الذين توقف عندهم دوران عجلة الزمن منذ فترة ليست بالقصيرة، فأوقفوا عجلة التقدم والتطور على كافة المستويات في البلاد وأفقدونا الأمل بغد مشرق فيما استطاعوا إليها سبيلا- هذا إن لم نقل أهلكوا الحرث والنسل، لدرجة وصلنا إلى شبه قناعة تامة مفادها أن المواقع القيادية والمناصب في الجهاز الإداري قد فصلت بالفعل على أناس بعينهم ضمن هذه الدائرة أو تلك، وكأن اليمن لم تنجب سواهم من داخل هذه الدوائر أو خارجها وهنا يكمن بيت القصيد.
- وعليه فإن التساؤلات المحورية الأكثر أهمية وإلحاحا التي أصبحت تفرض نفسها بقوة عند هذا الحد من الطرح مفادها ما الذي حدث ومازال يحدث في المشهد الداخلي اليمني والسياسي منه- بوجه خاص ؟ أي بمعنى أخر أكثر دقة وتحديدا ما طبيعة أسرار وخفايا بقاء وعودة فئة مسئولي الدولة وكوادرها في الأنظمة السابقة بقوة إلى سدة السلطة وبهذا الشكل الجنوني وغير المنطقي، بعدما كنت أظن ومعي الكثيرون من أبناء الأمة وشبابها استحالة حدوث ذلك حتى لو قدمت إليهم على طبق من ذهب فإنهم سوف يعزفون عنها ما دامت لهم عقول وأبصار ينظرون بها وقلوب يفقهون بها ؟
- في ضوء ما أفرزته أحداث مطلع العام الماضي من آثار وتداعيات سلبية بهذا الشأن، كادت تضعهم جميعا ومن أحبوا وارتبط بهم وما جمعوه طوال سنين أعمارهم في السلطة إلا من رحم الله تحت مقاصل الموت المحتوم وطريق اللا عوده، سيما أن معظم المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية وما تفرضه من متطلبات في المرحلة الحالية والقادمة- وفقا- لأولويات المصلحة الوطنية العليا ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية لا يمكن تجاهلها أو تجاوزها كانت ومازالت وستظل تقف بالضد قلبا وقالبا من مثل هكذا مسارات طارئة لم يعد لها مرتكزات تبررها على أرض الواقع، على خلفية ما يتوقع أن تلحقه هذه الخطوة غير المتوقعة من أضرار وخسائر جسيمة بالفرص الاستثنائية التاريخية الذهبية المتاحة أمام اليمن للنهوض بواقعها كما أوردنا الكثير من مؤشراتها في مقالاتنا السابقة المنشورة.
- وأخيرا هل يسعنا القول- في المجمل النهائي- أن قيادة حركة التغيير الوطني قد فقدت زمام الأمور من أياديها، تاركة نفسها متأرجحة بين أقدام التيار التقليدي المحافظ والمتطرف وشركائه وما هي إلا فترة وجيزة وتتضح الأمور على حقيقتها أم لا، بحكم أن الأمر برمته كان ومازال إلى حد كبير قيد سيطرتها بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع الطرف السعودي ومن ورائهما الأطراف الراعية للمبادرة ؟ كيف ولماذا ؟
- مما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن أن الحصول على إجابات مهمة عن هذه التساؤلات سوف يرتبط إلى حد كبير بطبيعة مفردات ومسارات ومن ثم مضامين وأبعاد خارطة الطريق الجديدة التي تمثلها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتي سوف تتضح أهم معالمها الرئيسة من خلال إعادة صياغة وبلورة طبيعة مسارات العمل المنشودة في هذه المرحلة، في ضوء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المسئوليات والمهام الوطنية والتاريخية التي يغلب عليها الطابع الأمني والسياسي أكثر منه التنموي الملقاة على عاتق المعنيين فيها للخروج باليمن من الأنفاق المظلمة التي دخلتها منذ أربعة عقود ونيف ماضية وهذا ما سوف نقوم بالتركيز عليه في مقالتنا.
- وهو الأمر الذي يمكن إعادة بلورة أهم معالمها الرئيسة في اتجاهين رئيسين متداخلين ومتلازمين يُعنى الأول بمهام ذات طابع أمني فرضتها طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الأوضاع المتدهورة جدا التي تعيشها اليمن دولة وشعبا على كافة المستويات منذ مطلع الماضي، التي تقف ورائها عناصر التيار التقليدي المحافظ والمتطرف (حزب الإصلاح) وشركائه وحلفاؤه، التي رمت بثقلها وكشفت عن كل أوراقها دفعة واحدة بدون أية ضوابط تذكر، كأخر أمل لها باتجاه إسقاط وتصفية أعدائها وخصومها في التيار التحديثي التحرري واستلام مقاليد الأمور كلها في البلاد.
- بصورة فرضت نفسها على الأطراف الراعية للمبادرة أثناء تقسيم الوزارات في حكومة الوفاق تأكيدا لهذا الأمر، في محاولة منها لتحميلها كامل المسئولية، بحيث تم إلزامها بإدارة أغلب الوزارات التي كان لها اليد الطولي في العبث بمواردها وتحطيم مرافقها وحرف مساراتها أثناء الأزمة في اتجاه إسقاط النظام، كأهم وسائلها الأكثر تأثيرا وأثرا المستخدمة في إدارتها، باعتبارها الأكثر قربا من احتياجات المواطن الملحة ومساسا بأمنه.
- والتي نجحت حركة التغيير الوطني إلى حد ما في تحقيق الجزء الأكبر والمهم من أهداف المرحلة الأولى منها والمتمثلة في نزع فتيل الاحتراب الأهلي الذي كان قاب قوسين أو أدني وحالت دون انفراط عقد البلاد من خلال ما قطعته من أشواط مهمة بهذا الشأن، أما أهدافها المحددة في المرحلة الثانية فقد قطعت شوطا مهما لا بأس به إلى حد الآن؛ والمتمثلة بتهيئة كافة الأجواء اللازمة لرأب الصدع الحاصل في صفوف الجيش، والبدء بعمليات إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ومهنية طموحة.
- في حين يهتم الاتجاه الثاني بمهام ذات طابع سياسي تشكل بالدرجة الأساس محور الارتكاز الأساسي للمرحلة الانتقالية برمتها ولم تظهر إلى حد الآن مقدار الانجاز فيها؛ تتعلق في الجزء الأكبر والمهم منها بمهام تهيئة كافة الأجواء اللازمة لإمكانية تأسيس واستكمال بناء الحلقات الأساسية في المحطة الأولى التي تقف عندها اليمن منذ ثلاثة عقود ونيف، والتي يمثلها الملف السياسي بكل أبعاده أكثر منه التنموي، باعتباره محور الارتكاز الأساسي لا بل والحلقة الأساسية الأكثر أهمية وإلحاحا في منظومة الحل الجذري الأمثل المطروح أمام اليمن ، التي يتوقع للبلاد من خلاله تصحيح مسار الحياة الرسمية بكل أبعادها (السياسية، الدستورية،...، العسكرية، الأمنية) وصولا إلى الحياة غير الرسمية كما أوردتها نصوص الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية وملحقاتها وأشرنا إليها في مقالاتنا السابقة المنشورة.
- كي يتسنى لها- في المجمل النهائي- من ولوج أتون المحطة الثانية القادمة المنشودة بالانتقال الأمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة وخوض أتون إرهاصات معركة الحياة في سبيل الله القادمة بولوج اليمن أهم مرحلة من مراحل العمل الوطني قاطبة من أوسع أبوابها التي تمثلها مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة بعد العام 2014م على أقل تقدير، تحت قيادة حركة التغيير الوطني بمسارها الجديد (الحركة التصحيحية الثالثة) بطواقمها الجديدة، وتتعلق في الجزء الأخر بمهام تسهيل عملية الانتقال السلمية التدريجة لمقاليد السلطة إلى الجيل الجديد من الشباب المعول عليهم تحمل مسئولية قيادة البلاد في المرحلة القادمة، تبدأ أول وأهم إرهاصاتها من هذه المرحلة بوضع اللبنات الأولى منهم، كي يتسنى لهم المساهمة والمشاركة في إدارة شئون البلاد وهكذا.
- مع وجود ضرورة ملحة حول أهمية الأخذ بنظر الاعتبار ونحن نحاول الغوص بعمق في هذا الأمر إن نؤكد على أن أصل حقيقة المشاكل السياسية التي تعيشها اليمن بالدرجة الأساس؛ تتمحور في الجزء الأكبر والمهم منها باعتبارها امتدادات طبيعية ونتاجات حقيقية لمضامين وأبعاد حيثيات صراعات سياسية مصيرية (أيدلوجية) أكثر منها تقليدية بامتدادات خارجية أكثر منها داخلية؛ تدور حلقاتها الرئيسة منذ خمسة عقود ماضية إلى حد كبير بين تيارين ومشروعين وإرادتين هما التيار التحديثي التحرري والتيار التقليدي وشركائه، كما أوردنا بعض أهم مؤشراتها في مقالتنا المنشورة بعنوان (صراع تقليدي أم مصيري: هي حقيقة المشاكل السياسية التي تعيشها اليمن!!) و(داخلية أم خارجية: هي حقيقة أصل الصراعات السياسية المصيرية التي تعيشها اليمن!!)، وهو الأمر الذي فرض ومازال يفرض نفسه بقوة على حقيقة ما يجري في المشهد الداخلي- السياسي على أرض الواقع من تطورات رئيسة في اتجاه إحلال توازنات جديدة على أنقاض توازنات قائمة.
- بمعنى أخر أكثر دقة وتحديدا أن كانت طبيعة مخرجات العملية السياسية برمتها في المرحلة الحالية بالاستناد إلى مفردات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة يجب أن تسير في اتجاه وضع اليمن دولة وشعبا بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة على أعتاب بوابة المرحلة القادمة المنشودة، فإن هذه الغاية في نفس الوقت تتقاطع إلى حد كبير قلبا وقالبا مع رؤى ومواقف وتوجهات وسياسات وأهداف ومصالح التيار التقليدي وشركائه وحلفاؤه (الطرف الثاني الموقع على المبادرة)، الذي تتباين ويتناقض الجزء الأكبر والمهم من أولوياته شكلا ومضمونا مع أولويات المصلحة الوطنية العليا.
- وهو الأمر الذي يجعل من إرهاصات هذه العملية في معظم حيثياتها وأبعادها ومن ثم نتائجها ذات طابع مصيري، تهدد بنتائجها المرسومة مسارات وكيانات سياسية بأكملها تجذرت في أرض الواقع منذ فترة طويلة حتى وإن كانت تدور الكثير من تفاصيلها في الخفاء، كي تتضح أمامنا- في نهاية المطاف- طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الصعوبات والعراقيل ومن ثم التحديات التي تقف أمام مرونة وانسيابية هذا الأمر إلى حد اليوم على عكس الكثير من التوقعات.
- ومن هذا المنطلق- أيضا- تتضح إلى حد كبير أمامنا بعض أهم الملامح الرئيسة عن أهم الدوافع والأسباب الكامنة التي فرضت نفسها بقوة على المعنيين في قيادة حركة التغيير الوطني بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع الطرف السعودي ومن ورائهما الأطراف الراعية للمبادرة إلى القبول بالتراجع خطوة واحدة إلى الخلف، كي يتسنى لها استيعاب آثار وتداعيات هذا الأمر المنظورة وغير المنظورة.
- من خلال القبول بتسليم ملف إدارة المرحلة الانتقالية لفئة من المسئولين وكوادر الدولة في الأنظمة السابقة المنتمين للتيارين أعلاه، باعتبارهم نفس العناصر والأطراف التي تقف وراء انحراف وتشويه ومن ثم تجميد وإيقاف أية خطوة حقيقية أمام اليمن للنهوض على مدار العقود الماضية، في خطوة جريئة ومفاجئة منها لوضعهم جميعا بدون أية استثناءات تحت الأضواء داخليا وخارجيا وتحميلهم كامل تبعات المسئولية في ترجمة وإنفاذ مفردات خارطة الطريق الجديدة، حتى وإن كانت سوف تفضي إلى إسقاط التيار التقليدي وشركائه وحلفاؤه فكرا ومشروعا وأفرادا ومن ثم دك معاقلهم الواحدة تلو الأخرى.
- سيما أن إرهاصات المرحلة الحالية معقدة جدا ومتشابكة إلى حد كبير وأطرافها الذين سلمت لهم إدارة البلاد على مدار الأربعة عقود ونيف الماضية مازالوا على قيد الحياة ليس هذا فحسب، لا بل ومازالوا يمارسون الحياة السياسية بكل مستوياتها لأنهم مازالوا يمسكون بكل خيوط اللعبة الدائرة رحاها في الساحة السياسية والاقتصادية والأمنية...، جراء عدم قدرتهم إلى حد اليوم الإقرار بتلك الحقيقة الدامغة في أرض الواقع إن عمرهم الافتراضي قد انتهى لخدمة اليمن من هذه المواقع الرسمية ذات الطابع الإداري وكذا السياسي وثيق العلاقة بالمناصب الرفيعة (الصفوف الأولى والثانية..)، بالاستناد إلى ما فرضته المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية من أولويات ومتطلبات في المرحلة الحالية والقادمة يغلب عليها الطابع التنموي.
- سواء أكان ذلك مرده قدرات تتضمن علوم ومعارف ومهارات أو آراء وقناعات عفا عليها الزمن إلى حد ما، بحيث لم تعد لم تعد تصلح لإحداث تلك النقلة النوعية في الواقع اليمني بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة أو أكان مرد ذلك ممارسات سلبية وأخطاء فادحة بلغت حد الذروة في السقوط المدوي للجزء الأكبر والمهم من هؤلاء المسئولين في مستنقعات الإفساد والفساد بكل أشكالها التي تعج بها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وصولا إلى ما أثبتته الدلائل التاريخية من مؤشرات عن تورط الكثير من القيادات والعناصر السياسية والحزبية والإدارية والمجتمعية...الخ على كافة المستويات، في مخططات التأمر على اليمن دولة وشعبا وتاريخا، التي وصلت إلى تلك الجزئية المتعلقة بتهم الخيانة العظمى.
- بصورة يصعب إلى حد كبير على الجيل الجديد أن ينخرط في أتونها ويستهلك طاقاته الذهنية والبدنية الفتية (الخام) وهمتهم الجديدة المفعمة بالحياة والأمل في دهاليزها المعقدة وما يتوقع أن تفضي إليه من آثار وتداعيات سوف تنعكس على معظم أبناء هذا الجيل الجديد، من حيث طبيعة ومدى ومن ثم حجم تأثيرها على كثير من مفردات رؤيتهم وتوجهاتهم ومواقفهم وصولا إلى سياساتهم في إدارة الدولة المدنية الحديثة المنشودة، فضلا عن احتمالية إحراقهم سياسيا وإداريا وشعبيا...الخ من قبل هذه الأطراف التي تسنى لها إدارة شئون البلاد في المراحل الماضية- وفقا- لأساليب كثيرة لم تعد نافعة في الوقت الحاضر ولا تمت بأية صلة تذكر لأساليب إدارة الدول الحديثة- وفقا- للعلوم الإدارية المعاصرة.
- وبالتالي فهو أمر ليس مرجعه أمور لها علاقة بموضوع الخبرات من حيث (قلة أو اكتساب) الخبرة والتجربة في هكذا نوعية من المشاكل المعقدة مزمنة وعمرها بعمر اليمن الحديث والمعاصر، وإنما له علاقة بأمور كثيرة أكثر تعقيدا وتشابكا؛ جراء ارتباطها إلى حد كبير بتركة ثقيلة جدا لأنظمة لم يعد لها أية وجود وأشخاص مازالوا يعيشون الكثير من إرهاصاتها لحد اليوم أكثر من ارتباطها بمشاكل البلاد الحقيقية ذات الطابع التنموي بمعناه الشامل وهذا هو بيت القصيد بالتحديد .
- أما العامل المحوري الأكثر أهمية في ضبط مسارات هذه العملية برمتها كما تم التخطيط والإعداد ومن ثم التنفيذ لخطواتها فإن له علاقة وثيقة الصلة بطبيعة الآليات المتوقعة إتباعها من قبل الأطراف الراعية للمبادرة لإحكام سيطرتها على مجرياتها وأطرافها ضمن إطار سياسة الترهيب والترغيب الجديدة التي برزت في أحد أهم ملامحها الرئيسة في مضامين وأبعاد الرسالة التي حملها المشهد العربي تباعا والتونسي منه- بوجه خاص- على سبيل المثال لا الحصر منذ مطلع العام الماضي عقب اضطرار الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وبعض رجال دولته ومنهم أقاربه مغادرة البلاد، من خلال أمرين رئيسين، الأول له علاقة بامتناع كافة الدول بدون استثناء من تقديم يد المساعدة للرئيس الأسبق زين العابدين واستضافته بحيث ظلت حركة طائرته الرئاسية لعدة ساعات مجهولة الوجهة، إلى ان قبلت السعودية بضوء أخضر استضافته.
- والأمر الثاني له علاقة بطبيعة الأدوار التي لعبتها بعض دول المحور الأمريكي- الغربي وحلفائه في إعادة معظم رجال زين العابدين وأقاربه النافذين إلى أحضان السلطات القضائية والأمنية؛ سواء أكانوا من الذين غادروا البلاد بعد مغادرة الرئيس أو من الذين كانوا خارج البلاد في تلك الأثناء وصولا إلى المقيمين فيها، ووصل بها الأمر إلى استعادة البعض منهم من دول غير موقعة على اتفاقيات رسمية بهذا الشأن ليس هذا فحسب، لا بل والمساهمة في منع الكثيرين منهم من مغادرة البلاد بالتعاون والتنسيق مع دولهم ودل الجوار.
- والتي مفادها إنه لم تعد هنالك أية خيارات لها شأنها أمام القائمين على إدارة شئون البلاد كما كان متعارفا عليه، لأنهم أصبحوا بين مطرقة شعوبهم وسندان دول المحور الأمريكي- الغربي، فالخيار الوحيد المتاح أمامهم وأمام من سوف يأتي بعدهم هو بذل كافة الجهود لإصلاح واقعهم الداخلي والسياسي- على وجه الخصوص- بما يتفق مع أطروحات منظومة الحكم الرشيد، ومهما كانت التضحيات التي سوف يضطرون لتقديمها، في اتجاه خلق بيئة شبه أمنة ومستقرة، أصبحت أكثر إلحاحا للمصالح الحيوية الدولية والإقليمية في المنطقة الأكثر أهمية وحساسية للمشروع الكوني الأمريكي- الغربي وحلفائه في عصر العولمة الذي يتخذ منها محور ارتكاز أساسي.
- وعود إلى بدء فإن اقتصار نطاق حدود طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المهام الأساسية المرسومة أمام الحكومة في المرحلة الانتقالية على معالجة إرهاصات الملف السياسي والأمني دون التنموي، في ضوء بقاء كافة أطرافه الأساسية على مدار الخمسة عقود الماضية قد حتم على المعنيين في حركة التغيير بالتعاون والتنسيق ومن ثم الشراكة مع نظرائهم في السعودية والأطراف الإقليمية والدولية الراعية للمبادرة التراجع خطوة إلى الخلف في تمكين فئة المسئولين في الأنظمة السابقة من تولي مهام المرحلة الانتقالية المحددة بوقت محدد بسنتين ونصف.
- كي تتمكن من القفز خطوتين إلى الأمام في مشروعها عام 2014م وتسليم شئون إدارة البلاد إلى كادرها الجديد من الشباب المعد لإدارة هذه المرحلة، بالاستناد إلى مؤشرات كثيرة لها شانها بما تحمله من معاني ودلالات يصعب تجاوزها أو تجاهلها، سيما أنها مازالت تمسك بزمام الأمور في الملفين السياسي والأمني إلى حد كبير، لدرجة يصبح من الصعب عليها إحداث أية تحولات جذرية فيها بمراعاة عامل الوقت والسرعة والكلفة دون إشراكها بقوة في كل تفاصيلها، هذا إن لم نقل تسليمها الملف السياسي والأمني برمته، وهذا هو في تقديري حقيقة بقاء وعودة مسئولي وكادر الدولة في الأنظمة السابقة بقوة إلى سدة السلطة، بحيث عجزت أغلب العقول والأذهان من هول الصدمة والمفاجئة من إعطاء أية تفسيرات منطقية لهذا التطور غير المتوقع.
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب