أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

الطاكسي الابيض بقلم : عزت القمحاوي

- ادريس علوش

التّاكسي الأبيض

 

بقلم: عزّت القمحاوي

 

نقلاً عن: صحيفة أخبار الأدب – العدد 903- الأحد 30 من ذي القعدة 1431هـ - المُوافق 7 من نوفمبر 2010م

 

 

أيّام الكتاب بيضاء في السّنوات الأخيرة. هذه حقيقة يجب ألآ نُنكرها عنادًا أو بطرًا.

بصرف النّظر عن ألوان الحياة السياسيّة من حولنا، وبصرف النّظر عن مُشكلات الكتاب المُزمنة: الجمارك والشّحن والتّوزيع، وعلى الرّغم من توحّش جهات الرّقابة، وتصاعُد سطوة الشّارعالذي صار يُملي على معارض الكُتُب ما تسمح به وما تمنع، وعلى الرّغم من تداخُل الرّياضة في السّياسة لتصبّ على رأس الكتاب ويمنع معرض الجزائر الكتاب المصري، بالرّغم من كُلّ ذلك شهدت عادة القراءة رواجًا غير مسبوق في السّنوات القليلة الماضية. آخرها المشروع الجنيني لتاكسي المعرفة الذي أطلقته سلسلة "أ" بمُشاركة عدد محدود من عربات التّاكسي الأبيض الذي اختاره القائمون على المشروع باعتباره النّوع الأكثر مُلاءمةص لوضع ثلاثة أو خمسة كُتُب تُعين الرّاكب على رحلة كفاحه الشّاقة في شوارع المحروسة المسدودة. لكنّ طريق القراءة يبدو مفتوحًا بزيادة عدد السيّارات المُشاركة ودخول الألوان الأخرى في " منظومة التّاكسي" الفوضويّة المُتدرّجة. مثلها مثل منظومة التّعليم المصري. من الأسود إلى الأصفر إلى الأبيض وانتهاءً بالأسود جدًا "تاكسي لندن" الذي استوردوه ونسوا أن يستوردوا لنا معه شوارع لندنيّة نستقلّه فيها!

نهايته، التاكسي الأبيض ينفع بالتأكيد في نهارات بلون التاكسيّات الأخرى، ويصلح بداية لمُقترحات بأماكن جديدة للقراءة كمحطّات المترو والقطار والعيادات والمُستشفيات، لمزيد من الإنتعاش الذي تتجلّى علاماته في توالي افتتاح دور النّشر والمكتبات.

كثير من فضل الانتعاش يرجع إلى شبكة الإنترنت التي تصوّرها البعض غولاً جاء ليقوّض مملكة الورق؛ محط الثقافة الرّفيعة أو هكذا كان الخائفون يظنّون، لكنّنا مع الوقت اكتشفنا كيف استخدم الشّباب الشّاشة المُضيئة لمصلحة القراءة، أي لمصلحة حضارة الأبجديّة في مُقابل حضارة الصّورة، كما لحظ بذكاء أمبرتو إيكو.

كانت الشّاشة مُنذ اختراع السّينما إلى عصر ثورة الفضائيّات التلفزيونيّة منذورة لثقافة الصّورة، حتى دخلت شاشة الكمبيوتر مُنافسًا لشاشة التلفزيون.

انقلاب لم يكُن في حسبان (بيير برديو) و (نعوم تشومسكي) و (تيموثي ميتشل) وكُل من فضحوا التقنيات التلفزيونية للتلاعُب بالعقول. الكُمبيوتر فعل العكس، ترك ملايين الزّهور تتفتّح.

كانت ثورة التّدوين على شبكة الإنترنت المدخل العبقريّ للقراءة؛ لأنّ الشباب الذين بدأوا مُحاولات الكتابة اكتشفوا أنّ هُناك خُطوةً سابقةً قفزوها، وينبغي أن يُعيدوا اللعبة من البداية ليعبروا بأمان؛ فاتّجهوا إلى قراءة الكُتُب والمقالات المُتوفّرة على الشّبكة الدّوليّة، ثُمّ غادروا الفضاء الافتراضيّ إلى الواقعيّ ليصنعوا طفرةً في توزيع الكتاب، حتّى لو تركّزت القراءات بشكلٍ أساسيّ في الكُتُب الأكثر مبيعًا؛ فهذه المدرسة التي ستُفرز قرّاء الصّفوة، لنتحوّل مع الوقت إلى مُجتمع طبيعيّ كمُجتمعات الثّقافات الحيّة كُلّها، التي تتعايش فيها الأنواع والمُستويات المعرفيّة والإبداعيّة المٌختلفة.

ولم يكتفِ الكمبيوتر بدوره قاطرة للقارءة والإعلان عن الكُتُب بالوسائل المكتوبة مثل رسائل البريد والإلكتروني والفيس بوك؛ ففي التفاتةٍ رشيقةٍ أخرى عاد ليضع الصّورة في خدمة الحرف من خلال مواقع الفيديو التي بدأ استخدامها في الدّعاية للكُتُب؛ لتبقى مملكة الورق قائمةً تتكامل مع الشّاشات المُضيئة وتستفيد منها.

الحقّ أقول لكُم، ربّما لا يكون الأمر مثلما صوّرته في كُلّ الثّرثرة السّابقة، لكنّني بحاجةٍ إلى بعض الهواء. والحلم بحدّ ذاته هدف يستحقّ أن نعمل من أجله، وأن نخترعه اختراعًا.

من حقّنا أن نحلم بمُستقبل أفضل للكتاب، لمُجرّد خمسين عربة تاكسي تحمل كُتُبًا في شارع مُزدحم لا يؤدّي إلى أيّ مكان. يكفي أنّ لونها أبيض لنتفاءل!

 

Total time: 0.0831