أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

طائرة أمريكية من دون طيار أفقدت حمزة القدرة على الكلام أو الحركة

- محمد الأحمدي - مصطفى حسان

بعد عودته من المدرسة، تناول حمزة وجبة الغداء، لم يكن يدري ما الذي تخفي له الأيام ولم يعلم أن ليلته ستتحول إلى كابوس وبداية لفصول من المأساة.. في تلك اللحظة كل ما كان يفكر به هو كيف يمكنه إحراز هدف في مرمى أصدقائه، فإذا به يصبح هدفا لصواريخ الموت القادمة من السماء على متن الطائرات الأمريكية بدون طيار.


حمزة ذو الستة عشر ربيعاً، من أبناء مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، يدرس في الصف السادس، عاش وترعرع منذ نعومة أظافره بحارته المنطقة الغربية حي السلام الذي ينعم أهله بالسلام وتسودهم روح المحبة والوئام كعادتهم أبناء حضرموت.


الرابع والعشرون من ديسمبر 2012، خرج حمزة، مساء ذلك اليوم، ليمارس حقاَ من حقوقه المكفولة كبقية أطفال العالم، انطلق فرحاً لممارسة هوايته المفضلة في لعب كرة القدم في الملعب القريب من قريته المكتظة بالسكان، في ذلك المكان كان مجموعة من أصدقائه ينتظرونه ليستمتع الجميع بهوايتهم المفضلة، بدأت المباراة وكان الأطفال يركضون خلف الساحرة المستديرة، كلٌ منهم يحاول أن يسجل هدفا، حمزة كان أحد هؤلاء الأطفال، يجري ويركض بمهارة عالية، في تلك اللحظة وبينما هم في ذروة الاستمتاع الطفولي، متجاهلين الوقت والعالم وما يدور في أروقة السياسة ودهاليز الغطرسة والمكر، يقطع الأطفال أنفاسهم مستمعين إلى صافرة الموت بجوارهم لتحل الكارثة.


السادسة والنصف مساءً، حين دوت أصوات ثلاثة انفجارات عنيفة متوالية تهز أرجاء المدينة، إنها ضربات للطائرات الأمريكية بدون طيار، حالة من الذعر تجتاح سكان المدينة، يعقبها سكون مخيف، قبل أن يندفع الجميع للبحث عن أسباب الانفجارات.


لقد كانت بضعة صواريخ من نوع "هلفاير" يلمع بريقها في السماء مصحوبة بصوت انفجار فور انطلاقها من طائرة "الدرونز" التي تحوم في سماء المنطقة على علوٍ منخفض، قبل أن تستقر في الجهة المقابلة من الملعب، خلال أقل من لمح البصر، مستهدفةً أربعة أشخاص، على الأقل، قيل إنهم يشتبه بعلاقتهم بـ"القاعدة"، بعضهم لم تعرف هوياتهم، بعد أن مزقت الصواريخ أجسادهم وأحالتها إلى أشلاء متناثرة في أرجاء المكان.


في هذه الأثناء، نسي حمزة ورفاقه كل شيء في الدنيا سوى أصوات أمهاتهم تدور في مخيلتهم مملوءة بالحزن والفزع على مصير أطفالهن، يعود حمزة تاركا وراءه هول المأساة، متتابع الخطوات، يركض في تعثر تسبقه روحه إلى حضن أمه، يزلزل الخوف كيانه ويصاب بانهيار عصبي حاد، ليتلقاه أبواه والفزع قد استعمر حالتهم النفسية، يسألون حمزة ما الذي حدث لماذا أنت بهذه الحالة؟، لكن حمزة أصبح عاجزاً عن الكلام، يكتفي بالإشارة إلى عنقه وإلى السماء، ولسان حاله: السماء أمطرت صواريخ أمريكية، وأن ثمة أشلاء ممزقة بجوار الملعب، يخر بعدها مغشيا عليه ويتم إسعافه إلى أقرب مستشفى.


في حضرموت كل شيء يتخذ طابع القانون، حتى في طرق الحياة والعيش وبناء الذات، لدى الحضارم قوانينهم التي أثروا من خلالها في بناء دول ونهضتها، ولذا فإن انتهاك القانون في بلدهم يبدو أمراً في غاية السوء والبشاعة، فكيف إذا كان هذا الانتهاك يأخذ طابعاً عدوانياً بامتياز، على النحو الذي مارسته الطائرات الأمريكية دون طيار.


حضرموت بيئة اجتماعية ذات خصوصية تتميز بها عن باقي مناطق اليمن، فهي تتسم بالهدوء والحرص على السكينة، من النادر جداً أن تجد حضرمياً يتمنطق سلاحاً شخصياً، وبرغم اتساع مساحتها لا تكاد تسمع في حضرموت طلقات الرصاص في مناسبات الأعراس أو الاحتفالات، كما هو الحال في مناطق أخرى من اليمن، كما يعرف عن الحضارم ثقافتهم السلمية ونزوعهم نحو القانون، ولذا فإن دوي انفجارات الصواريخ الأمريكية في حضرموت تعني أضعافاً مضاعفة من المأساة والجريمة.


في زيارة لوفد منظمتي «الكرامة» و«هود» إلى العديد من المناطق التي شهدت هجمات للطائرات الأمريكية، كان الجميع في حضرموت يعبرون عن امتعاضهم الشديد لهذه الاعتداءات المستفزة التي لا يجدون لها مبرراً ولم يعهدوها من قبل!


الزيارة كانت مطلع فبراير الماضي، وكان حمزة حينها يتلقى العلاج في القاهرة، برفقة والده المعلم في مدرسة القرية، تحدثنا إلى بعض أقارب حمزة وأصدقائه، كانوا جميعهم في حالة ذهول، يترقبون عودة حمزة من رحلة علاجه لاستئناف حياته ودراسته واستعادة مهاراته في لعب كرة القدم مع رفاقه وأقرانه.


عاد حمزة من القاهرة، أواخر فبراير، لكن حالته الصحية لا تزال تراوح مكانها، فهو طريح الفراش، لا يقوى على الكلام أو الحركة.


يطلق والد حمزة حسين سعيد بن دحمان زفرة طويلة، قبل أن يشرع في شرح تفاصيل المأساة، للوقوف على حقيقة الإجرام الذي يمارسه الطيران الحربي الأمريكي بحق الأبرياء، قافزاً على كل القوانين الدولية والإنسانية، منتهكاً سيادة البلد، تحت ذريعة الحرب على ما يسمى "الإرهاب"، في الوقت الذي يمارسون الإرهاب بعينه.


يحدثنا والد حمزة عن معاناة ولده والحزن يعتصر بداخله والدمعة حبيسة مقلتيه. قائلاَ: لقد أصبح ابني عاجزاً عن الحركة وطريح الفراش بعد أن كان حرا طليقا، يضيف: أصبح ابني أسير المعاناة دون ذنب سوى أنه طفل يمني ولد في دولة لا تعمل لمواطنيها أي اعتبار، بل يبدو المواطن في آخر سلّم اهتماماتها.


 ويتابع أب حمزة: لقد بعت كل ما أملك في سبيل استعادة عافية طفلي ليعود إلى مدرسته، باعت زوجتي ما تملك من مجوهرات، واستلفت مبالغ كبيرة من المال وسافرت على إثرها إلى القاهرة، وبدورهم قاموا بعمل فحوصات ورنين مغناطيسي، وغيره. وكانت النتائج تؤكد بأن ابني مصاب بالتهاب في الدماغ ومعاق عن الحركة.


مكث بن دحمان وابنه حمزة في القاهرة عشرين يوماً، عاد بعدها إلى اليمن، لأن المبلغ الذي تمكن من توفيره كان على وشك النهاية.


يتذكر والد الضحية حمزة سالف الأيام التي كان يعيشها حمزة بكامل قواه العقلية والبدنية، ثم يرمق ابنه الطريح على الفراش، فيزداد ألماً، ثم يتذكر تجاهل السلطات المعنية في الحكومة اليمنية لمأساته فيزداد حسرةً.


حتى اللحظة، لم تكلف الحكومة اليمنية نفسها السؤال عن الطفل حمزة أحد ضحايا "البلطجة" الأمريكية في اليمن، كما يقول البعض، لم تلتفت الحكومة اليمنية إلى حمزة بعد، ولم تمد إليه يد المساعدة، كونها في أقل الأحوال، الجهة المسؤولة عن ما حدث، فهي من سمحت للطيران الأمريكي بانتهاك سيادة البلد وممارسة جرائم الإعدام خارج القانون على هذا النحو، وقتل الأبرياء والمشتبه بهم على حد سواء. ليظل عندئذٍ الحاكمون في صنعاء، للأسف،كرماء في بيع دماء اليمنيين والمساومة عليها، بينما يضنّون على ضحاياهم بالأكفان! 


سافر حمزة بمعية والده إلى الأردن، قبل عدة أيام، لاستكمال رحلة العلاج، مدفوعاً بثقته بالله القادر على كل شيء، ويحدوه الأمل في أن يجد في العالم اليوم من يمدّ له يد العون والمساعدة، لكن أب حمزة لم ينس أن يتوجه بمناشدته عبر "المصدر" إلى الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي، مطالباً إياهم باحترام حقوق الإنسان والكف عن مثل هذه الممارسات، كما يناشد كل من يحب فعل الخير أن يمد إليه يد العون والمساعدة حتى يتسنى له الاستمرار في رحلة علاجه بالأردن، خصوصاً بعد أن أخبره الأطباء في العاصمة عمان بأن حمزة يحتاج إلى إعادة تأهيل ومن ثم استكمال العلاج ليعود بعد ذلك إلى الحياة وإلى أصدقائه ومدرسته.

 

لمن يرغب في مساعدة حمزة، يمكنه التواصل مع الأب في عمان على الرقم التالي: 00962785406885

 

حمزة ليس سوى أحدهم
آثار الهجمات الأمريكية تتعدى مسألة القتل

 

على الرغم من توقف الهجمات الأمريكية نسبياً في الآونة الأخيرة، لا تزال هذه الهجمات تشغل حيزاً من آلام الناس وأحاديثهم في مدينة الشحر ومناطق أخرى من محافظة حضرموت واليمن طالتها هذه الهجمات، خصوصاً وأن آثارها تمتد في الواقع إلى أمد بعيد، سواءً من حيث الأضرار المباشرة والآلام التي تخلفها في قلوب أقارب الضحايا، أو الآثار غير المباشرة خصوصاً الأضرار النفسية لدى السكان المحليين، وبخاصة الأطفال والنساء.


وكان أهالي مدينة الشحر خرجوا في تظاهرات غاضبة للتنديد بالغارة التي كان حمزة بن دحمان من ضحاياها، غير أن الطيران الحربي الأمريكي ما لبث أن أعاد الكرة مرة أخرى بعد أيام بغارة مماثلة في أطراف المدينة مستهدفاً عدداً من الأشخاص على متن دراجتين ناريتين، وهو الأمر الذي أثار غضب الأهالي نتيجة الشعور بالإهانة، من خلال تكرار هذه الهجمات، ناهيك أن الغارة الثانية التي شهدتها المدينة قد أسفرت أيضاً عن إصابة أحد الأطفال المهمشين القاطنين بالقرب من مكان الهجوم.


في السياق ذاته، كان ائتلاف حضرموت المكون من علماء وشخصيات اجتماعية، قد أصدر بياناً يدين فيه الغارات الجوية التي تنفذها الطائرات الأمريكية بدون طيار، خصوصاً تلك الغارة التي وقعت وسط مدينة الشحر وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، إلى جانب ضحايا كثر أصيبوا بحالة من الخوف والصدمة النفسية لا سيما الأطفال والنساء، يبدو أن الطفل حمزة بن دحمان ليس سوى أحد أولئك الضحايا.


واعتبر الائتلاف بأن هذه العملية الإرهابية شكل من أشكال الإعدام خارج نطاق القانون , ولها آثار سلبية سيئة , وتعرقل جهود الحوار القائمة مع جميع الأطراف، مضيفاً بأن الخطأ لا يعالج بالخطأ والعنف لا يقابل بالعنف.كما دان الائتلاف كافة عمليات الاغتيال والتصفية والقتل خارج نطاق القضاء والانفلات الأمني الصارخ وطالب جميع الأطراف بتحمل مسئوليتها وإيقاف كافة مظاهر العنف، معتبراً بان القصف الأمريكي على أي مواطن – أيًا كان توجهه السياسي أو الفكري – انتهاك لسيادة الدولة وعدوان صارخ على الشعب وعرضه وكرامته , وهو مرفوض بكل المقاييس .

المصدر : المصدر اونلاين

Total time: 0.0475