اخبار الساعة - حقيق/ ابتهال الصالحي
فترى المولود الذكر يستقبل بذبائح وولائم وإطلاق الأعيرة النارية والتهاني الحارة ونرى المولودة الأنثى تستقبل بعبوس الأوجه وخيبة الأمل والتقليل من فرحة الاستقبال ورفع المعنويات للام والأب على حد سواء!! نظرة موجودة لتبقى ثقافة الجاهلية مسيطرة على تفكير البعض.
"السياسية" تبحث مع أم البنات في الموروث الثقافي البالي والعادات المتخلفة التي لا ترحم.
مشكلة
ربما يكون إنجاب البنات من المشكلات البارزة التي تعاني منها النساء في مجتمعنا؛ فلا يمكن لها أن تكون أنثى كاملة إلا بإنجاب الذكر, فالأنثى في مجتمعنا لا يمكن لها أبداً أن تكون بمثابة الذكر ولا بأهميته في حياة الأسرة والمجتمع، على الرغم من كل ما حققته من تفوق في العلم والمعرفة ونجاحها في عملها الإداري والسياسي والاجتماعي، وحتى الأسري؛ لكنها تبقى أسيرة نظرة المجتمع بأنها ضلع أعوج ولا يمكن لفرحة البيت أن تكتمل إلا بقدوم الولد.
فإذا كان العلم ينصف المرأة ويؤكد مسؤولية الرجل في تحديد نوعية المولود ذكراً كان أم أنثى، إلا أن ذاك العملاق الاجتماعي سينقض ليجعل الهزيمة ترتدي صفتها العامة وليحمل معنى تخلف الشرق ويحمل المرأة مسؤولية إنجاب الإناث وهكذا يمكن لتلك الزوجة أن تنجب سبع أو ثماني بنات بانتظار قدوم الولد الذكر والذي قد ربما لا يأتي!
شماعة الولد.. لزواج الثاني
وكما جرت العادة دائماً أن يهرب الأمان والاطمئنان من قلب المرأة ويعطي للرجل تلك المساحة من الأمان يرمي بها بمخاوفه ويعلق عليها آماله إما بتكرار الزواج أو بمطالبة الزوجة بالإكثار من الإنجاب من أجل الحصول على الولد. وتبقى أم البنات قلقة ومنشغلة البال دائماً وهذا من المألوف لدينا, فالعلم في طرف والمجتمع والشرع دائماً في الطرف الآخر والعلاقة بينهما ثقيلة جداً، سوط وجلاد، أمل وقمع، وهنا يبدأ شبح الزواج الثاني يلوح في الأفق حاملاً معه أمل إنجاب الولد، فهل هو حل في نظر الزوج أم عذر أقبح من ذنب، خاصة مع أن أساس المشكلة تكمن عنده والأسوأ من ذلك هو عندما يعلم بذلك!!؟ فهل سمع هذا الزوج الذي يبحث عن سراب الولد قول الله تعالى {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور (49) أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليما قدير(50)} (الشورى).
ألا تتوقع أنك ممن ذكرهم الله بهذه الآيتين الكريمتين ويكون نصيبك فقط الذرية من البنات!!؟
وبهذا لك الأجر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما معنى الحديث من ربى ابنتين وأحسن تربيتهم دخل الجنة فما بالك وأنت لديك أكثر من اثنتين.
طبيا وعلميا
أما من الناحية الطبية فقد أثبتت الدراسات أن الرجل يحمل نوعين من الكروموسومات الذكرية والأنثوية بينما المرأة تحمل كروموسوما واحدا فقط ومن خلال الالتقاء بينهما يتحدد نوع الجنين بحسب ما تم تلقيحه من الرجل إلى المرأة. أما من الناحية النفسية وهو الأهم بالنسبة للزوجة هو انعدام الحب لزوجها وكراهيته وما يترتب عليه من عواقب أخرى، خاصة إذا كانت أم الزوج بصف ابنها وتشجعه على الزواج الثاني، فهنا قد تصل الزوجة إلى قمة الانهيار، وما يترتب عليه من وضع نفسي رهيب وتوتر داخل المنزل وبين جميع أفراده وبالنسبة لبناته كرههم لهذا الوالد القاسي وربما يكون سبب في انحرافهم لإحساسهم بأنهن غير مرحب بهن وأنهن نقمة عليه بالحياة وليس نعمة. وإذا كان هذا الزوج على هذه الحالة فالوضع المتوقع منه إهمال عائلته وتشتتهم والعيش بنكد وعدم اللامبالاة وغيرها.
نظرة ظالمة
تحدثنا الأخصائية الاجتماعية هند عرفة عن أم البنات بالقول إنها نظرة ظالمة ومجحفة بحق المرأة, إذ إن العلم برأ الزوجة من مسؤولية إنجاب البنات وأكد مسؤولية الرجل؛ إلا أن المجتمع يأبى الاعتراف بهذه الحقيقة ويرمي بالمسؤولية كاملة على كاهل المرأة, والمؤلم والمستفز أنه حتى المرأة نفسها لا تنصف غيرها من النساء فتجد أم الزوج تبحث وتشجع ابنها من البحث عن خلفت الولد حتى لو كان بالزواج من أخرى، بل والكثيرات منهن يلمن المرأة عند إنجابها المتكرر للبنات وكأنها آلة طبع تحدد مخرجاتها! بل وتتذمر هي نفسها من إنجاب البنات!
وفي حالات كثيرة في مجتمعنا الشرقي نرى أن أمنية الزوج بالحصول على الولد أثر سلباً على حياة الأسرة وعلى الأطفال، البنات بوجه خاص.
ومن مفارقات الحياة اللافتة للانتباه أن نرى العديد من الأسر أولادها من البنات فقط وقد حققن مراكز متقدمة من العلم والمعرفة ويحظين باحترام وتقدير المحيط؛ لكنها تبقى أسيرة نظرة المجتمع ويطلقون على تلك البيوت بـ"بيت البنات" ويعرف من قبل الآخرين بهذا الاسم. ومن واقع تجربتي التي كثيراً ما أصادفها أن كثيرا من الآباء الذين حظوا بإنجاب البنات والأولاد معاً، في مراحل متقدمة من حياتهم وعندما وصلوا إلى أرذل العمر، لم يجدوا أمامهم سوى بناتهم بعد أن تخلى الأولاد عنهم ليتمنوا لو أن جميع خلفتهم من البنات!!!
تأثيرات المجتمع
في كثير من الأحيان يكون هناك قناعة من قبل الأهل بما قسمة الله لهم ولكن نظرة المجتمع الذكورية تضغط على الأهل وتؤثر سلباً في تلك القناعة, فالفتاة برأيهم ضعيفة، وهي تشكل عبئاً مادياً ومعنوياً على الأسرة والمجتمع، وآخرون يرون بالموضوع حرماناً للبنات من الأخ الذي هو عون وسند لهم في هذه الحياة. ولكننا نتساءل أليسا من الظلم أن يحق لأم الصبي حرية الاختيار بتنظيم النسل وتحديدها متى تتوقف عن الإنجاب. بينما تحرم أم البنت هذه النعمة بإرادتها أو رغماً عنها وتظل تنجب مرة بعد أخرى حتى يحالفها الحظ بمولود ذكر?
فتمنح الأولى حرية تحدد عدد أفراد أسرتها وأن تسعى وراء راحتها الجسدية والنفسية وتكرس وقتها لتربية أولادها براحة بال واطمئنان بينما تحرم أم البنات من هذا الاختيار وكأن لزاماً عليها تكرار الحمل والإنجاب حتى وإن كانت هذه السيدة تعاني من صعوبة الحمل ومن صعوبة الولادة وفي حالات أخرى قد يكون في هذا الحمل هلاكها هي وأسرتها؛ إذ تكون في أوضاع صحية حرجة ويشكل هذا الحمل خطراً على حياتها ومع هذا تراها تغامر بكل شيء من أجل إنجاب الذكر فتحرم تلك الزوجة متعة إنجاب الصبي ونعمة تربية بناتها فتظلم بذلك نفسها وبناتها.
لا فرق بين البنت والولد
التقينا بالمهندسة سماح العمودي وهي أم لثلاث بنات أصغرهن في السابعة من العمر، لتحدثنا عن شعورها وهي أم لثلاث بنات وهل تفكر في المحاولة لإنجاب الولد لتقول: "لا أفكر إطلاقاً بتكرار الحمل من أجل إنجاب الذكر وأنا وزوجي الطبيب فخوران ببناتنا، فهل هناك أجمل وأعظم من شعور الآباء وهم يرون بناتهم وهن مميزات في المجتمع بعملهن وتربيتهن وأخلاقهن الفاضلة؟".
وتضيف قائلة: "تطرح عليَّ الكثير من الصديقات والقريبات لماذا لا أحاول الإنجاب مرة أخرى من أجل إنجاب الولد? فأجيبهن أنني مكتفية تماماً بعدد أفراد أسرتي الصغيرة المحببة على قلبي ولا فرق لدي بين البنت أو الولد".
يا رب ولد!!
سالم عبد الله الذي تزوج من رفيقة دربة بعد قصة حب ليرزق منها بخمس بنات يشار لأدبهن وتفوقهن. وبعد أن فتح الله عليه أبواب الرزق وبعد إلحاح أمه وبعض أصدقائه تزوج بأخرى باحثنا عن "ولي العهد"، ولكن تشاء مشيئة الله أن تلقنه درسا بأن تنجب الأخرى بأربع بنات.
أم محمد، 70 عاما، أنجبت 7 أولاد وبنتين، تقول إن أبناءها السبعة لا يفيدونها بشيء فكل واحد منهم يسكن منزله الخاص مع أسرته ولا يسألون عنها أو عن أخواتهم إلا في المواسم والأعياد، وكم من المرات مرضت فيها وشفيت ولم يدق بابها إلا أصغرهم ولفترة لا تتجاوز عشر دقائق.
وتضيف أن البنات هن بلسم القلب بحنانهن ومعاملتهن وخاصة عندما يكبر الآباء ويصلون إلى مرحلة يحتاجون من يخدمهم ويراعيهم في آخر أيام حياتهم.
ختاما
هناك سؤال مطروح لأم البنات للنقاش، وهو: لماذا لا نعطي أنفسنا حق المتعة بأمومتنا ونفتخر بتربية بناتنا ونهتم بتأديبهن وبناء شخصيتهن وبتحصيلهن العلمي؟ ولماذا شعورك الدائم وفي قرارة نفسك بالنقص في غياب الولد؟ ولماذا لا نشعر بالقناعة المطلقة بما رزقنا الله تعالى؟!
وسؤال يطرح لأبي البنات وهو: متى سنرضى ونحمد الله على عطائه وعلى ما بين أيدينا وغيرنا محروم منه وأن نقتنع بما قسمه الله لنا، فربما تكون هذه البنت أفضل من عشرة أولاد والقصص كثيرة بهذه الحياة؟ وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم. وفي الأخير ولد أو بنت ماذا عملنا نحن أولاد وبنات لآبائنا وأمهاتنا... إلا ما رحم ربي!
المصدر : سبأنت