اخبار الساعة - المهندس لطيف عبد سالم العكبلي
وتعبيرا عن حداثة التجربة الديمقراطية في العراق فان الايام التي سبقت اجراء الانتخابات النيابية العامة في اذار من العام الحالي حولت البلاد الى ما يشبه سوق عكاظ بعد ان تسابقت الكتل السياسية المشاركة في التنافس على مقاعد البرلمان الجديد الى ترويج بضائعها من البرامج والخطب والوعود الشعارات والعراضات العشائرية التي كان قاسمها المشترك سعادة ورفاهية المواطن الذي واجه تحديات مريرة في ماضيه لا سيما العقدين الاخيرين من القرن المنصرم بحروبها وماسيها وتداعيات الحصار الاقتصادي التي جعلت الفقراء والمحرومين يشحذون الملح في بلد ينعم الاغراب بخيراته وثرواته فلا غدو ان يعيش الشارع العراقي المتحفز لارساء ركائز بنائه السياسي والدستوري لتجربته الوحيدة والمتفردة في محيطه العربي على آمال خائفة لا يرحمها المجهول .
وفي مخاض هذه التجربة التي نطفتها قيد الانعقاد استحوذ التوتر الذي ساد البلاد على خلفية الانتخابات البرلمانية على اغلب مكونات الجسد العراقي بسبب تزايد المخاطر وتصاعد التهديدات الرامية الى اجهاض الديمقراطية الفتية التي تلمست طريقها عبر حبر وجهاد وتضحيات جسام لو قدر لها ان تحدث في بلد اخر لنسجت منها عقول المبدعين عشرات الاعمال والمنجزات الابداعية . وان الجدالات التي اعقبت الانتخابات النيابية الاخيرة حول نتائجها الجزئية والنهائية كان حضورها واسعا ومؤثرا في المشهد السياسي العراقي . اذ اقتضى استمرارها وتناميها الى اختزال ايام ثمينة من الزمن المفترض تجييره لصالح عملية اعمار وبناء البلاد بوصفها دعامة اساسية في مهمة ترسيخ القيم الانسانية والاخلاقية لدولة المؤسسات المنشودة .
وفي خضم هذه الازمة الخانقة التي يسود اجوائها الترقب والانتظار تتسع امال الشرائح الاجتماعية التي اكتوت بشظف العيش وبؤس الخدمات البلدية والاجتماعية في امتثال بعض الكتل السياسية لارادتها من خلال تعميق نضجها السياسي والديمقراطي وتوظيف ما متاح من امكانياتها المادية والبشرية في بلورة افضل الاليات التي تستلزمها عملية التصدي للتحديات الراهنة والمستقبلية التي تهدد بتقويض ركائز البناء السياسي والدستوري ودفع البلاد الى فراغ دستوري من شأنه الاسهام باشاعة الفوضى السياسية التي تعد مناخا مناسبا لتفعيل النشاطات التخريبية التي تعبث بامن البلاد واستقراره بغية تعطيل العملية السياسية ووضع العصي في دواليب مسيرة التحولات الديمقراطية في البلاد بالنظر لما الت اليه التجربة الديمقراطية في العراق من نتائج ومخاوف كثير من الجهات التي ما تزال تراهن على اصابة اليات هذه التجربة الوليدة بالشلل لانعاش امانيها الضالة باجهاضها .
وتصديقاً لما ذهبنا اليه، فان الازمة التي احاطت بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة اخذت حيزا هائلاً من الاهتمام الاعلامي ومساحة واسعة من الجدل الثقافي والفكري الذي اسهم باتساع حجم المرارة التي تكتظ بها غلاصم العراقيين بعد سنوات من البؤس والحرمان والامتهان، على الرغم من التطور النوعي بالية التصويت التي كفلها قانون الانتخابات البرلمانية بصيغته المعدلة التي اقرت اعتماد خيار القائمة المفتوحة عوضاً عن النموذج السابق الذي فرضته الظروف الموضوعية التي عاشتها البلاد بعد عملية التغيير والتي كانت سببا في اهتداء القيادات الادارية الى تبني القائمة المغلقة سبيلاً في تشكيل مجلس النواب في دورته الاولى والذي عد في تلك الايام العصيبة انجازاً جزئياً ومتميزاً على طريق فتح اكمال الديمقراطية التي اثارت مخاوف كبيرة في الحياة السياسية العربية خشية تهاوي قياداتها التقليدية التي ما تزال رهينة عقدة الرئيس الراحل ويمكن القول ان شعب تقطعت اوصاله بين جبهات القتال وأقبية السجون وغربة المنافي البعيدة، فضلا عن نزيف الدم الذي طبع طياته العامة وفرض على اغلب نسائه، وتجاصه من شرائح المعدمين والمهمشين الاتشاح بالسواد الذي ما يزال يشكل علامة لحواء العراقية ويعكس تنامي اعداد الارامل واليتامى يستلزم من قياداته السياسية التخفيف من معاناته المستمرة والمتفاقمة عبر اجراءات عملية تسهيم رصانتها وواقعيتها بتبديد مشاعر القلق التي تسود الشارع العراقي من غد العملية السياسية ولا نبعد عن الواقع اذ قلنا ان شعب صبور يتجاوز جراحات الحروب والمآسي ويتوجه وسط المخاطر الى صناديق الاقتراع بوصفها الملاذ السليم لاخراجه من الاستبداد الى نعيم الديمقراطية يملي على قادته وسياسية ان يكونوا اقرب الى همومه واكثر انشغالا بمشكلاته التي لايمكن التخفيف من وطأتها في ظل استمرار السجالات والخلافات بين الكتل السياسية التي هيمن على حوارات بعضها جدل بيزنطي لا ترجى منه فائدة. فالايام تمضي ثقيلة وامال شعبنا تتضائل في قدرة الكتل النيابية الفائزة على توحيد كلمتها واذابة جليد ازمة تشكيل الحكومة التي اصبح تحقيقها مرهونا بمعجزة لا يقوى عليها اهل السياسة في بلادنا في ظل الظروف الحالية.
واختم حديثي بتذكير القائمين على البيت السياسي العراقي باهمية المظاهر الخاصة لاي نصر سياسي يحققه الشعب العراقي في معترك ولادته الجديدة التي تستلزم من الجميع ادراكاً عميقاً بضرورة الاحتفاء بولادة حكومة الوحدة الوطنية وابراز قيمة برنامجها الوطني واعلاء شانها. وبعد اشهر من الجدالات والسجالات التي اعقبت اجراء الانتخابات النيابية اناشد اخوتي في البرلمان الجديد ان لايسهموا ولو من دون قصد لحرماننا من الاحتفاء بمعالم تجربتنا الوطنية التي تستظل بخيمة الديمقراطية وفاءاً لشهداء العراق وتضحيات شعبه ومظلوميته.