أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

هل تقويم مستويات الطلبة في الجامعات اليمنية علمي؟!!

- د/ سعاد سالم السبع

تقويم التحصيل الدراسي  المتبع في المؤسسات التعليمية ولا سيما في الجامعات اليمنية  لا يقوم على معايير علمية صحيحة لأنه  يستند إلى خيارات أو رؤى المعلمين في المدارس والأساتذة في الجامعات دون وجود مراجعة أو رقابة حتى على طريقة بناء أدوات التقويم أو الموضوعات  والمعارف والمهارات والقيم التي تقيسها هذه الأدوات ، التقويم في الجامعات اليمنية في معظمه لا يقيس ما ينبغي تحصيله من مفردات بحسب أدلة الجامعات والكليات لأن العملية التعليمية في الجامعات اليمنية تفتقد المتابعة الإدارية، والأكاديمية،  ومعظم الأساتذة لا يمتلكون مهارات التقييم الذاتي ولا يتحمسون لإجرائه في ظل الانفلات الإداري وعدم التمييز بين الغث والسمين وعدم تقدير المجتهدين .

خضوع عملية التقويم للرؤى الذاتية للأساتذة دون وجود معايير موحدة لوضع الاختبارات، ودون وجود نماذج  ضابطة لتقدير الدرجات المستحقة لمستويات الطلبة  أدى إلى وجود  تباينات  خطيرة  في التقديرات و في أدوات قياس التحصيل حتى في المقرر الواحد ، فتجد أستاذا يضع اختبارا متميزا وشاملا للمفردات وآخر يكتفي بموضوع أو موضوعين، وتجد أستاذا يقيس مهارات عليا في اختباره وآخر يقتصر على الحفظ والتذكر، وتجد أستاذا يضع اختبارا مقاليا وآخر يضع اختبارا موضوعيا حتى في المواد التي لا يتناسب معها الاختبار الموضوعي ، وتجد أستاذا يكيل الدرجات للطلبة من (شوال) وآخر يدقق ولا يعطي الطالب إلا ما يستحقه، وأكثر ما يثير الغرابة أن تجد بعض الأساتذة يتمتعون بالكرم الحاتمي فيعطون الدرجة النهائية لطلبة لا يستطيعون  حتى كتابة فقرة بدون أخطاء.

هذا التباين في التقديرات  دليل علمي واضح على عدم توفر معيار (الصدق) في أدوات قياس الأداء، ويثبت خضوع الاختبارات للرؤى الشخصية التي قد تتحكم فيها العواطف والأمزجة في تقويم تحصيل الطلبة. وبالتالي يتسبب الأمر في غياب الدافعية لدى الطلبة للجدية في التحصيل  العلمي ، وغرس الاتكالية لديهم  ويشجعهم على الميل  إلى الأساتذة الذين يعطون تقديرات كبيرة بلا تعب ، والانصراف عن  الأساتذة الأكفاء  الذين لا يمنحونهم إلا الدراجات  التي  تعبر عن مستوياتهم حتى وإن كانوا يرغبون في تدريسهم، لأن كثيرا من الطلبة -ولاسيما في العصر الحالي- يستسهلون الحصول على الشهادات فلا يهتمون بالتعلم بل بالحصول على الشهادة فقط، وهذا مؤشر خطير على انحدار العملية التعليمية في الجامعات اليمنية حتى وإن توفرت بيئة التعلم المناسبة.

    يفترض أن تقوم المؤسسات التربوية ولاسيما الجامعات ببناء اختبارات معيارية في كل المقررات ويتم تطبيقها على الطلبة بعد الانتهاء من تدريس المقرر حتى تتحقق العدالة في التقويم ، وحتى  يلتزم الأساتذة بالأداء وفق مفردات المقررات، وحتى  لا تظل عملية التقويم خاضعة لأمزجة الأساتذة لأن ترك عملية التقويم بدون ضبط أدى إلى كثير من التلاعب في الوظيفة التدريسية في الجامعات؛ فبعض الأساتذة لا يلتزمون بمفردات المقررات المعتمدة من الكليات ، وبعضهم يختصرون المقررات الدراسية إلى وريقات ، وبعضهم يدرسون  بعض الموضوعات ويضعون الاختبارات في موضوعات أخرى، وبعضهم يسطحون الاختبارات لدرجة أنهم يقدمون نماذج لا تصلح حتى لتلاميذ الأساسي،  وبعضهم  يركزون على قياس جانب التذكر  فقط ويهملون قياس مهارات التفكير الأخرى،  وبعضهم يتعنتون؛  فيضعون اختبارات تعجيزية  للطلبة من باب استعراض العضلات .

 والظاهرة الجديدة والأخطر هي أن ترك التقويم يسير في الجامعات اليمنية حسب أهواء الأساتذة أدى إلى خضوع بعض الأساتذة للواقع الضعيف للتعليم فأخذوا ينزلون بالتدريس والتقويم إلى الواقع الهابط لمجاراته  من باب التخفيف على الطلبة وعلى أنفسهم بدلا من التمسك بالجودة ورفع مستويات الطلبة لتجاوز هذا الواقع . إن استمرار التقويم بالصورة التي هو عليها في الجامعات اليمنية لن يخرج للمجتمع إلا مخرجات فاشلة ستنظم بالتأكيد إلى طابور البطالة .فأرجو أن يجعل مجلس الاعتماد الأكاديمي قضية الاختبارات الجامعية من أولويات مهام التطوير ليس فقط بتدريب الأساتذة على بناء الاختبارات  بل بتوحيد أساليب التقويم في الكليات والتأكد من صدق هذه الأساليب وقدرتها على تحديد مستويات الطلبة فيما يتعلمونه من مقررات في الجوانب  المعرفية والمهارية والوجدانية .

 

Total time: 0.0287