أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الفرقاء في اليمن يتصالحون!!!

- ياسين التميمي

هل يشكل هذا أمراً خارقاً للعادة؟، الفرقاء في اليمن يتصالحون، لا أعتقد أن هذا يشكل أمراً فارقاً، فالتسوية السياسية قامت على أساس الوفاق والمصالحة بين الأطراف المتحاربة عام 2011، لكن لأن اليمن لم تكن في حسبان أحد، فقط مضى علي عبد الله صالح عفاش، في أجندة إعاقة الوفاق والتسوية، وبناء تحالفات جديدة من خارج الوفاق السياسي، فكان تحالفه مع الحوثيين إيذاناً بإدخال البلاد في نفق مظلم حقاُ، حيث وُضعت كل إمكانيات الدولة في يد الجماعة الحوثية المسلحة: الأجهزة الحكومية والمعدات العسكرية وقطيع المرتزقة، وكل شيء تقريباً يمكن استخدامه في التخريب.

 

والتحالف ازداد عنفواناً مع القاعدة المهجنة، ومع قطيع التخريب، مما جعل النظام الانتقالي أمام تحديات كبيرة، زاد من تأثيرها الغطاء الإقليمي الخارجي لهذه الأنشطة التدميرية الممنهجة لعملية التسوية ولكل الفرص الممكنة للانتقال إلى مرحلة الدولة الاتحادية.

 

واجه مؤتمر الحوار الوطني تحديات خطيرة استهدفت إعاقته، وكانت هذه التحديات متعددة الأوجه لكنها ارتبطت بـ"أجندة" واحدة داخلية وخارجية هدفها الأساس هو تعطيل التسوية. لكن يبدو أن الرئيس هادي استطاع أن يتعامل مع هذه التحديات ويتجاوزها بفعل الإسناد الخارجي القوي، وهو الإسناد الذي جعل القوى المعطلة تتحاشى التورط بعيد المدى في التعطيل، رغم أن لديها ضوءً أخضر خارجي أيضاً.

 

هذا الأمر يمكن تفسيره مثلاً في صدور قرار مجلس الأمن رقم (2145) بشأن معيقي التسوية، والذي عكس إرادة دولية في إنجاح التسوية، ولكن بالحد الأدنى من العقوبات، وهذا الأمر أيضاً أظهر الحالة النادرة من التعايش بين إرادتين خارجيتين تؤثران في الشأن الداخلي لليمن، وكل إرادة تتفهم مصالح الإرادة الأخرى ليقينها أن المؤثرين الداخليين، يمكن أن يلعبوا على أكثر من حبل ويمكن أن يتلقوا المنح من أكثر من صندوق تمويل.

 

أعتقد أن لقاء علي عفاش مع اللواء علي محسن تحت رعاية الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي، وفي جامع الصالح، لا يؤشر إلا إلى أن الوساطة السعودية قد نجحت أخيراً في لملمة مراكز القوى المؤثرة التي ارتبطت خلال الـ3 العقود الماضية بعلاقات طيبة مع الرياض.

 

لكن بوسع المرء توقع النتائج المباشرة لهذه المصالحة ولأهدافها المحتملة، هل هي لمواجهة خطر التمدد الحوثي الذي لم يكن ليتم أصلاً بدون إسناد أحد أطراف هذا التصالح الطارئ ، أم لإقصاء قوى الثورة والتغيير، أم لمواجهة الترتيبات التي يُجريها الرئيس هادي نفسه؟

 

خلال الفترة الماضية، كانت كل جهود التعطيل تستهدف بشكل مباشر الرئيس الانتقالي نفسه والقوى السياسي المساندة للثورة وفي مقدمتها التجمع اليمني للإصلاح. وقد سرت شائعات حول جهوده الحثيثة لنقل الأسلحة إلى الجنوب، وإلى إدارة اصراع العسكري بين النخب العسكرية والقبلية الشمالية، وهي الاتهامات التي يُعيد لقاء التصالح في الجامع، الاعتبار للرئيس هادي، ويحرره من تبعاتها ولو إلى حين.

 

على الرغم من أن اتفاق المبادرة الخليجية كان قد لقي رفضاً من القوى الثورية إلا أن الجميع كان قد انصاع في نهاية للاتفاق ومضى في إنفاذه ولم يقف حجر عثرة أمامه في السر والعلن سوى الرئيس السابق وحلفاؤه القبليين والحوثيين والحراكيين، واليوم لا أحد سيقف أمام فكرة التصالح، لكن يجب أن يكون هذا التصالح جزءاً من إعادة لململة كافة الأطراف الأساسية التي وقعت على اتفاق المبادرة الخليجية وتلك التي لم توقع عليها مثل الحوثيين لحملها على مواصلة تنفيذ اتفاق المبادرة وآليته التنفيذية وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني وصولاً إلى مرحلة الدولة الاتحادية المنشودة.

 

إن أي اتفاق يقوم على مبدأ الإقصاء السياسي، لطرف سياسي في الساحة اليمنية سوف يُبقي المجال مفتوحاً لصراعات طويلة الأجل، فإذا افترضنا أن (اتفاق الجامع) سيتجه نحو تكريس الصراع بين قوتين أساسيتين هما الإصلاح والجماعة الحوثية المسلحة، فإن ساحة المواجهة المثالية المحتملة لن تقتصر على محافظة الجوف فقط، ولكنها ستمتد إلى العاصمة صنعاء. أخذاً في الاعتبار أن الأطراف التي تصالحت في الجامع لديها من النوايا السيئة أكثر مما لديها من النوازع الخيرة، ومصالحها الذاتية مقدمة على مصالح الوطن.

 

عرفنا ذلك من خلال أدائها السياسي والعسكري والأمني خلال فترة هيمنتها على البلاد لأكثر من 33 سنة، والذي كان في مجمله أداء سيئاً ولا وطنياً بل ومثقلاً بالالتزام لمصالح الخارج أكثر بكثير من الالتزام لمصالح الداخل التي اختزلت في مصالح الطبقة الحاكمة وهي مصالح لا علاقة للوطن والمواطنين بها.

 

آمل أن يكون اتفاق الجامع إيذاناً بنهاية الأحداث الدراماتيكية، التي تلبست بلبوس التآمر والخيانة وراحت ضحيتها وحدات عسكرية وأمنية، وقادة شجعان، وأُهينت فيها كرامة الدولة تماماً مثلما أهينت في عهد عفاش وأكثر

Total time: 0.0352