كثرت الأنباء والتسريبات المتضاربة التي تتحدث عن اللواء علي محسن الأحمر، خصوصاً بعد صدور قرارات الرئيس عبد ربه منصور هادي بإعادة هيكلة الجيش، وبدأت تلك الحملات والشائعات تأخذ طريقها إلى وسائل إعلامية أو ناشطين محسوبين على قوى التغيير، دون أن يتبين الكثير من الناس وينتبهوا إلى خطورة ما يتم الدفع نحوه من جهات معروفة.
وللعلم، فإن المعلومات والتفاصيل التي يتداولها الناس، تخرج عبر الوسائل الإعلامية المحسوبة على النظام السابق، ويتم تصوير القضية على أنها رفض اللواء محسن للهيكلة "المقدسة" للجيش، كما تقول: إنه يطالب بأن يعين قادة المناطق العسكرية وقادة الألوية، وتارة أخرى يزعمون أنه طلب أن يتم إطلاعه على جميع القرارات قبل صدورها.
وتردد الشائعات المسربة –أيضاً- أن الرئيس هادي عرض على اللواء محسن تعيينه قائداً للمنطقة الشمالية المهيكلة، وأن الأخير طلب أن يعين قائداً للمنطقة الغربية، بينما عرض على نجل الرئيس السابق قيادة المنطقة العسكرية المركزية؛ وهذه الأخيرة تضم مدناً هامة حسب الهيكلة الجديدة، وهي: صنعاء، وعمران، وذمار، وريمة، والبيضاء، وإب؛ والمنطقة الشمالية في صعدة والجوف، حيث لا جيش ولا دولة، وكل ما هنالك قرابة خمسة ألوية محاصرة بقوات الحوثي، ولواء في الجوف.
بالمجمل، يتم التصوير بأن اللواء الأحمر يقف في وجه الهيكلة التي تم التهيئة المسبقة لها، لتكون مطلباً جماهيرياً ثورياً، وخطوة تفتح الآفاق إلى اليمن الجديد، وتقضي على العقبات، كما يصورون –أيضاً- بأن اللواء الذي وقف درعاً للثورة يعرقل الرئيس الجديد الذي يقود التغيير.
هذه الشائعات، هي ما خرج إلى الناس من وسائل إعلامية أغلبها موالية للنظام السابق وللحوثيين، تناقضت وتضاعفت وشقت طريقها إلى مسامع بعض الثوار الذين رتبوا أولوياتهم على مصطلحات ومطالب جاهزة، وقد زاد من استمرارها، عدم صدور أي نفي رسمي يقطع الشك باليقين، حيث بدا وكأن القضية أصبحت واقعاً، وأنها تسريبات من جهات قريبة من الرئيس هادي.. في مقابل، تناولات صحفية لمحسوبين على اللواء محسن، ربطتها وسائل الإعلام بالأخير، كما حاولت تفسير زيارته إلى عمران وحضوره تدشين العام التدريبي 2013م، في اللواء 310 بأنها تمرد، ووصل الأمر إلى أن عرضت إحدى الصحف صوراً من افتتاح العام التدريبي في أحد ألوية الصواريخ واعتبرتها رداً من الرئيس هادي على اللواء الأحمر، وهو أمر غير منطقي ولا وموضوعي؛ إذ أنه حتى في لحظة الانقسامات والمواجهات الحقيقية لم نر استعراضاً للصواريخ.
واتخذ التهويل والفبركات أوجهاً مختلفة، هدفت إلى الوقيعة بين الرئيس هادي ومن معه، واللواء محسن من جهة، ومن جهة أخرى الوقيعة بين بعض القوى الشبابية واللواء محسن، والهجوم المسعور على الأخير.. فتارة يعتبرونه خروجاً عسكرياً لأنصار الثورة، وأخرى تحالفاً مع الرئيس السابق ونجله، وثالثة تحاول إثارتها على أساس مناطقي وقبلي؛ وهي كلها متعمدة ومدروسة، تقوم على أسس تفسيرية وشائعات أو حيثيات لا ترقى إلى شيء مما يصورونه، هم ويهدفون إلى نفخه ليرتقي إلى ما تشتهي أنفسهم، والمؤسف أن يدعمون مشروع الوقيعة هذا، بتفاصيل يومية مفبركة، تجعل القارئ العادي يظن أنه من المستبعد أن تكون هذه التفاصيل مجرد فبركات!!
والواضح، أن هناك جهات تحاول الوقيعة بين قوى التغيير، وجر الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الاصطدام بأطراف فاعلة في التغيير، كأنصار الثورة من العسكريين والقبائل؛ ليتسنى لأطراف أخرى اللعب كما تشاء وإدخال اليمن في حلقات جديدة من النقمة والصراعات، وكل شيء من الممكن تمريره تحت شعارات التغيير وتخليص الشعب من قوى الماضي الجاثمة، كما يزعم!!
لقد أثبتت القبيلة حسن نواياها، وأدانت الماضي، ووقفت مع التغيير بكل ما رفعته الثورة من شعارات الدولة الحديثة التي يتساوى في ظلها المواطنون؛ فوضع الفوضى لم يكن يستفيد منه إلا المخربون. وبِظل الدولة سيجد الجميع مكانهم الطبيعي؛ أما الحديث عن إقصاء القوى القبلية وبعض التيارات الإسلامية أو الاصطدام بها، فهو أمر يهدف إلى الإيقاع بالثورة على طريقة ما جرى بعد ثورة 26 سبتمبر الخالدة عام 1962م من شعارات مماثلة نجحت في شق الصف الجمهوري المتمثل في القبائل اليمنية الثائرة والقوميين والأحرار، وذلك على أساس مناطقي بين "مطْلع" و"منْزل" !!
وكانت النتيجة، صراعات ودماء، حالت دون تقدم اليمنيين بتحقيق أهداف الثورة كما يجب، وأوصلت علي عبدالله صالح إلى السلطة، وأعادت الإماميين إلى مفاصل الجمهورية.
والآن، يُراد لليمنيين أن لا يستفيدوا من الماضي، وأن يمروا بذات الأخطاء، ولكن بسيناريوهات معدلة، وشعارات مقاربة، تتفق مع الوضع الجديد الملغوم، باستخدام الكم الهائل من وسائل الإعلام التي تُرغب وتهدد، ويصل تخديرها بفعل التدافع والسرعة إلى التأثير على بعض السياسيين والكثير ممن يفترض أن يكونوا سداً منيعا.
كما يتم -اليوم- الهجوم على اللواء علي محسن الأحمر؛ الرجل القوي في صف التغيير، ومساواته بأفراد العائلة التي ثار عليها الشعب، بالاعتماد على مصطلحات براقة، بالتخلص من قوى الماضي، وكم هائل من العبارات المبنية على شائعات وافتراءات ترددت مئات المرات، لحشره وحشر الصف الكبير الذي يمثله في صدام مع الرئيس هادي؛ ليجد الأخير نفسه بحاجة إلى التقرب من عناصر مشروع التوريث الميت والمشاريع الصغيرة والعملاء؛ وبحاجة إلى مزيد من المظلات الدولية التي تبعده شيئاً فشيئاً عن العمق الشعبي.
عودا على بدء، لقد كان اللواء علي محسن جزءاً من العهد السابق، لكنه في المقابل كان جزءاً وطنياً تستند إليه كثير من القوى والشخصيات القومية والإسلامية والوطنية المعتدلة، ذلك الذي جعل اليمن نموذجاً يخالف بعض الشيء الصورة الديكتاتورية في الأقطار العربية الأخرى التي حاربت الإسلاميين والقوميين والمعارضين ونكلت بهم؛ ثم كان محسن على رأس من وقفوا ضد مشروع التوريث منذ أول وهلة، ومن ثم؛ فإن محسن لم يكن مجرد قائد عسكري من رجال النظام السابق، انضم للثورة أو "هرب" كما كانت الأجهزة العائلية والإمامية تشيع لدى البسطاء والشباب الذين تفهم الكثير منهم بعد أن رأى النماذج الأخرى بعد مصر؛ بل إن القضية بحاجة إلى توضيح ليس للمطالبة بتخليد أحد في السلطة، ولكن من باب تبيين الحقائق ودحض الافتراءات.
سيكتب التاريخ، ويعلم الناس بعد أن تكون الصورة قد اتضحت، أن الوضع في اليمن كان سيتخذ منحى مناطقياً دموياً انفصالياً، لو لم ينضم اللواء علي محسن للثورة، وسيكتب التاريخ أن الصف العسكري والقبلي الذي كان محسوباً على نظام صالح قبل العائلي، هو من حفظ الوحدة الوطنية، من خلال شقه لصف منطقة الرئيس السابق، وأهم القبائل المحسوبة عليه.
نعم، لقد كنت واحداً ممن شهد انطلاقة ثورة التغيير، مع عشرات الشباب، لحظة بلحظة، ولاحظت ردة الفعل الخبيثة التي كانت قد بدأت ضد الثوار، بعبارات مناطقية، وهنا نذكر للتاريخ أن أول بيان أصدره التجمع اليمني للإصلاح، دعا فيه أعضاءه في العاصمة صنعاء للمشاركة صراحة في الاحتجاجات ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح؛ وذلك لوضع حد للفتنة المناطقية التي بدأتها العصابات الموالية لصالح، والتي ترى المحتجين من أبناء تعز وإب، وتطالبهم بالخروج من صنعاء.
ولم يكن بالإمكان أن تستمر ثورة بصورتها الوطنية الوحدوية، وبذلك الثمن في العاصمة صنعاء؛ لولا أن أهم القبائل وقادة الجيش في العاصمة صنعاء في صف الثورة، ومنعها عن المنحى المناطقي؛ وهذا ليس شيئاً سهلاً، بل إنه نقطة من أهم ما حفظ الله به هذه البلاد، في أحد أخطر المنعطفات التاريخية، ذلك الموقف الذي لا يقدر بثمن.
بالإضافة إلى ذلك، كان الدور الذي لا يقل أهمية هو أن اللواء كان درعاً للثورة بمن معه من القوى الوطنية التي جنبت اليمن النموذج السوري والليبي، من خلال شق صف الرئيس صالح، وعمل توازن قوى جعل العائلة الحاكمة تفكر ألف مرة قبل الدخول في مواجهة، بالإضافة إلى مواجهته وحماية ساحات الثورة. والغبي هو من يصدق أن صالح كان سيسلم السلطة لولا انضمام...!!
لقد قطع أنصار الثورة صلتهم بالعهد الماضي، واعترفوا بأخطائهم، وتمنوا أن يدخل الجميع إلى يمن جديد متحرر من الماضي، واثبتوا ذلك من خلال سلسلة من المواقف والأدوار والتضحيات.. ولقد ثار اللواء علي محسن، واسقط دولة "منطقته" في سبيل أن يعود الوطن إلى أهله جميعاً.
ورغم كل ما يقال، ورغم الأخطاء، يظل اللواء علي محسن رجل دولة، ويحسب له أنه ليس مناطقياً، ولا يسأل أحداً ممن يصل إليه عن انتمائه الحزبي أو المناطقي، بل إن ممن هم حوله، هم من جميع المحافظات، ومختلف اللهجات، في تنوع يمني حقيقي، قل أن تجده عند سواه، وسر قوته أنه يؤمن أن الموت والحياة بيد الله؛ ولذلك فقد قاد مع عشرات ممن حوله من القادة العسكريين مواجهة كبيرة مع ترسانة صالح من داخل العاصمة، وبتسليح لا يعني شيئاً أمام القوة المحيطة بصنعاء والتي وجهت عشرات الصواريخ إلى المنطقة الضيقة التي يقود منها علي محسن ثورة لإسقاط حكم الممسكين بقرار إطلاق تلك الصواريخ، معرضا حياته للخطر الأكيد.
وعلي محسن صالح، هو الثائر الذي خرج من منزله إلى ميدان الثورة، ولم يعد حتى اليوم، ونحوه توجهت فوهات المدافع، ومحاولات الاغتيال، وأجهزة التجسس، والحروب الإعلامية الشرسة من قبل التحالف العائلي الإمامي الانفصالي.
وهو الذي يسند صفاً وطنياً واسعاً من صميم الثورة، يؤمن بالوطن ووحدته وأمنه واستقراره، ولا يسعى لسيطرة عائلة أو بناء مجد فرد، بل مواصلة لدور وطني استدعاه التاريخ.
وما سبق كان لابد من ذكره للإنصاف والتوضيح، وليس للمطالبة ببقائه في السلطة إلى الأبد، ولا للوقوف ضد توحيد الجيش، فما تشيعه الوسائل الإعلامية ضده هو كلام مفترى ومحرف، ومدفوع من أطراف مشبوهة وأخرى ناقمة، تهدف للتشويش على الرئيس هادي، وعمل صدام في صف التغيير، من شأنه أن يتيح الفرصة للمشاريع الشريرة بتقسيم اليمن، وتوسيع مظلة الوصاية الدولية التي من الواضح أنها وضعت تصور ما يجري بدقة.
إن الفرصة الأفضل للقوى المعادية للثورة ولوحدة اليمن في استهداف الرئيس هادي أو أيٍ من رجال التغيير، هي هذه اللحظات التي يتم الترويج فيها لخلافات بين أنصار الثورة والرئيس هادي، ويتم نفخ أي إشكالات طارئة، أملاً بتحويلها إلى مستفحلة، ثم يصبح أي استهداف للرئيس أو لأي من رجالاته- لا قدر الله- تمثل تهمته الجاهزة، هي أنصار الثورة من قادة عسكريين وقبائل وتيارات محسوبة عليهم، والعكس صحيح، بحيث تتصادم الثورة والقوى الوطنية فيما بينها.
إذا كان حقاً أن الدخول ليمن جديد وآمن يحتاج لإبعاد بعض القوى اليمنية؛ فلنبدأ بجيوش الإمامة التي تسيطر على مدن بأكملها، ولا تعترف بالعلم الوطني، وكذا القوى الانفصالية التي تدعو صراحة إلى تمزيق الوطن، وتدوس على أقدس أقداس أي وطن في العالم، وهو الوحدة الوطنية، ومن ثم، من كان لهم دور في السابق.
أما إدانة القوى الوطنية -على أخطائها- وإخراجها، ودعوة الحوثي كممثل لسرطان الإمامة الذي جثم على الشعب اليمني مئات السنين، وقتل آلاف الأجيال من أجل الحوار، وإعطائه نصيباً من المستقبل، فذلك لا يبشر بالخير، بل ينذر بالسقوط.
وبالنسبة لي شخصياً، أرى أن لا يتسلم اللواء علي محسن أي منصب عسكري ميداني في قيادة هذه المنطقة أو تلك؛ بل عليه أن يكون في منصب في قيادة وزارة الدفاع، كمستشار فاعل للقائد الأعلى، ولكن، بعد أن يكون قد اطمئن إلى أن الجيش يتقوى لا يتفتت، ويجب أن نطمئن -نحن الشباب- أن خطر الميليشيات الإيرانية الحوثية قد زال عن العاصمة وصعدة وبقية المحافظات؛ مع يقيني، أن اللواء محسن، بدوره الوطني، أكبر من أي منصب يمكن أن يتسلمه.
في الختام، يجب التأكيد على أن مجاراة من يضع اللواء محسن في كفة واحدة مع نجل الرئيس السابق، هو كما ذهب الدكتور ياسين نعمان، ضرب من الغبن والغباء، ومثلما على الرئيس هادي ألا يستمع لأيٍّ من معزوفات الوقيعة مع أنصار الثورة؛ فإن عليه أيضا أن يدرك أن القطاع الواسع والعريض من قوى الثورة وجماهيرها ما زالت ترى في اللواء علي محسن، الضامن الأمين لحماية أحلامها التي ثارت من أجلها، وأن أي غبن أو تحجيم له في هذا المنعطف التاريخي الحساس، هو تفريط وخيانة لمبادئ وأهداف الثورة التي صعدت بهادي وغيره لسدة الحكم، مثلما هو بالمقابل إتاحة للمشاريع المعادية لليمن في أن تعبث بحاضرنا ومستقبلنا كما تريد.