جيشنا هو الأكثر أخلاقية بين جيوش العالم.. مقولة دأب الأمريكان علي استخدامها للثناء علي رجالهم في الجيش, ولكن يوما بعد يوم تسقط الأقنعة ليتكشف الوجه القبيح لهذه المؤسسة العسكرية,
فلم يكد يمر شهور علي الفضيحة الجنسية للرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الـ( سي أي أي) الجنرال ديفيد باتريوس التي أدت إلي استقالته من منصبه بعد اعترافه بالعلاقة التي كانت تربطه بكاتبة سيرته الذاتية بولا برودويل, حتي تكشفت واقعة تحرش جنسي جديدة متهم فيها ضابط في سلاح الجو الأمريكي, بعد قيامه بالتحرش بسيدة في مرآب حديقة عامة بالقرب من مبني وزارة الدفاع, الواقعة في حد ذاتها ليست غريبة ولا جديدة ولكن ما يجعلها تبدو كذلك هو أن الضابط ويدعي جيفري كروسينسكي(41 عاما) هو نفسه المسئول عن جهود مكافحة الاعتداءات الجنسية في سلاح الجو الأمريكي!
وكالعادة قامت الدنيا ولم تقعد, وأصبح ملف الاعتداءات الجنسية في الجيش الأمريكي أشبه بكرة الثلج المتدحرجة, ولكي يحفظ أوباما ما تبقي من ماء الوجه أصدر بيانا شديد اللهجة توعد فيه بعدم التسامح بتاتا مع كل من يرتكب تلك الجريمة داخل صفوف الجيش, واصفا من يرتكب مثل هذه الأفعال بـ الخائن, غير أن ذلك لا ينفي حقيقة مؤكدة كشفتها أرقام وزارة الدفاع مؤخرا عن تزايد حالات الاعتداء الجنسي بنسبة6% في عام2012 عنه في عام2011, وأظهرت التقارير أيضا أن ما يقرب من26 ألف عضو بالجيش مارسوا نوعا ما من علاقات جنسية غير مرغوب فيها, بزيادة نسبتها36% عن عام2010, في حين تشير تقارير أخري إلي أن الأرقام المعلن عنها أقل بكثير من الأرقام الفعلية.
إذا الأمر يبدو وكأن الولايات المتحدة تخوض حربا خفية لا تدري كيف الخلاص منها, فقد أشار التقرير الرسمي الذي أصدره البنتاجون إلي تزايد نسبة دعاوي الاغتصاب بشكل كبير, فخلال أسبوع واحد تم التحقيق في أكثر من31 دعوي اغتصاب, ووجهت المحكمة العسكرية اتهامات لأكثر من خمسة جنود بخلاف أكثر من35 حالة اغتصاب مازالت علي ذمة التحقيق, ومن التقارير السابقة يبدو جليا أن جرائم الاغتصاب في الجيش الأمريكي هي نتاج فشل طويل المدي للقيادة الفاسدة, فبعد أن تعهد الجيش باتخاذ إجراءات صارمة ضد عمليات الاعتداء الجنسي والاغتصاب في صفوفه وتغيير الإسلوب المؤسسي في التعامل مع المجندات منذ1992 في أعقاب فضيحة ضخمة شهدتها القوات البحرية الأمريكية( المارينز), والتي قام خلالها175 ضابطا بعمليات اغتصاب جماعي, لم يكد يمر4 سنوات فقط حتي اندلعت فضيحة أخري وتم توجيه تهم الإعتداء الجنسي لعشرات الضباط.
ولكن المشكلة تكمن في أن معظم تقارير الاعتداء الجنسي لا يتم التعامل معها بشكل مباشر, ونتيجة لذلك نادرا ما تتم ملاحقة الحالات خاصة أن ما يقرب من70% من الحالات لا يتم إثباتها, كما أن أغلب الضحايا يمتنعن عن الإبلاغ عن تعرضهن للاعتداء أو التحرش خوفا علي مناصبهن أو لعدم ثقتهن في محاسبة عادلة.
بالطبع تجارب التحرش الجنسي مؤلمة ومؤثرة ولكن ما يزيد من فداحتها هو الظلم الكبير الذي تتعرض له الضحايا من الجيش الأمريكي كمؤسسة رسمية عريقة, فغالبا ما يتم إلقاء اللوم عليهن ومعاقبتهن أحيانا بسبب ممارسة الرذيلة مع جنود متزوجين, وهي جريمة يعاقب عليها القانون الأمريكي, رغم أن هذا الفعل تم بالإرغام. لكن وبسبب عدم الرغبة في تسليط الضوء علي الفضائح المستمرة, اختار عدد كبير من مسئولي هذا الجيش أن يلقي باللوم علي الجنديات! ويبدو أن المضايقات التي تتعرض لها النساء في المؤسسة العسكرية الاقوي في العالم بدأت مع بدايات انخراط النساء في الجيش الأمريكي قبل نصف قرن من الزمان, وهي متواصلة لليوم, هذا رغم المكاسب الكبيرة للحركات النسوية في العقود الثلاثة الأخيرة, ففي عام1991 وقعت فضيحة تايلهوك والتي تم خلالها اغتصاب عدد من المتدربين والمتدربات في صفوف القوات البحرية الأمريكية, تلك الواقعة التي كشفت عمق الانتهاكات الجنسية والتصرفات الإباحية عبر مئات حالات الاغتصاب التي حدثت علي مدي3 أيام, كانت مدة انعقاد المؤتمر السنوي لمنظمة تايلهوك في سان دييجو بالولايات المتحدة.
اللافت للنظر أن الجيش الأمريكي يكافح الاعتداء الجنسي بسياسة الإجهاض, حيث ذكرت صحيفة الديلي بيست الأمريكية أن المؤسسة العسكرية قدمت مشروع قانون للموافقة علي إجهاض المجندات الأمريكيات اللاتي تعرضن لعمليات الاغتصاب. وعارض جناح تنظيم المجندات بالجيش الأمريكي والاتحاد الأمريكي للحريات المدنية القانون مطالبا بوقف السياسة التي لا تمنح المجندات التغطية التأمينية في حالات الحمل الناتج عن الاعتداءات الجنسية ووقف الرعاية لهن داخل النظام العسكري, مؤكدين أن الجيش يتبع سياسات قاسية ضد النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب وأصبحن حاملات.