تتابعت حالات نقل - فيما يشبه "التهريب" كما تصف مصادر يمنية - الأموال بكميات كبيرة من العاصمة صنعاء إلى الجنوب في عدن، لتعلن يوم الأربعاء لجان أنصار الله لوكالة "خبر" عن إحباط تهريب أكثر من 15 مليار ريال عبر القاعدة العسكرية الجوية. الأمر الذي عزز من شكوك سابقة إزاء سلوك رئاسي يكرس "إفقار" الخزينة العامة في العاصمة المركزية ويؤسس لحالة ازدواج بتأسيس مركز سياسي ومالي في الجنوب خصماً من رصيد العاصمة المركزية.
مراقبون كانوا اعتبروا في تقرير سابق نشرته "خبر"، أن الخطوات تعبر عن انجراف صريح ومتسارع نحو "انفصال" مجدول. صحيفة يمنية، يومية (الشارع)، نشرت مؤخراً، الأحد، تقريراً موسعاً بالإجراءات المالية التي أقرها ويجريها الرئيس هادي باتجاه "تأسيس بنك مركزي خاص به في عدن".
كاشفة النقاب عن توجيهات رئاسية بتجهيز ميزانية خاصة بأربع محافظات جنوبية على الأقل لستة أشهر قادمة. وتبعتها يومية (أخبار اليوم)، الثلاثاء، التي انفردت بالكشف عن قيام نجل الرئيس اليمني بنقل 15 حقيبة من العملة الصعبة بالاتفاق مع الحوثيين إلى عدن.
وتسود حالة من الضبابية في المشهد السياسي القائم في اليمن، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى محاولات يبذلها الرئيس عبدربه منصور هادي من أجل التخلص من الحصار الذي تفرضه عليه جماعة أنصار الله، المعروفون بـ"الحوثيين"، فيما يرى مراقبون أن البلد يتجه نحو الفيدرالية، وأن هادي يحث خطواته فعلياً نحو الترتيب للانفصال وإعادة تقسيم البلاد كما كانت قبيل العام 1990م.
ويقول موقع "ميدل إيست" اللندني: إن الرئيس يسعى – بالتحايل – إلى تجهيز موازنة خاصة بالمحافظات الجنوبية، تصرف من البنك المركزي بعدن (كبرى مدن الجنوب) بغية عدم التعرض لمضايقات الحوثيين، في العاصمة صنعاء.
وفي تقرير حمل عنواناً لافتاً "تهريب رئاسي للأموال من صنعاء"، أوردت يومية (الشارع) اليمنية تصريحاً لـ"مصدر سياسي مطلع، أن رئيس الجمهورية، عبد ربه منصور هادي، وجه الخميس الماضي، بتشكيل لجنة تُشارك فيها قيادة وزارة المالية من أجل العمل على تجهيز موازنة لستة أشهر لمحافظات: عدن، لحج، الضالع، وأبين، وتحويل هذه الموازنة إلى البنك المركزي في عدن.
وأن رئيس الوزراء، خالد بحاح، شارك في هذا التوجيه، الذي يتضمن تحويل موازنة لهذه المحافظات الأربع لمدة ستة أشهر، مشيراً إلى أن هذه الموازنة ستتضمن جميع البنود، وقد تم تحويل مليار دولار كدفعة أولى تحت هذا المبرر." وأكد مصدر حكومي، "إصدار الرئيس هادي هذا التوجيه غير المعلن، الذي قال إن رئيس الجمهورية أصدره بذريعة تسهيل العمليات المالية في هذه المحافظات الأربع، وتقليص مركزية العاصمة صنعاء، استعداداً لتنفيذ الأقاليم ضمن فيدرالية سيعاد فيها تقسيم اليمن إلى عدة أقاليم".
وقال المصدر، بحسب تقرير الصحيفة: "هذا التوجيه الذي أصدره الرئيس هادي مريب، ويثير تساؤل عن سبب إصداره في هذا التوقيت بالذات وليس خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
والواضح أن هذا التوجيه يأتي كعملية تحايل بطريقة متذاكية؛ لأن الرئيس هادي وابنه جلال أصبحا غير قادرين على صرف أي مبالغ مالية من البنك المركزي في صنعاء؛ بسبب لجان الرقابة التي يفرضها مسلحو الحوثي، وهذه اللجان سبق وأن منعت، منذ ما بعد 21 سبتمبر الماضي، صرف أوامر وشيكات رئاسية، تحت مبرر أنها غير قانونية وإسراف بالمال العام ونهب له".
ومؤخراً، أعلن وزير المالية الدكتور محمد زمام، أن الحكومة أقرت العمل بموازنة 2014 حتى يتسنى إنجاز موازنة العام الحالي 2015، وهو ما اعتبره البروفيسور اليمني الدكتور سيف العسلي، بمثابة إعلان إفلاس وانتهاء عهد الرئيس هادي وحلفائه في اليمن. وأرجع زمام تأخير اعتماد موازنة الدولة إلى الأحداث التي رافقت وسبقت تشكيل الحكومة. و
قال وزير المالية الأسبق الدكتور سيف العسلي، في تصريح سابق لوكالة "خبر": إن "إعلان وزير المالية يدل على الفشل الذريع، وعلى أن اليمن في حالة انهيار اقتصادي محقق".. مضيفاً، أن عدم وجود موازنة سيرسل إشارات سلبية للداخل والخارج.
مضيفاً: "في الداخل، فإن الإعلان يعني أن اليأس والقنوط، بل والجوع والمرض قادم.. وللخارج، فإن هذا يعني أن النظام الذي لم يستطع أن يعد موازنة – ولو شكلية – كيف يمكن أن يدير أي عملية إصلاح اقتصادي، من أي نوع".
وأعلن البنك المركزي، مساء الأحد قبل الماضي، أن ميزانيته سجلت انخفاضاً بمقدار 64 مليار ريال، في نهاية شهر نوفمبر الماضي، ووصل رصيد الميزانية إلى قرابة 2 تريليون 135 مليار ريال. ويقول تقرير نشره البنك، إن احتياطي اليمن من النقد الأجنبي سجل قرابة 4 مليارات و654 مليون دولار بنهاية نوفمبر 2014م.
وكانت وسائل إعلامية، قالت أواخر 2014، إن الحوثيين يسيطرون على البنك والخزينة المالية. وأن السعودية ثبطت المنح والدعم لليمن بسبب سيطرتهم على البنك، لكن محافظ البنك المركزي اليمني، محمد بن همام، نفى ذلك، مؤكداً عدم تدخل الحوثيين في عمليات البنك.
الواقعة الأخيرة، يوم الأربعاء، ضاعفت من اليقين الذي ينسل من عجينة الشكوك حيال نوايا وتوجهات الرئيس هادي بإدارة مباشرة مالية وسياسة من قبل نجله الذي يزاول صلاحيات واسعة أثارت استياء وتذمر الأوساط اليمنية السياسة والإعلامية على مدى العامين الأخيرين خصوصاً من رئاسة والده الانتقالية التي يفترض أنها انتهت في 21 فبراير 2014 بموجب المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة وانتخابات فبراير 2012م.
وقد أبلغ وكالة "خبر" للأنباء، مصدر في اللجان الشعبية بالعاصمة صنعاء، أنها تمكنت من ضبط مبلغ أكثر من 15 مليار ريال يمني، في قاعدة الديلمي الجوية وهي في طريقها إلى محافظة عدن،.. مشيراً إلى أنه، ومن خلال المعلومات الأولية، فإن تلك المبالغ تتبع جلال نجل الرئيس هادي.
لا أحد في اليمن يمكنه في الأثناء إعطاء إجابة نهائية وشافية على السؤال: أين يريد هادي باليمن؟ وين تنتهي مغامرة نجله؟ لكن وبغض النظر عن لا يقينية القرار الأخير وتوقيته، فإن الجميع بات فريسة نيئة للشك الناضج على موقد يقين يتلظى.