قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات اليمنية إصدار أمر فوري بإجراء تحقيق محايد في مزاعم تعذيب محتجز وإساءة معاملته عقب الإفراج عنه. زعم إبراهيم علي ياسين الصنبري (الريمي)، 22 سنة، أنه تعرض لضرب مبرح على أيدي قوات الأمن أثناء احتجازه. وكان إبراهيم قد احتجز دون توجيه اتهامات من 25 أغسطس/آب إلى 8 سبتمبر/أيلول 2013، ثم مُنع من السعي إلى الإنصاف والتعويض عن إصاباته.
قال الصنبري إنه بعد مشادة مع ضباط من قوات الأمن الخاصة شبه العسكرية يوم 25 أغسطس/آب، تعرض الضباط له بالضرب المبرح حتى كسروا ذراعه. ثم نقلوه إلى سجن حيث قيدوا ذراعيه وساقيه لكنهم لم يعالجوا إصاباته. وبعد الإفراج عنه، تدخل فرع المباحث الجنائية التابع للشرطة لدى ثلاث مستشفيات عامة ومستشفى خاص، كان قد بحث فيها عن علاج، لمنعه من الحصول على تقرير طبي بحالته.
وقالت المنظمة إن القضية تثير كلا من مشكلة التعذيب الخطيرة داخل مقرات الاحتجاز اليمنية، وجهود الحكومة لعرقلة إنصاف ضحايا الانتهاكات وتعويضهم.
قال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: «إن محاولة منع ضحية لتعذيب الشرطة من الحصول على العلاج الطبي تأخذ القسوة إلى مستوى جديد، وعلى الحكومة أن تحقق فيما حدث لإبراهيم الصنبري على يد قوات الأمن، وأن تضمن العقاب لأي مسؤول عن إساءة المعاملة».
قال الصنبري، وهو طالب يقود دراجة نارية في العاصمة صنعاء أثناء الصيف، إنه دخل في خلاف على الأجرة مع أحد أفراد قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي)، وهي قوة شبه عسكرية تتبع وزارة الداخلية. بعد ذلك اتهمه أفراد القوة بمحاول تفجير قنبلة يدوية في المعهد اليمني الأمريكي للغات القريب. وأخذه نحو 12 ضابطاً داخل حاوية يستخدمونها أثناء دوامهم أمام المعهد، على حد قوله، وضربوه بقبضاتهم وكعوب بنادقهم وبالعصي على مدار عدة ساعات، فكسروا ذراعه.
بعد هذا تم نقل الصنبري إلى مركز شرطة الوحدة بصنعاء، وهناك استجوبه عدد من رجال الشرطة بثياب مدنية، طالبين منه الاعتراف بأنه «إرهابي»، وأرغموه على التوقيع على وثيقة لم يسمحوا له بقراءتها. قال الصنبري إن الشرطة نقلته إلى مقر الاحتجاز على ذمة المحاكمات الخاص بفرع المباحث الجنائية، التابع لوزارة الداخلية، الذي يحتجز المشتبه بهم أثناء تحقيقه في القضايا الجنائية.
وأضاف الصنبري إن سلطات السجن قامت بتقييد ذراعيه إلى ساقيه على نحو متعاكس، بما فيها ذراعه الكسيرة التي لم تتلق العلاج الطبي، وأبقوه في ذلك الوضع لمدة 14 يوماً. أعطاه العاملون بمقر الاحتجاز أقراصاً يظن أنها كانت لتخفيف الألم، لكنه لا يذكر شيئاً آخر عن احتجازه، وهو ما يعزوه إلى تلك الأقراص. وهناك ندبة حديثة على رأسه توحي بأنها نجمت عن ضربة تسببت في قطع الجلد.
اكتشفت عائلة الصنبري مكانه عن طريق الاتصال بمركز شرطة الوحدة، وبعد دفع رشاوى لا تقل عن 100 ألف ريال (450 دولار أمريكي)، تمكنت العائلة من زيارته في السجن يوم 30 أغسطس/آب. قالت عائلته إن الحراس جاءوا به إليهم مقيداً ولا يستر جسده شيء سوى الملابس الداخلية. زعم الحراس أنه صار عنيفاً وكان يهاجم المسجونين الآخرين.
وقالت «هيومن رايتس ووتش» إنها لاحظت ندوباً على كاحلي الصنبري ومعصميه تتفق مع مزاعمه بالتقييد لمدة طويلة. أثناء المقابلة كان الصنبري يعاني من صعوبة بالغة في الكلام، وكان يرتجف ويتصبب عرقاً، وبدا أنه يجد صعوبة في التركيز بعينيه.
في 8 سبتمبر/أيلول أصدر مكتب نيابة جنوب غرب صنعاء أمراً بالإفراج عن الصنبري. وقال الصنبري إن عائلته أخذته إلى 3 مستشفيات عامة في ذلك اليوم للحصول على علاج وتقرير طبي بحالته لإثبات إصاباته. لكن اثنين من المستشفيات رفضا قبوله بمجرد ذكره لاسمه.
قال شقيق الصنبري إنه في المستشفى الثالث، مستشفى الثورة، تدخل ضابط المباحث الجنائية المخصص للمستشفى قائلاً إن الطبيب لا يمكنه إعطاؤه تقريراً طبياً إلا بإذن النيابة. اتصل شقيق الصنبري بمكتب النيابة، الذي رد بأن دوره يقتصر على الإفراج عن الصنبري، ورفض تقديم الإذن.
بعد ذلك أخذته عائلته إلى مستشفى المتوكل الخاص، حيث التقط له الطاقم الطبي صوراً بالأشعة تظهر الكسر في ذراعه اليسرى. ثم ذهب إلى مستشفى خاص ثان، مستشفى ابن سينا، لتجبير ذراعه. وهناك قام الطبيب، عقب سماع روايته، باستدعاء ضابط المباحث الجنائية المقيم لاستئذانه في إصدار تقرير طبي للصنبري.
أجرى الضابط مكالمة هاتفية وذكر اسم الصنبري، ثم قال للطبيب والعائلة إن بوسعه الحصول على العلاج، ولكن ليس على نسخة من التقرير الطبي. وقال الضابط إنه لا يمكن تقديم تقرير بحالة الصنبري الصحية إلا إذا كان الصنبري قد حضر للمستشفى مباشرة عقب الإفراج عنه. تم وضع ذراع الصنبري الكسيرة في جبيرة.
ونقلت المنظمة عن عائلة الصنبري قولها إنهم قرروا أخذه إلى مختبر خاص لإجراء تحاليل تحدد نوع العقار الذي تناوله أثناء الاحتجاز. على عكس المستشفيات الخاصة في اليمن، لا يوجد بالمختبرات الخاصة ضابط مباحث جنائية. لكن العائلة قالت إن نتائج المختبرات الخاصة لا تعترف بها المحاكم رسمياً كأدلة.
قال عبدالسلام أبو الرجال، مدير المباحث الجنائية ببلدية صنعاء الكبرى، إن مكتبه لا يستطيع التعليق على القضية. كما باءت بالفشل محاولات هيومن رايتس ووتش للتحدث مع مسؤولين من مستشفى ابن سينا ومن مكتب النائب العام.
ويلتزم اليمن، كدولة طرف في اتفاقية مناهضة التعذيب، «بأن يضمن لأي فرد يدعي بأنه تعرض للتعذيب... الحق في أن يرفع شكوى إلى سلطاته المختصة، وفي أن تنظر هذه السلطات في حالته على وجه السرعة وفي نزاهة. وينبغي اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان حماية مقدم الشكوى من إساءة المعاملة أو التخويف نتيجة لشكواه أو أي أدلة تقدم”. كما تنص الاتفاقية على تمتع ضحية التعذيب «بحق قابل للتنفيذ في تعويض عادل ومناسب، بما في ذلك وسائل إعادة تأهيله على أكمل وجه ممكن».
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش «إذا ثبتت صحة مزاعم الصنبري فإن على السلطات أن توفر له تعويضاً عادلاً ومناسباً، بما في ذلك العلاج الطبي. كما تلتزم السلطات أيضاً بتقديم المسؤولين عن إساءة معاملته، بما فيها حرمانه من الرعاية الطبية، إلى العدالة».
والتعذيب محظور في الدستور اليمني كوسيلة لانتزاع الاعترافات بالإكراه أثناء الاعتقال والتحقيق والاحتجاز والسجن، كما أنه مجرّم في قانون العقوبات.
ودعت المنظمة السلطات اليمنية إلى أن تضمن إدراج التثقيف والمعلومات المتعلقة بحظر التعذيب على أتم وجه في مناهج تدريب جميع المشتغلين بإنفاذ القانون. وعلى الحكومة إجراء مراجعات ممنهجة لقواعد الاستجواب وتعليماته وأساليبه وممارساته، علاوة على ترتيبات احتجاز ومعاملة الأشخاص المعتقلين أو المحتجزين أو المسجونين.
قال جو ستورك: «إن قضايا مثل قضية الصنبري تسلط الضوء على المسألة الأوسع، مسألة ما إذا كان اليمن يلبي التزاماته بموجب القانون الدولي بمنع تعذيب المشتبه بهم أثناء الاحتجاز».