قال مراقبون تحدثوا إلى "العربية.نت" إن إيران تحاول استغلال التوتر في
البحرين لتسجيل موقف سياسي يستند إلى رغبتها في تحقيق مصالحها بالمنطقة
العربية وتعزيز نفوذها في الخليج تحديداً، وأن الإعلام الإيراني يمارس
دوراً تحريضيا طائفياً.
وأوضح نجاح محمد علي، رئيس تحرير الشؤون الإيرانية في قناة "العربية"، أن
"إيران تسعى منذ أزمة الانتخابات الرئاسية التي اندلعت في يونيو/ حزيران
2009 إلى ترحيل تداعياتها للخارج. وفي ضوء ما تشهده المنطقة من ثورات
شعبية، أجد أن إيران تستفيد بقوة من هذه التطورات لصالح تعزيز نفوذها في
المنطقة، وتعتبر البحرين من مناطق النفوذ الإيرانية، والبوابة الهامة
لتنفيذ مشروعها في تصدير الثورة".
ويضيف أن "إيران مستفيدة من أي
تصعيد، ويجب الاعتراف أن ما يجري في المنطقة يعزز موقعها، ويوسع نفوذها.
والإعلام الإيراني الرسمي يمارس دوراً تحريضياً، ويرفع شعار (الصحوة
الإسلامية) بما يخيف دول الإقليم، ويجهض مطالب المحتجين البحرينيين العادلة
والمشروعة".
واستطرد "هناك فقرة في دستور الجمهورية الإسلامية تنص على دعم إيران
للحركات الثورية وحركات المستضعفين، وعموم المرجعيات الدينية طالبت بالتدخل
الإيراني لصالح الشيعة في البحرين".
ويرى عدنان سلمان، رئيس المكتب السياسي لحزب التضامن الديمقراطي الأهوازي،
أن إيران تحاول أن تعطي صبغة طائفة لما يحدث في البحرين من أجل تصدير
الثورة إلى بلدان العالم، خصوصاً دول الخليج ومنها البحرين تحديداً، على
اعتبار أن الأكثرية هناك شيعية".
ويقول إن "النظام الإيراني يضرب على الوتر الطائفي، وينطلق من أبعاد فارسية
غير عربية"، واصفاً ذلك بأنه "تشيع صفوي وشوفينية فارسية"، مضيفاً أن
"للنظام الإيراني نظرة للبحرين على أنه جزء من إيران (جغرافياً)، وهذا ما
تتداوله الكثير من ألسنة القادة الإيرانيين".
ويؤكد سلمان على "تمكن إيران من شراء ذمم بعض الناس من منطلقات طائفية، وهي
تسعى للاستفادة من أي تحرك شعبي إصلاحي في هذا البلد للتأثير على الأشخاص
المرتبطين بها من الناحية المذهبية، رغم أن غالبية البحرينيين من الشيعة
يؤيدون السيستاني وليس خامنئي"، مشيراً إلى أن "وحدة المذهب لا تعطي مبرراً
للتدخل، وأن الولاء الوطني أهم من الطائفية".
في المقابل، رفض أمير موسوي، خبير الشؤون الاستراتيجية والتسليح الإيراني،
وصف التصريحات الإيرانية بشأن أزمة البحرين بأنها "تدخل"، وقال إنها "سوء
تفاهم بين دول الخليج وإيران"، لافتاً إلى أن هناك من يريد أن "يثير الشكوك
والظنون" بشأن الموقف الإيراني بهذا الخصوص، ويستخدمه باعتباره "شماعة".
ويضيف أن ما حصل في البحرين هو تصد لـ"مواجهات سلمية"، وأن إيران "غير
مستفيدة من زعزعة الأوضاع هناك"، موضحاً أن إيران أعلنت موقفها الداعم لكل
الثورات في المنطقة، ومساندتها الحوار البناء لإنهاء الأزمة في البحرين،
مستهجناً في الوقت نفسه كيف يُحسب ذلك على أنه تدخل في الشؤون الداخلية
للدول العربية.
واستغرب موسوي من تحسس المسؤولين العرب من تصريحات قادة طهران بشأن دعم
الأخيرة للثورات في العالم العربي، واعتبارها تدخلاً في شؤونها، مستذكراً
في هذا الإطار خطبة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي والتي دعم
فيها الثورة المصرية، إلا أنها جوبهت بسيل من الانتقادات من مسؤولين
مصريين.
الدعوة للحوار وسط أزمة
ويؤيد عدنان سلمان دعوة ملك
البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى الحوار مع قادة الشيعة في البلاد، واصفاً
هذه المبادرة بأنها "إيجابية جداً". وقال إن "الحركة الإصلاحية للملك أعطت
مجالاً واسعاً لقوى المعارضة كي تساهم في تأسيس مجتمع مدني، وأن تسعى
المعارضة من أجل الإصلاحات من باب الحوار".
وأشار إلى أن واقع الحال في مملكة البحرين يختلف عن مثيله في بقية الدول
الخليجية، "فهي ليست قوية اقتصادياً، وهناك بطالة واحتياجات للناس، لكن لا
يعني ذلك أن نعطي لمثل هذه المطالب طابعاً طائفياً، كما تريد إيران
دائماً".
وقال إن دول الخليج تتحلى بـ"مرونة كبيرة وسعة صدر" في التعامل مع إيران،
"إلا أن الأخيرة هي من تسعى دائماً إلى خلق توتر قد لا يحمد عقباه".
ويتفق موسوي مع سلمان على ضرورة معالجة الأزمة عبر طاولة الحوار، ويقول إن
"إيران مستعدة لأن تحل الأمور عبر الحوار"، لكن بشرط "الابتعاد عن
المعالجات الأمنية".
وأضاف "إنهم جزء من شعب البحرين، ولا بد من التعامل معهم بشكل سلمي،
واختلاف مذهبهم (عن مذهب الطبقة الحاكمة السنية) لا يعني استباحة دمائهم،
فلهم حقوق وطنية، والحوار هو الطريقة الوحيدة لحل مثل هذه المشكلات".
في حين توقع محمد علي أن تستأنف السلطات البحرينية الدعوة إلى الحوار مع
المعارضة بعد فرض قبضتها الأمنية على البلاد، وتخفيف حدة التوتر مع إيران،
مستدركاً "أن طهران تواجه ضغوطاً داخلية من العقائديين ومن مراجع الدين
لاتخاذ موقف لصالح الشيعة في البحرين"، مشيراً في هذا الإطار إلى دعوة موقع
إيراني اسمه "رحيل" ويحمل ترخيصاً حكومياً لـ"الجهاد الاستشهادي" في
البحرين.
تحريك "درع الجزيرة"
وفيما يتعلق بدخول قوات من
مجلس التعاون الخليجي المعروفة بـ"درع الجزيرة" إلى البحرين في الرابع عشر
من مارس/ آذار الجاري للمساعدة في حفظ النظام، يقول سلمان "إن ذلك تم وفقاً
لاتفاقية الدفاع المشترك بين دول الخليج".
إلا أن موسوي يؤكد على أن الاتفاقية التي وقعت في المنامة وتم بموجبها
إنشاء قوات الدرع في نوفمبر/ تشرين الثاني 1982 تنص على أن "التدخل يكون
إذا تعرضت أحد بلدان مجلس التعاون لهجوم أجنبي"، قائلاً إنه "لا داعي
للتدخل لقمع احتجاجات داخلية، وإلا فليصححوا نص الاتفاقية، حينها يكون
استعمال قوات درع الجزيرة مبرراً".
وفي الإطار ذاته، يوضح محمد علي أن معارضة إيران لإرسال قوة درع الجزيرة
للبحرين استند إلى توقعها بأن يحقق المحتجون الكثير من أهدافهم، بما يضعف
نظام البلاد، ويعزز نفوذها الإقليمي، رغم أن القوى البحرينية المختلفة لا
ترتبط بإيران كما كانت في بدايات الثورة الإسلامية عام 1979.
ويستطرد قائلاً "إن تبادل طرد الدبلوماسيين بين المنامة وطهران مؤخراً،
يزيد من توتر المنطقة ويقربها أكثر فأكثر من حافة الانفجار وسط دعوات من
رموز دينية في الحوزة، وقيادات بارزة في الحرس الثوري بأن تتدخل إيران
عسكرياً في البحرين، والدخول في مواجهة مع قوة درع الجزيرة، وربما مع
الأسطول الخامس الأمريكي"، الذي يتخذ من البحرين مقراً له.
صراع بالوكالة
ويرى موسوي أن هناك جهوداً دبلوماسية تهدف إلى "ترطيب الأجواء" بين إيران والسعودية، "وأن إيران ترغب في مد جسور التعاون، وليس من صالح دول المنطقة النزوع إلى صراعات، ولا بد من تحكيم العقل والمنطق، وألا نسمح لأجندة غربية في التدخل بين الجانبين"، على حد تعبيره