اخبار الساعة - العلامة السيد محمد علي الحسيني
ينعقد
في العاصمة السنغالية (داكار) مطلع شهر آذار المقبل, مؤتمر علماء الامة
الاسلامية برعاية خاصة من لدن خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله
بن عبد العزيز, وبرئاسة مباشرة من جانب الرئيس السنغالي عبدالله واد, هذا
المؤتمر الذي يسعى للمزيد من العمل المثمر والجاد من أجل جمع كلمة الامة,
ومعالجة قضاياها المصيرية الكبرى, والتصدي للمحاولات المختلفة من أجل زعزعة
ركائزها العقائدية والفكرية والامنية والسياسية والاجتماعية. ينعقد
المؤتمر في مرحلة حساسة وحرجة جدا تمر بها المنطقة بشكل خاص والامة
الاسلامية بشكل عام, إذ تكاد المنطقة ان تشهد زلزالا قويا بإمكان تأثيره ان
يتعدى الحدود الجغرافية للمنطقة.وفي
الوقت نفسه نجد قوى عديدة تتربص بهذه التغييرات من أجل أهداف وأجندة خاصة
بها, ستكون بطبيعة الحال على حساب أمن واستقرار ومصلحة شعوب المنطقة. كما
نجد في نفس الوقت سعيا محموما من جانب قوى إقليمية معروفة تسعى للتصيد في
المياه العكرة وتلبيد الاجواء بالمزيد من غيوم مؤامراتها ومخططاتها
الداكنة.مؤتمر داكار لعلماء الامة, الذي سيحضره جمع غفير من علماء وفقهاء
أمتنا الاسلامية, والمهتمين بالشأن الاسلامي من مختلف القارات, والذي
سنشارك فيه شخصياً ان شاء الله سيسعى للعمل الجاد والمثمر والدؤوب من أجل
إظهار مكانة علماء الامة, وتوفير كل مستلزمات وأسس التكاتف والوحدة بين
جميع الشعوب المكونة للأمة الاسلامية, وإظهار التحديات, وسد الثغرات التي
يسعى أعداء الامة والمتربصين شرا بها النفاذ من خلالها, وإلحاق الضرر
والاذى بشعوبها.وان العلماء الذين حظوا دوما بمكانة ومنزلة خاصة في الاسلام
حتى ان الرسول الاكرم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) قد وصفهم في حديث
شريف له بقوله: {العلماء ورثة الانبياء}. أما القرآن الكريم فقد أسبغ عليهم
فيضا واضحا من القدر والتوقير عندما خاطب المسلمين في آيات عديدة: "قل هل
يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". وفي آية أخرى "فسألوا أهل الذكر ان
كنتم لا تعلمون".ومن هذه المنطلقات, فإن الرؤية السديدة لخادم الحرمين
الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قد انصبت وتركزت على هذه الشريحة
المهمة والحساسة جدا في جميع مفاصل الامة الاسلامية, ودعى إلى عقد هكذا
مؤتمر مبارك لكي يقوم هذا الجمع المتمنطق بكتاب الله وسنة الرسول الاكرم,
بطرح آرائه وأفكاره وطروحاته وتصوراته ومقترحاته للتصدي للأمور, ومعالجتها
بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه, ويتلاءم وطموحات وآمال وتطلعات الامة
الاسلامية في كل أرجاء العالم.رغم ان مسألة جمع كلمة الامة, ولمّ شملها,
ورص صفوفها, ووحدتها, ومعالجة قضاياها الكبرى, ستكون في الاولوية من حيث
الاهمية القصوى, لكن ذلك بدوره سيقود إلى البحث في أسباب وثغرات وعوامل
الاوضاع السلبية التي تحول دون جمع كلمة الامة ووحدتها الفعلية على أرض
الواقع, والتي لها من بين الاسباب المهمة جداً ارتباطات وعلاقة وثيقة
بأسباب خارجية, ذلك ان أعداء أمتنا الاسلامية يعلمون علم اليقين ان الصحوة
الحقيقية لو عمت بلدان العالم الاسلامي, (وليست تلك الصحوة المزيفة المسوقة
من أجل أهداف وأجندة ضيقة ومشبوهة), وأننا نقصد بالصحوة التي نحن بصددها
طرح رؤية صحيحة وواقعية وغير مسيَّسة أو موجهة من أجل أغراض خاصة للدين
الاسلامي, والعمل الجدي وبكل السبل المتاحة, كي تتم توعية الامة به وجعله
الخطاب الاعم والوسطي المعتدل الذي يكتسح ويزيح كل الخطابات الاخرى
المشبوهة والمغالية المنحرفة.وأن النقطة الاساسية للانطلاق بهذا السبيل
المبارك هو التركيز والتأكيد على مكانة علماء الامة ودورهم العقائدي
والفكري الارشادي والتوجيهي والتربوي الاجتماعي من أجل الامساك بزمام
الفتاوى والاراء المطروحة للأمة بخصوص مختلف المسائل والمواضيع والقضايا
المطروحة وقلع واجتثاث وفضح كل أولئك الجهلاء المنحرفين الذين دخلوا عالم
الفتوى الحساس, والبالغ الخطورة من دون أية أهلية مناسبة تؤهلهم لذلك,
وإنما يكتفون بالتمسك بمسائل وقضايا سياسية بحت ورؤية سطحية للمباني
الشرعية, وتحريف للخطاب الديني.وذلك ما يشكل خطرا كبيرا, وبكل الاتجاهات
الفكرية العقائدية والسياسية والامنية والاجتماعية.مما يوجب العمل الجاد
والدءوب من أجل إيقافه عند حده أو على الاقل لجمه بمختلف الوسائل, والسبل
المتاحة, رغم أننا نميل إلى الاعتقاد بأن تحقيق هذا الامر يتطلب جانبين
مترابطين ببعضهما: أولهما: التوعية الشاملة للأمة فيما يتعلق بالدور الخاص
والمحدد بالعلماء والفقهاء لطرح الفتاوى والاجتهادات والاراء العقائدية
والفكرية لأبناء الامة. ثانيهما: وضع آليتين شرعية وقانونية لتحديد مسألة
الافتاء والاجتهاد الديني والعمل على تجديد الخطاب الديني وتفعيله بأقرب
وقت ممكن, لأن الخطر متمثل, وماحق, ويتطلب العمل بأسرع وقت ممكن.واننا من
موقعنا الاسلامي نرى ان الخطر الاكبر والاكثر تأثيرا الذي يخيم الان على
العالم الاسلامي, هو ذلك الذي يهدف إلى الابقاء على أمننا القومي والفكري
والاجتماعي ضعيفا نوعا ما للبلدان الاسلامية وإمكانية اختراقه أو النفاذ
إليه وتحريكه في أي وقت يشاء فيه الاعداء والمتربصون شرا, وبحسب ما تتطلب
مصالحهم ومنافعهم. وقد بدا واضحا ومن خلال الخط العام لمسار الاحداث
والوقائع التاريخية في عموم بلدان العالم الاسلامي بشكل عام, وطوال العقود
المنصرمة, أنه لم تطرح أبدا قضية الامن القومي الاسلامي على بساط البحث.وظل
الامر مناطا بكل دولة بحسب ما تراه مناسبا وملائما لها, من دون ان يكون
هناك تفكير استراتيجي عام يؤكد ضرورة وأهمية ربط قضية الامن القومي لبلدان
العالم الاسلامي بسياق خاص به, وإيلائه أهمية استثنائية, لأن شعوب هذه
البلدان الاسلامية تشكل اساس الامة الاسلامية وأمنها واحد لا يمكن تجزئته -
وهذا ما قد ثبت فعلا- وأن أي خطرٍ, أو تهديدٍ أو أمر طارئ يلم بأي شعب
منها سيقود بالضرورة للتأثير في الشعوب الاخرى لوجود الترابط العقائدي -
الفكري- التاريخي القوي فيما بينها وما يجمعها من دين ودم ومصير.ومن هنا
فإننا ومن خلال موقعنا الاسلامي وإدراكنا بالاهمية الخاصة والاستثنائية
لهذا الموضوع, فإننا ندعو لكي يكون موضوع الامن القومي الاسلامي من أهم
المواضيع التي يجب طرحها, ليس في هذا المؤتمر المهم وحسب, وإنما على مختلف
المستويات والاصعدة وفي كل المحافل.ونؤكد ضرورة وضع الاساس والركائز
المطلوبة للانطلاق في هكذا مشروع حيوي ومهم ومصيري بالنسبة لجميع دول وشعوب
المنطقة. ونحن واثقون من ان التوصل إلى اتفاق مبدئي بهذا السياق سوف يكون
له أبلغ الاثر في رص صفوف الامة الاسلامية, والمزيد من توفير عوامل الوحدة
والامن والامان والاستقرار والتقارب فيما بينها, وصولا إلى خلق وإيجاد
الحصانة المطلوبة لأمن وأمان واستقرار هذه الدول ودرء مختلف الاخطار
المحدقة بها من مختلف الاتجاهات وعلى كل الاصعدة.إننا من موقعنا الاسلامي,
ندرك ونعي تماما بأن الوحدة الفعلية للأمة الاسلامية وجمع كلمتها يتحقق
بالشكل والمحتوى العملي والحرفي للكلمة عندما يتم توفير المستلزمات
الضرورية لها وتتمثل فيما تتمثل من طرح الموضوع على بساط البحث الجدي على
الصعيدين الرسمي والشعبي الاسلاميين, وإشباع الموضوع بمختلف الاراء
والطروحات والتوجهات والملاحظات وصولا إلى الصيغة الافضل والاشمل لمسألة
الامن القومي الاسلامي, خصوصا ان اعداءنا الاساسيين يجعلون مسألة أمنهم
القومي دائما في أولوية المسائل التي يجب ان تراعى في الوقت الذي جعلوا من
مسألة اختراق وزعزعة أمن البلدان الاسلامية وتعريض أمنها الاجتماعي بشكل
خاص لأخطار جمة, من أهم أهدافه الاستراتيجية التي يعمل من أجل تحقيقها
بذكاء.ومن هنا, فإنه من الواجب الشرعي على جميعنا قادة وعلماء وشعوبا
ومفكرين ومثقفين, ان نعمل كيَدٍ واحدة من أجل خلق وإيجاد أمن قومي إسلامي
بمقدوره مواجهة مخططات الاعداء والتصدي لهم ودرء الاخطار والتهديدات
المحدقة بأمتنا الاسلامية, وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون.
* المرجع الاسلامي لشيعة العرب