أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

62 عاماً وفلسطين تنتظر الولادة

- د. صالح بكر الطيار

 في الخامس عشر من شهر ايار / مايو عام 1948 حصلت نكبة فلسطين حيث انقسم الشعب الفلسطيني بين من يخضع للإحتلال الصهيوني ، وبين من يعيش في الضفة الغربية وغزة تحت الوصاية العربية ، وبين من اضطر للجوء الى دول الجوار بإنتظار حل يبدو انه يزداد يومياً تعقيداً حيث لا امل يلوح في الأفق ، ولا وعود جدية بإمكانية اقامة دولة مستقلة ذات سيادة .

62عاماً مضت تحولت خلالها القضية الفلسطينية من قضية مركزية تهم كل العرب ومعهم العالم الحر ، الى قضية باتت محصورة بالفلسطينيين انفسهم بعد ان تبدلت الشعارات العربية من المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطيني ، الى الداعية الى استعادة الأراضي المحتلة منذ العام 1967 فقط ، ومن ثم الى الراضية بإقامة دولة فلسطينية على أي ذرة من تراب فلسطين دون أي اعتبار للجغرافيا وللتاريخ ولوحدة الشعب .

62عاماً مضت تغيرت خلالها الكثير من ملامح فلسطين وذهبت بإتجاه الصهينة والتهويد ، وتم استبدال اسماء مدنها وقراها من العربية الى العبرية ، ومل اللاجئون طول فترة الإنتظار ، فمات البعض بعد إن اخذ معه مفتاح داره الذي احتفظ به ظناً منه ان خروجه من فلسطين كان مؤقتاً ، وبقي من بقي وهو يتساءل عن موعد العودة متخوفاً من مشروع توطين يعوض عليه حفنة من الدولارات لقاء ان يمحي من ذاكرته حقيقة انتمائه وأن يسجل مكانه تاريخ جنسية جديدة ستمنح له .
62 عاماً مضت خاض خلالها العرب الكثير من الحروب الخاسرة وأنتهت بإتفاقيات سلام جعلت من المحتل صديقاً من الممنوع انتقاده او شتمه او لومه او حتى التحريض عليه .62 عاماً مضت والشعب الفلسطيني ينتقل من المراهنة على الأنظمة العربية لكي تستعيد له ارضه ، الى المراهنة على المنظمات الفلسطينية التي اضاعت نضالها في لملمة خلافاتها الى حد خسر الشعب الفلسطيني من صراع منظماته اكثر مما خسر من مواجهاته مع عدوه .
62 عاماً مضت والرهان اليوم على مدى تمكن المجتمع الدولي من اقناع اسرائيل ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على اجزاء مما تبقى من الضفة الغربية وغزة هو خدمة لإسرائيل نفسها ولأمنها ومستقبل تعايشها في المنطقة ، وليس خدمة للفلسطينيين الذين سيكونون جاراً مهذباً ومسالماً ومجرداً من السلاح بإستثناء السلاح الخفيف الذي يتيح له قتل فلسطيني متمرد ، او أخر محرض ، او ثالث يرفض ان يتروض.

62 عاماً وقضية فلسطين موضوعة في طائرة ترحل بها الى كل عواصم العالم ، والى كل اروقة المنظمات الدولية والجهوية ، والى كل سجلات الأحزاب والنقابات والتنظيمات ، والى كل صفحات الجرائد وشاشات التلفزيونات وأثير الإذاعات ، وقد تبقى على هذه الحال حتى سنوات طويلة ايضاً لطالما ان الطائرة التي تحمل القضية هي طائرة من قصب مكسر ومن ورق ممزق.

62 عاماً سمعنا خلالها بأبي عمار ، وأبي جهاد ، وأبي اياد ، وأبي الهول ..... ومؤخراً بأبي مازن ، وهناك لائحة طويلة من " الأبوات " الذين سيكلفون بإدارة يوميات هذه القضية واحداً تلو الأخر دون ان يلوح في أخر النفق المظلم حتى الأن أي بصيص نور يبشر بقرب ولادة طال مخاضها الى حد بات الكثيرون يظنون ان الجنين المنتظر لم يعد على قيد الحياة او انه قد استنسخ منذ فترة طويلة وسمي اسرائيل الملقبة تاريخياً بأسم فلسطين .

رئيس مركز الدراسات العربي الاوروبي

Total time: 0.056