أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

رِهان صبّاحي !

- د. عادل محمد عايش الأسطل

"حمدين عبد العاطي عبد المقصود صباحي"، 59 عاماً، سياسي مصري، رئيس سابق لحزب الكرامة، ورئيس تحرير الجريدة التي تحمل اسم الحزب، وعضو برلمان سابق ومرشح لرئاسة مصر في انتخابات 2012، التي أعقبت سقوط نظام "حسني مبارك"، وانتخابات الرئاسة المصرية المقبلة 2014.

فريق أول، "عبد الفتاح سعيد حسين السيسي"، وزير الدفاع والذي تمت ترقيته إلى درجة (مشير) في أعقاب قيامه بعزل الرئيس "محمد مرسي" وبإقصاء جماعة الإخوان المسلمين والسيطرة على الحكم خلال ما سمي بثورة 30 يونية، وصاحب خارطة الطريق، التي تم خلقها كأساسٍ جديدٍ لإدارة الحكم في مصر، عِوضاً عن سياسة الإخوان التي اعتبرت فاشلة لدى نطاقات واسعة من الشعب المصري.

باستثناء سنوات السن ألـ59، والترشح للرئاسة، فإنه لا تُوجد أيّة مشتركات أخرى بين الرجلين، لا على المستوى الشعبي كما هو حاصلٌ الآن- بحسب مصادر مؤيّدة -، ولا على المستويات الرسمية المؤسساتية في الدولة. فعلي الرغم من تألق "صبّاحي" خلال انتخابات 2012، وتميزه عن آخرين مرشحين، إلاّ أن علاقاته في هذه الأثناء، اتسمت بالجدل، وتضاءلت جداً في مقابل منافسه إلى سدة الحكم، لا سيما في ضوء تخلي الجميع عن مسألة الترشح وأبرزهم "مرتضى منصور" الذي كما يبدو اكتفائه برئاسة نادي (الزمالك الرياضي)، وسوء تقسيمه الصحيح بين بيئة 2012، والمناخ السائد الآن، والذي لا يبدو إلى حد الآن أنه يشعر به كما نحن. ولعله لا يزال يرى  نفسه (المرشح الكبير) الذى يرى الكرسي من فوق القمة، وبسبب ما يعتقد به بتحلّيهِ بأخلاق ديمقراطية، تضطره إلى مواصلة السباق حتى النهاية باسم مصلحة الوطن الأهم.

"صبّاحي" وعلى الرغم من تهرّبه من ذكر حتى اسم جماعة الإخوان المسلمين، وتأكيده على أن عودة الإخوان والحزب الوطني إلى الحياة السياسية كـ(عشم إبليس في الجنة)، ليس بسبب أنّه ساهم في نشاطات الثورة ضد "مبارك"، أو بسبب لعبه دوراً في إسقاط الرئيس "مرسي"، إلاّ أنّه يُراهن على إمكانية تلقيه الدعم الجماعة ابتداءً بحركة (إخوان بلا عنف) المنشقة عن الجماعة الأم- وإن كانت قليلة القدر، كمقدمة - وإن في خفاء- جذباً في إمالتها كشريحة مهمّة بشكلٍ عام، في ضوء أن آخرين يُعلقون ظنوناً تصل إلى اليقين في احتمال حدوث مثل هذه الإمالة، وذلك ترتيباً على لجوء الإخوان إلى خفض خطابهم، فيما يتعلق باستبدالهم بشأن الانتخابات المقبلة، شعار (سيادة الشعب) بدلاً من (عودة الشرعية) وإن بشكل تكتيكي، لكن الواقع على الأرض وفي الأجواء يدل بوضوح على أن الإخوان سيقاطعون الانتخابات، كما قاطعوا التصويت على الدستور الجديد في يناير الماضي، بحجة أنهم لا يعترفون بثورة 30 يونية، وبحجة أنها مهزلة ليس أكثر، وأن مشاركتهم في التصويت تعني اعترافهم بالنتيجة وبشرعية النظام، والأهم أنّه لا يغيب عنهم ظنّهم أنهم سيعودون إلى الحكم مرةً أخرى.

على عكس "المشير"، يُواجه "صبّاحي" حملات تشويه صاخبة وغاية في الجد والشدة، ليس من جهةٍ واحدة، بل من جهات متعددة وسواء كانت من ناحية الإخوان أو من ناحية جهات وحركات شعبية وإعلامية ورسمية في الدولة، من خلال تبيان مساوئه على الصعيد الشخصي، لا سيما فيما يتعلق بقضايا طالته – مثالاً- بشأن ما أُثير حول ابنته "سلمى صباحي" على الرغم من تبرئتها مؤخراً من قضايا نصب وفساد، أو لجوئه إلى المداهنة والتلوّن باتجاه الإخوان أو باتجاه جهات ليبرالية ويسارية أخرى.

كما أن "صباحي" يُعاني منذ ترشحه، من مشكلات كثيرة، تعمل بكفاءة على عرقلة مساعيه في مواصلة منافسته باتجاه الحكم، ومنها تصيّد الكثيرين ومن جهات متعددة، ما يعتقدون بأنها مخالفات وتعديات، تعرضه للحبس مثلما الحال في اتهامه بإهانة القوات المسلحة والتشكيك بنزاهتها، وهو ما يُعدّ – لديهم- خروجاً على القواعد والأعراف والقوانين السارية، وهناك بلاغات اتهام وصلت للتو للنائب العام، الأمر الذي يمكن أن تصل عقوبتها إلى الحبس في حال ثبوتها.

وفيما ادعى البعض، بأن "صباحي" استعدى مؤسسات الدولة، من خلال اقتحامه أمور كثيرة، وأهمها، الدعوة إلى إعادة هيكلة وزارة الداخلية، لا سيما وأن الإخوان، هم من دعوا إلى ذلك، فقد أكّد آخرون بأنّه لا يبتعد كثيراً عن خطى "مرسي" بشأن تلويحه في حال فوزه بالرئاسة، بالإفراج عن متهمين محبوسين، وهو ما يتطابق تمامًا مع حديث "مرسي"، في شأن الإفراج عن متهمين وخارجين عن القانون، إلى جانب أن تلويحه يُعتبر إهانة للقضاء المصري الذي أقر العقوبة.

كما أن برامج "صباحي" الاقتصادية، ليست جيدة وغير مستطابة، ولم تكن كافية لنهضة الاقتصاد المصري لدى خبراء الاقتصاد على الأقل، حين وصفهم لمشروعاته التنموية بأنها وهميّة وعبارة عن سراب.

كما لم يسلم من أجهزة الإعلام على اختلافها، حين واصلت شن الحرب الضروس ضده، منها ما هو في شأن القضايا المتعلقة بالدولة، باعتباره ليس كفؤاً للحكم. وما هو ساخر أيضاً، حيث تساءلت في شأن طلبه إجراء مناظرة مع منافسه "السيسي"، بأنّه لم يتقدم بمثل ذلك الطلب خلال انتخابات 2012، باتجاه مرشحين آخرين، علاوةً على أنّه لا يمتلك جديدًا ليقدّمه خلال المناظرة المقترحة، مؤكدةً أنّه يريد من وراء ذلك (شو إعلامي) لا أكثر من ذلك. فضلاً عن قيام آخرين من ذوي التأثير باتهامه، بأنه كاذب وأقواله حول عناوينه الانتخابية غير مواتية وليست جذّابة، واعتبروا أن البرامج المُذاعة والتي تزيد على 35 برنامجاً منحازاً له، لن تفيده في شيء.

إذا أدرنا الاسطوانة بالمقابل، فإن "السيسي" وعلى الرغم من عدم قيامه بنشر برنامج عمل رئاسي مكتوب، إلاّ أن هذه السابقة لم تُشكل أدنى عقبة أمامه نحو سدة الحكم، ومقبول جداً لدى العامّة منه ذلك، وهناك مؤيدون حتى على العميات، وإذا كان لديهم خوض "صباحي" لسباق على أنه مرشح الثورة، فـإن "السيسي" في نظرهم هو مرشح الشعب كلّه الذي هو بنفسه يصنع الثورة.

ولا شك، جاءت أهمية "السيسي" للترشح الرئاسي، وبهذه الشدة العجيبة، من عدة جهات، (شعبية ورسمية)، كون تميّز علاقاته لديها، بالبعد عن الجدل إلى حدٍ ما، ولنجاحه على اعتقادها، بتفريقه بين المصلحة الشخصية والمصلحة القومية.

كانت قوة "السيسي" بدأت من الجيش الذي كان يقف على رأسه، ونبعت من مؤسسات الدولة وتزايدت - كما القول- بمباركة شعبية باعتباره رجل المرحلة، وبأنه مرشح الشعب الذي يصنع الثورة، لا سيما وأن ترشحه للرئاسة، جاء على -حد قوله بنفسه-، احتراماً لرغبة الجماهير العريضة معتبراً إياها (تكليفاً والتزاماً) ليس إلّا.

منذ قيامه بالإطاحة بحكم الإخوان واتخاذه إجراءات صارمة ضدهم، ظهر "السيسي" كشخصية هبطت فجأة من السماء، وكأنه بطلاً في أعين الكثيرين من المصريين، لا سيما وأن ظواهر بدت غريبة وغير معتادة، غلبت بشدّة حتى الطقوس المتجاوِزة أو الغير تقليدية، خلال الأحاديث بشأنه كحالة نادرة، فعلاوةً على إحاطته بأشياء يصعب تقبّلها، مثل تشبيه بعض الإسلاميين له داخل مؤسسة الأزهر وخارجها، بأنه مُرسل أو نبي دون تعليق منه، فإن هناك المزيد من الطوائف الصوفية وأخرى أكّدت بأنه معجزة.

كما أن التأييد الجارف الذي حصل عليه داخل الأوساط القبطية وعلى اختلافها، والذي وصل إلى حد حمله على الأكف، باعتباره هو من أنجى الكنيسة من التهلكة وأنقذها من براثن الإسلام السياسي الرهيب، اضطرها إلى التغاضي عن ظاهرة تلقي رسائل مؤيّدة وداعمة على الهواتف المحمولة تقول: (الرب يسوع يدعوك لدعم السيسي)، وكان ذلك مقبولاً لدى كُبرائها، على الرغم من أنها دعوة (دينية) محظور التعامل بها، ليس في الدستور وحسب، بل لدى الكل، بمن فيهم أجهزة الإعلام، التي طالما انتقدت التيار الإسلامي ووجهت له نفس الاتهامات.

والختام لحزب النور السلفي، الذي أجمع منذ البداية وحتى اللحظة، على ضرورة دعمه بكل السبل والوسائل، برغم ما يُكابده من مشقة في الاستمرار على صفته ونهجه، نتيجة لما توصل له من استنتاجات مهمّة- ربما طلباً للنجاة-، تمحورت في تسعة أمور مُتاحة، بعد نقاشات طويلة ومعمقة والتي منها، أنه قاب قوسين أو أدنى من سدة الحكم، ولأنه الأجدر مدنياً والأقوى عسكرياً، باتجاه تحقيق مصالح الوطن الأكثر أهميّة، وأنه ذو مواقف وطنية وإسلامية ثابتة وعلى نحوٍ أكثر. وربما كانت هذه التخيلات هي المبنيّة على أقوال القائلين وتنبؤات المتصوفين بأنه نبيٌ مُرسل، والتي لا تدع مجالاً للشك بوجود ولو بارقة من فرصة يمكن لـ "صباحي أن يركن لها أو يُراهن عليها، وأن "السيسي" سيفوز بالرئاسة لا محالة. وإن كان لا بُد في هذا المقام من تخيُّل ما، يتصل بكل ما سبق، فهو ببساطة لا يدل أبداً على أننا نعيش في القرن ألـ 21.

خانيونس - فلسطين

Total time: 0.0497