بعد 6 حروب خاضتها حركة الحوثي مع نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، بدءا من 2004 وحتى 2010، تحولت الجماعة إلى قوة مؤثرة على الساحة سياسيا وعسكريا، حيث استغلت الفراغ الذي تركه نظام صالح في محافظة صعدة وبعض المحافظات المجاورة.
السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، كيف تحولت حركة الحوثي من حركة دينية محدودة إلى جماعة مسلحة لها نفوذ كبير وواضح في محافظة صعدة، حيث مركزها الرئيس وعدد آخر من المحافظات المجاورة، أبرزها عمران، والتي تربط صعدة بالعاصمة صنعاء؟.
يؤكد المراقبون للشأن اليمني أن الحوثيين استغلوا الأحداث التي شهدها اليمن خلال 2011 لتعزيز قبضتهم على مناطق النفوذ التي كانت تحت سيطرتهم قبل الأحداث، إلا أن ما حدث لاحقا فتح شهيتهم لتعزيز حضورهم بشكل أكبر، وتجسد ذلك في ملء الفراغ الذي تركه النظام السابق، خاصة بعد فرار محافظ صعدة طه الهاجري الذي عينه صالح، حيث قامت الحركة بتعيين محافظ جديد عوضا عنه وهو تاجر السلاح المعروف فارس مناع الذي كان أحد أهم أعوان صالح طوال فترة حكمه قبل أن يلقي القبض عليه 2010، ثم يفرج عنه في صفقة لا تزال غامضة حتى اليوم. ولا تزال الحركة تقوم حاليا بكل مهام الدولة الغائبة، إذ تدير معظم الوحدات الإدارية الموجودة، وتتحاشى السلطة في الوقت الحاضر الدخول في أية مواجهة معها وتتعامل معها كأنها تدير حكما ذاتيا في المناطق الخاضعة لها.
وقد كرس الاتفاق بين الحركة ونظام صالح 2010 نفوذ الحوثيين بشكل أكبر، ومما ساعد في ذلك انحسار الحضور الرسمي للدولة الذي اقتصر على بعض المقار السيادية مثل القصر الجمهوري وأقسام الشرطة وثكنات الجيش، فيما تولت الحركة إدارة شؤون المحافظة في بقية الجوانب، بما فيها الإشراف على إيرادات المحافظة من الضرائب وغيرها وتسخيرها لخدمة أهدافها.
ويتسم موقف الحركة من المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بكثير من الغموض، فرغم مشاركتها في اللجنة الفنية للحوار، إلا أن موقفها ما زال غامضا، خاصة في ظل استمرار الانتقادات التي توجهها للرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني، مما يثير الشكوك حول مصداقيتها. وتتركز هذه الانتقادات على الدور الأميركي في البلاد، بخاصة استمرار الغارات الأميركية بطائرة بدون طيار في بعض المناطق. كما جاهرت بمعارضتها للقرارات الرئاسية الأخيرة التي تضمنت توحيد الجيش، لأنها أبقت على قائد الفرقة الأولى مدرع اللواء علي محسن الأحمر الذي تعتبره الحركة "عدوها الأول"، لاسيما وأنه كان على رأس القيادات العسكرية التي خاضت الحروب ضدهم.
ومما يساعد في توسيع الفجوة وانعدام الثقة بين الحكومة والحركة حصول الأخيرة على دعم مادي كبير من إيران، هي وحركة الانفصاليين في الجنوب، وهو ما أعلنه صراحة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي اتهم طهران صراحة بتكوين شبكات تجسس يشرف عليها الحرس الثوري، وأكده مؤخرا رئيس جهاز الأمن علي حسن الأحمدي. ويؤكد مراقبون أن الدعم الإيراني المتزايد للحوثيين يهدف إلى إنشاء "جنوب لبنان جديد" في شمال البلاد، أي في صعدة والمناطق المجاورة لها، وتحويل جماعة الحوثي إلى حزب شبيه بحزب الله.
ولا يبدو أن هدف الحركة التحول إلى حزب سياسي فاعل في الخارطة السياسية للبلاد قابلا للتحقق إلا إذا فكت ارتباطها بالأجنبي، ورفضت أن تكون مخلب قط يستخدمه الآخرون لتحقيق أهداف آنية خاصة، ويتخلون عنه بمجرد انتفاء الحاجة إليه.