استغرب من أولئك الناس الذين يدقون طبول الحرب في صنعاء العاصمة التاريخية والسياسية للجمهورية اليمنية حسب تسجيلها في منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو للثقافة والأدب والعلوم , وجه استغرابي لا يقع على عامة الناس والبسطاء من مرتادي مواقع الانترانت ومواقع التواصل الاجتماعي من الفيس بوك إلى تويتر إلى الواتساب ألخ .. , إنما يقع وجه استغرابي من أولئك الإعلاميين والصحفيين ومن يحملون ألقابا اجتماعية اعتبارية كالمشايخ والأعيان وأئمة العلم والأدب ورواد الثقافة , وبعض القادة العسكريين والمدنيين , عندما يزينون حوائط مواقعهم الشخصية بعبارات وكلمات ومفردات أعدها إرهابية , فاحد المشايخ مثلا كتب عبارة (عاجل وخطير : الحرب تدق أبواب صنعاء فعلى الجميع الاستعداد , ثم يذيل اسمه المشيخي أسفل المنشور بفخر واعتزاز) فأين المسؤولية الاجتماعية والقبلية التي يحملها هذا الإنسان ليحظى بلقب رفيع الخلق والأمانة والثقة التي وضعها مجتمعة المحلي للقيادة وفقا لأصول النخوة والحمية والأخلاق القبلية.
شخص أخر يكتب على حائطه (الخروج عن الإجماع الوطني خروج عن الجماعة) ومثل هذا العنوان يحوي على وعيد , يا أخواتي نحن مخلفين على مسالة ولابد من البحث عن القواسم المشتركة أولا , ثم نحاول عن طريق القواسم أن نخطو فوق ما نختلف عليه لنتوصل إلى حل أو حلول ممكنة ,فالمتربصين كثر.
أرى أن الفكر الفودوي سائد في مجتمعنا , ويعتبر العاصمة صنعاء مغنم لكل ذي ناب ومخلب , وان أهل صنعاء وسكانها ضعفاء لا يملكون الحيلة والوسيلة للدفاع عن أنفسهم , وهذا صحيح ولكن ذلك عندما كانت صنعاء محصورة جغرافيا من باب شعوب إلى باب اليمن , وصنعاء اليوم ممتدة من حواف جبل نقم إلى أطراف جبل النبي شعيب , ومن بني الحارث إلى حدة وحزيز , وبين هذه الجغرافيا الواسعة تشابكت العروق واختلطت الدماء وانصهرت الأنساب والأصهار , وأصبح سكان صنعاء عبارة شبكة عنكبوتيه من جميع محافظات الجمهورية اليمنية بمعنى شعبي أدق (بزي وخال وصهر ونسب) , والأغلب يمتلك عقارا أو أرضا أو مشروعا أو استثمارا أو وديعة أو أي مصلحة كانت أو مشارك في احدها أو فيها جميعا , بكل حال الذين يطبلون للحرب في صنعاء يبحثون عن ناقة أو جمل ولا مصلحة لهم مع أصحاب الجرعة ولا مع الرافضين الجرعة, ومع هذه المعطيات لم تعد صنعاء مدينة تاريخية وفقا لتصنيف اليونسكو فحسب , بل أصبحت مدينة مجتمعية عالمية بمفهومها المحلي متعدد الأنساب العربية الأصيلة.
هناك ناحية مادية تحكم أي حرب قد تنشب في العاصمة صنعاء الكبرى خاصة واليمن عموما , فإذا ما قارنها بالعاصمتين بغداد ودمشق اللتين قد تحتملين عشرات السنيين من الحروب لا قدر الله , لأسباب منها أن بغداد العروبة يجري فيها 38 نهر أهمها دجلة والفرات والنهر العظيم ناهيك عن البحيرات المائية والوديان والبساتين وبها من الزروع والثمار ما يسد الرمق ,وارض الرافدين مزروعة بنحو 35 مليون نخلة بمعدل نخلتين لكل مواطن , يستطيع أن يعيش عليها ويقاوم عشرات السنيين , كذلك هي دمشق حاضرة الشام التي تمر بها 21 نهر وعدة روافد من الأنهر الطبيعية أهمها نهري الفرات واليرموك والعاصي والخابور , إضافة لكون سوريا بلد مكتفي ذاتيا من حيث الزراعة والصناعة ويبلغ أطولها الفرات 610 كلم واقصرها نهر السن 6 كلم من المياه الجارية.
أما في صنعاء العاصمة فلا نهر جاري ولا حتى شجرة واحدة مثمرة , وكذلك هي عموم اليمن لا نهر جاري ولا غله مدخرة , وأي قتال أو حرب ستشتعل في العاصمة صنعاء وعموم اليمن لن تدوم أكثر من أسبوع للأسباب الموضوعية التي ذكرناها , ولن يكون لا ربح ولا خاسر في مثل هذه الحرب المفتعلة إذا ما نشبت , فليست صنعاء دمشق ولا هي بغداد وليست اليمن على بحر من النفط كالعراق والخليج , فلا تقرع طبول حرب في أرض لا ماء فيها ولا زرع يا ولي الامر.
أما إخواننا الجنوبيين الذين تفوح من تعليقاتهم روائح السخرية في مواقع الانترانت , الناتجة عما لحق بهم من ظلم في زمن ما , لم يكن من إخوتهم الشماليين المواطنين , ولكنة من المسئولين الشماليين الذين لولا مساعدة المسئولين الجنوبيين ما وقع الظلم عليهم , كما أن الأراضي الجنوبية التي تحتوي على النفط لن تعطيهم الأمن والاستقرار من الغرب الطامع بالنفط , فلو كان ذلك منطقيا لكانت العراق وليبيا اليوم أهدأ منطقة في العالم لما تحتويه من نفط وثروات طبيعية , ولن يكون الجنوب اليمني أغلى من العراق وليبيا ودول الخليج العربي , وسيلحق التقسيم والخراب الجميع.
لا تدق طبول الحرب في ارض لا ماء فيها ولا زرع
اخبار الساعة - اكرم الثلايا