توفي ظهر اليوم الأحد الزعيم والمفكر الإسلامي التركي، نجم الدين أربكان، عن عمر يناهز 85 عاما، وقال طبيبه أن رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي كان يرقد بالمستشفى في الأيام الأخيرة توفي بسبب الضعف الذي انتاب قلبه.
وأعلنت قناة "تي آر تي" الرسمية التركية نبأ الوفاة، وصرح مساعده اوغوزن اسيلترك للقناة "لقد فقدت تركيا إحدى أهم شخصياتها".
وقال حزب "السعادة" إن زعيمه سيوارى الثرى بعد غدًا الثلاثاء في إسطنبول، حيث سيصلى عليه في مسجد "فاتح" ويدفن بجوار زوجته.
كان أربكان يترأس حزب "السعادة" الإسلامي، وقبل أربعة أيام التقى عددًا من قادة الحزب لمتابعة الاستعدادات لانتخاباته وذلك في المستشفى الذي دخله في يناير الماضي.
وفي تصريح خاص لـ "أون إسلام" اعتبر المحلل السياسي التركي، إسماعيل ياشا، وفاة أربكان "خسارة كبيرة لحزب السعادة"، لأنه كان محل إجماع في الحزب، مبديا خشيته من أن يدخل رحيل أربكان الحزب في أزمات وصراعات داخلية.
وأضاف أن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه الآن هو "من الذي سيقود الحزب"؟ وتابع أنه مهما كان حجم الشخص الذي سيتولى بعد أربكان رئاسة السعادة فإنه لن يملأ مكانه، نافيا في الوقت نفسه أن يصب رحيل آخر شخصيات جيل السياسيين القدامى في مصلحة جناح الزعيم السابق للحزب نعمان كورتولموش.
وبعد الأزمة التي تفجرت في المؤتمر الرابع للحزب وأدت إلى انشقاق جناح كورتولموش
تراجعت نسبة التأييد لحزب السعادة إلى 0.8 بالمائة حسب استطلاعات الرأي رغم تولي أربكان الرئاسة.
يعد أربكان أبو الحركة الإسلامية السياسية في تركيا، والذين يقودون الحكم في البلاد الآن هم جميعا من طلابه، في حزب "العدالة والتنمية" وخارجه. كان هؤلاء الطلاب قد استفادوا كثيرا من أخطاء أستاذهم، حتى رأوا من الأهمية لهم الانشقاق عليه وإن كانوا يحتفظون له بالفضل.
ولد أربكان في 29 أكتوبر عام 1926 في مدينة "سينوب" على ساحل البحر الأسود، وأنهى دراسته الثانوية سنة 1943م، عرف بتوجهاته الإسلامية منذ الصغر.
تخرج في كلية الهندسة الميكانيكية باستانبول سنة 1948م، وكان الأول على دفعته. اشتغل معيداً في نفس الكلية وأرسلته جامعته في بعثة علمية إلى جامعة "آخن" الألمانية.
حاصل على الدكتوراه من ألمانيا في هندسة المحركات عام 1956 وعمل أثناء دراسته هناك رئيسا لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وقد توصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات وحين عاد إلي بلاده كان أول ما عمله ولم يزل في عامه الثلاثين تأسيس مصنع "المحرك الفضي" هو ونحو ثلاثمائة من زملائه.
أنشأ أربكان عام 1970 بدعم من تحالف طريقته مع الحركة النورسية حزب "النظام الوطني" الذي كان أول تنظيم سياسي ذا هوية إسلامية تعرفه الدولة التركية الحديثة منذ زوال الخلافة عام 1924.
لكن صدر حكم بحل الحزب، فعاد سنة 1972 بتأسيس حزب جديد سماه "حزب السلامة الوطني" وأنشأ مجلة لهذا الحزب باسم "مللي غازيته".
اندمج "السلامة الوطني" مع حزب "الشعب الجمهوري".. وتولى أربكان منصب نائب رئيس الوزراء وشارك رئيس الحكومة (بولند أجاويد) في اتخاذ قرار التدخل في قبرص في نفس العام.
واعتبر من دافع عن مشاركة أربكان في الائتلاف الحكومي أنه حقق مكاسب كبيرة لتيار الإسلام السياسي من أهمها الاعتراف بالتيار وأهميته في الساحة السياسية إلى جانب مكاسب اعتبرت تنازلات مؤثرة من قبل حزب الشعب.
خلال وجوده في حكومة أجاويد، حاول أربكان فرض بعض قناعاته على القرار السياسي التركي، وحاول ضرب بعض من أخطر مراكز النفوذ الداعمة للنهج العلماني، فقدم بعد تشكيل الحكومة بقليل مشروع قرار للبرلمان بتحريم الماسونية في تركيا وإغلاق محافلها، وأسهم في تطوير العلاقات مع العالم العربي، وأظهر أكثر من موقف مؤيد صراحة للشعب الفلسطيني ومعاد لإسرائيل.
في عام 1980 قاد أربكان مظاهرة ضمت أكثر من نصف مليون تركي بمناسبة "يوم القدس العالمي" وهتفت المظاهرة بشعارات معادية لإسرائيل، وبعدها بيوم واحد وقع انقلاب عسكري مما أدى إلى سجن أربكان هو وعدد من رجاله.
أسس حزب "الرفاه" الإسلامي ودخل الانتخابات البرلمانية عام 1996م، حيث حصل على 185 مقعداً ليصبح أكبر حزب في تركيا، وترأس أربكان حكومة ائتلافية مع حزب "الطريق القويم" برئاسة تانسو تشيللر.
في عام 1998 تم حظر حزب الرفاه وأحيل أربكان إلى القضاء بتهم مختلفة منها انتهاك مواثيق علمانية الدولة، ومنع من مزاولة النشاط السياسي لخمس سنوات، لكن أربكان عاد ليؤسس حزبا جديدا باسم "الفضيلة" بزعامة أحد معاونيه وبدأ يديره من خلف الكواليس، لكن هذا الحزب تعرض للحظر أيضا في عام 2000.
ومن جديد عاد أربكان ليؤسس بعد انتهاء مدة الحظر في عام 2003 حزب "السعادة"، لكن خصومه من العلمانيين، تربصوا به ليجري اعتقاله، وحكم عليه بسنتين سجنا وكان يبلغ وقتها من العمر 77 عاما. وبعد خروجه من السجن حصل أربكان على حكم قضائي برئاسة الحزب.