أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

صعوبة حكم الحوثيون لليمن

- عبد الناصر المودع

في 21 سبتمبر سيطرت الحركة الحوثية على معظم المراكز الحيوية في العاصمة اليمنية صنعاء بعد معارك محدودة مع بعض الوحدات العسكرية المحسوبة على الجيش، والمدعومة من قوى سياسية وقبلية. ورغم أن الحركة أصبحت الطرف المهيمن على صنعاء إلا أنها لازالت بعيدة جدا عن حكم اليمن، ويرجع ذلك إلى عوائق ذاتية وموضوعية تحول دون تمكن الحركة من حكم اليمن، أو حتى الهيمنة على الحياة السياسية كحالة حزب الله في لبنان.

 

وأهم عائق يحول دون ذلك؛ يرجع إلى طبيعة الحركة، وظروف نشأتها، والتاريخ السياسي الذي ترمز له. فمن خلال التمعن في طبيعة الحركة نجد أنها عبارة عن حركة دينية أصولية تقوم على فكرة إحياء المذهب الزيدي (أحد المذاهب الشيعية) عبر التحشيد المذهبي، واستخدام القوة، أو التهديد باستخدامها. وهذه الصفة تجعل الحركة، وفق علم السياسة، أكثر شبها بالحركات الشمولية التي يجعلها لا تقبل التعدد أو العمل في ظل نظام ديمقراطي.

 

وطبيعة الحركة هو مصدر قوتها وضعفها في نفس الوقت. ومصدر القوة يأتي من خلال مركزية القيادة، وصرامة التنظيم، والبنية العسكرية، وشدة الولاء. وهذه الصفات تمنح الحركة ميزات نسبية مقارنة بوضع القوى الأخرى الفاعلة في المشهد اليمني، بما في ذلك الحكومة اليمنية، باستثناء تنظيم القاعدة الذي يشبه الحركة الحوثية في معظم صفاتها.

 

أما مصدر ضعف الحركة الناتج عن طبيعتها، فيرجع إلى محدودية الأتباع، الفعليين أو المحتملين، وإلى طابعها الشمولي الذي يخلق لها الأعداء بشكل دائم، وهو العداء الذي يأخذ شكل العلاقة الطردية؛ فكلما زادت قوة الحركة كلما استثارت خصوم أكثر في داخل اليمن وخارجها.

 

 وبالنظر إلى حجم الأتباع الفعليين والمحتملين للحركة الحوثية نجد أن هؤلاء ينحصرون في من لازال يتبع المذهب الزيدي؛ وهؤلاء لا يزيدون عن 10% من إجمالي السكان، فأغلبية الكتلة الزيدية التاريخية، والتي يمكن تقدير حجمها بربع سكان اليمن، تحولت إلى المذهب السني خلال الخمسين عاما الماضية، كما أن هذه الكتلة تتمركز في منطقة جغرافية محددة لا تزيد مساحتها عن 7% من مساحة الدولة (محافظات: صعدة ، عمران ، صنعاء وأجزاء من محافظات: ذمار ، حجة ، المحويت)       

 

إلى جانب ذلك؛ يمثل الطابع العسكري والشمولية السياسية نقاط ضعف الحركة الحوثية، فهي بهذه الصفات لا تستطيع أن تتحول إلى حزب سياسي يقبل التعدد والمشاركة السياسية مع القوى الأخرى. وهذا الأمر يجعل الحركة في الضد من جميع القوى السياسية، وكذلك الحكومة المركزية؛ فكل هؤلاء، إن عاجلا أم آجلا، سيجدون أنفسهم في حالة صراع وجودي مع الحركة. ومحصلة هذه المعادلة الصفرية هي تلازم العنف والفوضى، طالما بقيت الحركة الحوثية، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على التعايش السلمي مع بقية القوى.

 

وهذه الصفة لا تنفرد بها الحركة الحوثية، فبنية الحركات الشمولية تجعلها بين خيارين أما الاستفراد بالحكم وإلغاء الآخرين عن طريق القسر، أو الدخول في حروب دائمة مع الحكومات المركزية والقوى السياسية الأخرى في حال لم تتوفر لها شروط السيطرة على الحكم والاستفراد به.

 

وشروط قيام نظام شمولي في اليمن أمر يستحيل تحقيقه في ظروف اليمن الحالية، فنظام من هذا النوع يتطلب ثلاثة شروط رئيسية هي: دعم شعبي من كل أو معظم المكونات السكانية والمناطق الجغرافية، وموارد مالية ضخمة، ونظام إقليمي ودولي حاضن. وهذه العناصر غير متوفرة، ولا يتوقع توفرها في المستقبل.

 

فالدعم الشعبي للحركة الحوثية ينحصر في الأقلية الزيدية، كما سبقت الإشارة، وهذه الأقلية لا يمكنها أن تنشئ نظام شمولي في اليمن. فخلال التاريخ لم يحدث أن أٌنشئ نظام شمولي بالاستناد إلى دعم أقلية صغيرة، فالنظم الشمولية؛ لا تتمكن من السيطرة على الحكم إلا بمشروع ذو صبغة وطنية يحوز على قبول، ولو محدود، من كل أو معظم مكونات المجتمع العرقية والدينية والجغرافية. فعلى سبيل المثال حين سيطر نظامي البعث على حكم سوريا والعراق، تم لها ذلك؛ عبر أعضائها اللذين كانوا ينتمون إلى أغلب مكونات الشعبين السوري والعراقي، وحتى بعد أن أصبح هاذين النظامين يخضعان بشكل عملي لسيطرة أقليات (العلويين في سوريا، والسنة في العراق) إلا أنهما ظلا يدعيان بأنهما يحملان مشروعا وطنيا.

 

وبقراءة عميقة لطبيعة الحركة الحوثية فإنها لا يمكن أن تخرج من حيزها المذهبي، وتصبح مشروع وطني حتى لو حاولت ذلك، فتحول من هذا النوع تعترضه موانع ذاتية وموضوعية، فالحركة لم تصبح على ما هي عليه إلا بكونها حركة مذهبية سلالية، ولو افترضنا أن قادة الحركة قاموا بإحداث تغيير جوهري في إيديولوجية الحركة، وبنيتها السياسية، وتخلوا عن السلاح - كما يطالبها الكثيرون -  فإنها ستتفكك من داخلها، حين تتشقق نواتها الأصلية (الهاشميين، وأتباع المذهب الزيدي، وحاملي السلاح) ومن ثم فإن حدوث هذا الأمر لن يكون إلا بمثابة إعلان بحل الحركة وتحولها إلى كيان أخر. إلى جانب ذلك؛ فإن خصوم الحركة لن يصدقوا ولن يتقبلوا الحركة على غير ما هي عليه، وتحديدا أولائك الذين جرت بينهم وبين الحركة معارك ودماء.   

 

أما الموارد المالية فإنها غير متوفرة لتدعم الحركة في تأسيس نظام شمولي،  فاليمن من أفقر دول العالم، وموارده الذاتية أبعد ما تكون كافية لتلبية مطالب مثل هكذا نظام، فهذه الموارد لا توفر إلا جزء من احتياجات النظام السياسي الحالي لليمن، والذي يتصف بالضعف والهشاشة، فيما الجزء الباقي يتم توفيره من المساعدات الخارجية.

 

والدعم المالي الخارجي المتوقع حصوله من إيران (الدولة الحليفة للحوثيين) لن يكون كافيا لتمويل نظام شمولي في دولة بحجم وطبيعة اليمن، فقدرات إيران المالية لن تكون كافية لتمويل مثل هكذا نظام، كما أنها لن تكون كافية لتجاري قدرات خصومها الإقليميين والدوليين، واللذين سيحولون دون تمكن الحوثيين من تأسيس نظام شمولي في اليمن.

 

أما العنصر الثالث المطلوب لقيام نظام شمولي في اليمن والمتمثل بالنظام الإقليمي والدولي الحاضن، فإنه غير متوفر في المناخ الإقليمي والدولي السائد، فمعظم النظم الشمولية انهارت، بعد انتهاء الحرب الباردة، ويواجه ما تبقى منها الرفض الشعبي في الداخل والحصار والتضييق من الخارج.

 

ومن العوائق الأخرى التي تحول دون سيطرة الحركة الحوثية وحكمها لليمن، قوة خصومها، الفعليين والمحتملين، فهؤلاء بحكم أنهم يشكلون الغالبية الساحقة من سكان اليمن، فإنهم لن يقبلوا بالخضوع لسيطرة الحوثيون، على الأقل في المدى المتوسط والبعيد. ولهذا فأن من المحتمل أن تتشكل أكثر من جبهة لمواجهة الحوثيين، وسيتم استخدام الرفض المذهبي والجهوي والسياسي  كوقود ضرورية لتغذية هذه المواجهة.

 

وعلى الرغم من أنه يصعب في الوقت الحالي تحديد ملامح المواجهة والصراع بين الحوثيين وخصومهم، والأطراف الداخلية والخارجية التي ستشترك فيه، والنتائج الذي ستسفر عنه، إلا أن من الممكن التكهن بأن المرحلة القريبة القادمة ستشهد صراعاً بين الحوثيين وتنظيم القاعدة. فهذا التنظيم يُعتبر أكثر الأطراف الجاهزة والراغبة في الصراع مع الحوثيين، وسيقوم هذا التنظيم باستغلال حالة السخط الشعبي الناتجة عن سيطرة الحوثيين على صنعاء، في الحشد والتجييش ضدهم، وسيكون العنف، وربما العنف الأعمى، هو الوسيلة المتوقعة في مثل هكذا مواجهات.

 

إلى جانب ذلك؛ فإن من المتوقع أن تظهر حركات رفض جهوية، وتحديدا في الجنوب، والمناطق السنية في الشمال، قد تتخذ بعضها طابع المقاومة العسكرية والسياسية والفكرية وربما الاقتصادية لمواجهة تمدد الحركة الحوثية. إلا أن هذه الجبهات قد تتأخر ولا تظهر في المستقبل المنظور، وسيعتمد ظهورها على ما سيحدث على الأرض.

 

يضاف إلى هؤلاء؛ فإن من المحتمل أن تتشكل جبهة عسكرية / سياسية من بعض القادة العسكريين وبغطاء سياسي ما، وربما بدعم خارجي لمواجهة الحركة الحوثية. وفي حال حدوث هذا الأمر، فإن هذه الجبهة تبقى هي الخيار الأفضل في مواجهة الحركة الحوثية، كونها تحمل طابعا وطنيا؛ الأمر الذي يجعلها تحول دون انزلاق اليمن نحو التشرذم والفوضى، وهو الأمر المحتمل في حال اقتصر الصراع بين الحوثيين وخصومهم على القاعدة وبعض القوى السياسي والدينية والمكونات الجهوية.

 

وقبل أن نختم هذا المقال يجب أن لا نغفل العامل الخارجي والذي سيكون له الأثر الحاسم في منع الحركة الحوثية من حكم اليمن، وفي هذا الشأن نشير إلى المملكة السعودية، والتي هي الطرف الخارجي الذي يمتلك أكبر مصادر القوة والنفوذ في اليمن. فالاقتصاد اليمني معرض للاختناق في حال تعطلت أو توقفت الرئة السعودية الذي تمده بالكثير من الأكسجين (هناك أكثر من 1.5 مليون مغترب يمني في السعودية، والحكومة السعودية هي أكثر داعم للحكومة اليمنية، وأكثر من مرة منعت الحكومة السعودية الاقتصاد اليمني من الانهيار) ومن الصعوبة بمكان أن يتمكن الحوثيون من الحكم دون دعم سعودي، فكيف في حال كان هناك حصار اقتصادي سعودي، فإيران، إضافة إلى أن إمكاناتها لا تسمح بأن تقوم بتعويض الدعم السعودي، فإن الجغرافيا تحول دون قيامها بذلك إن أرادات وكانت قادرة.

 

إضافة إلى كل ذلك؛ فإن قيام السعودية برعاية أي جبهة، أو جبهات، معارضة للحوثيين، وهو أمر متوقع وطبيعي، فإن هذه الرعاية من شأنها أن تقلب موازين القوى وتخلق أوضاع جديدة على الأرض لا تحرم الحوثيين من فرصة حكم اليمن فقط بل قد تصل حد تحجيمها وربما سحقها.

 

يضاف إلى كل ذلك؛ فإن اليمن ومنذ 2011 يعيش تحت ما يشبه الوصاية الدولية، بموجب قرارات مجلس الأمن، ولكون الأمر كذلك فإن المجتمع الدولي، وتحديدا الدول الكبرى سترفض أي سيطرة للحوثيين على الحكم، أو حتى هيمنة على العملية السياسية التي يرعاها مجلس الأمن وهذه الدول.

 

في المستقبل المنظور قد يحرز الحوثيون مكاسب جديدة على المستوى الجغرافي، من خلال التوسع باتجاه غرب و شرق وجنوب صنعاء، إلا أن هذا التمدد له مدى وسقف لا يمكن تجاوزه. فيما التمدد السياسي، والذي يعد الأخطر، والذي يتم الآن عبر الاستيلاء على المرافق الحساسة في الدولة، سيكون دون أفق وغير مضمون، إلا أنه سيعقد المشهد ويرفع من كلفة تحجيم الحوثيين، وهزيمتهم مستقبلا.

 

قد يسجل التاريخ بأن سيطرة الحوثيين السهلة على صنعاء لم تكن سوى لعنة ووبال عليهم، فهذه السيطرة لا تملك مقومات حقيقية للديمومة أو البناء عليها، وهي ليست سوى مغامرة غير محسوبة النتائج. ولهذا فإن على عبدالملك الحوثي أن يقلق أكثر على مستقبله ومستقبل حركته بعد هذه السيطرة.

Total time: 0.0361