خسرت المملكة العربية السعودية حديقتها الخلفية، اليمن، كنتيجة لمساعي الرياض إلى إجهاض ثورة الربيع اليمني 2011، والتي نجحت في الاطاحة بها ولكنها وفقا للعديد من المراقبين كانت الخاسر الأكبر.
ونقلت صحيفة «القدس العربي» عن العديد من السياسيين القول إن «جهود الرياض لتدمير الوضع الذي أفرزته ثورة 2011 نتج عنه تدمير اليمن برمته سياسة واقتصادا وأمنا، وليس فقط النظام الجديد الذي أفرزته الثورة الشعبية».
وأكدوا أن «الرياض ستدفع فاتورة باهضة لهذا الانهيار السياسي والأمني في اليمن، لأن اليمن لم يعد لديه شيئا ليخسره، لكن السعودية ستكون الخاسر الأكبر في هذه اللعبة، لما سيلقيه الانهيار الأمني والاقتصادي والسياسي في اليمن من انعكاسات سلبية على الوضع في السعودية».
وكانت السعودية تعتبر اليمن في كل العهود السابقة منذ مطلع الثلاثينيات بمثابة الحديقة الخلفية، والحزام الأمني الخلفي لها، تتأثر بها سلبا وإيجابا في كل الأحوال، بل واستطاعت الرياض خلال العقود الخمسة الماضية من استقطاب كافة مراكز القوى في اليمن إلى صفها، من مسؤولين ومشائخ قبائل وأصحاب نفوذ وكانت تمنح دعما ماليا شهريا لنحو 1200 من كبار المسؤولين اليمنيين، عبر لجنة سعودية تسمى بـ(اللجنة الخاصة) مكلفة بالملف اليمني ومسؤولة عن تقديم الدعم للموالين للرياض في اليمن.
وكان الهدف من هذا الدعم السعودي لكبار المسؤولين والنافذين اليمنيين كسب ودّهم واستخدامهم عند الاحتياج كـ(ورقة ضغط) على السلطات اليمنية في أي منعطف خطير بين البلدين، ولكن الرياض خسرت أغلب حلفائها في ثورة 2011 اليمنية، إثر انضمام أغلبهم لتأييد الثورة، فيما خسرت الباقين بالتغيير السياسي للنظام الذي أفرزته الثورة، بإطاحتها بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وتصعيدها لنائبه عبدربه منصور هادي ليكون رئيسا للبلاد خلفا لصالح، ورغم أن صالح كان يجيد اللعب بالنار بدهاء مع الرياض ويحترف المناورات السياسية معها، غير أنه خسر علاقته معها لأول مرة في العام 1991 عند اتخاذ نظامه قرارا بالانحياز إلى جانب العراق في حرب الخليج الثانية.
وتكبد اليمن جراء هذا القرار السياسي أعباء وخسائر كبيرة، وكانت البداية للانهيار الاقتصادي في اليمن، حيث قطعت السعودية دعمها للميزانية اليمنية التي كانت تعتمد بدرجة أساسية على الدعم السعودي، فيما قامت دول الخليج العربي بطرد أكثر من مليون عامل يمني من السعودية، قرابة 800 ألف منهم طرودا من السعودية لوحدها.
وتسببت الأزمة الدبلوماسية بين اليمن والسعودية إلى الانهيار الاقتصادي في اليمن، خاصة وأن هذه الأزمة جاءت عقب قيام الوحدة اليمنية التي دمجت الشطرين الشمالي والجنوبي في أيار/مايو1990 بكيان واحد هو الجمهورية اليمنية، والذي أثقل كاهل الميزانية اليمنية نظرا لتوسع مساحة الخارطة السياسية والجغرافية لليمن، والتي أعقبها دخول البلد في أزمة سياسية حادة انتهت بحرب صيف 1994 والتي استفرد بعدها صالح بالسلطة تحت راية الوحدة اليمنية.
وزاد من تأزيم العلاقات السعودية اليمنية وقوف الرياض إلى جانب القادة الجنوبيين في حرب 1994 ضد نظام صالح، والتي استمرت تداعياتها السلبية أكثر من ست سنوات حتى تم ترسيم الحدود بين البلدين في العام 2000 في جدة عبر التوصل إلى اتفاقية جدة.
ومنذ التوقيع على هذه الاتفاقية التاريخية بين البلدين، والعلاقات اليمنية السعودية تتأرجح بين التحسن والانهيار بين الحين والآخر، إثر تلاعب الرياض بمضامين هذه الاتفاقية وعدم وفائها بكافة الالتزامات التي تعهدت بها للجانب اليمني، وفي مقدمتها قضية عودة العمالة اليمنية للسعودية ومنحها الامتيازات السابقة التي كانوا يتمتعون بها قبل أزمة الخليج الثانية وفي مقدمتها إعفاء اليمنيين من نظام الكفيل المفروض على الجنسيات الأخرى.
وتمكن صالح خلال سنوات من امتصاص الآثار السلبية لأزمة الخليج على علاقات بلاده بالجارة السعودية، عبر بوابة ترسيم الحدود، ولكنه بدأ بالتمرد سريعا على الرياض عبر تمكنه من فتح قنوات اتصال وعلاقة مباشرة مع واشنطن عبر بوابة مكافحة الارهاب، وذلك عقب تفجير المدمرة الأمريكية (يو إس إس كول) في ميناء عدن، جنوبي اليمن، في العام 2000 بعد أن كانت علاقات اليمن بواشنطن تمر عبر بوابة الرياض.
وشهدت العلاقات اليمنية الأمريكية حالة من الطفرة منذ ذلك الوقت، والتي أثمرت في تطور علاقة صنعاء مع الرياض أيضا، وبالذات حول ملف مكافحة الإرهاب والتي دخلت فيها الدول الثلاث في حلف مكافحة الإرهاب الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي نجح الى حد ما في تطويق تحركات المتهمين بالإرهاب غير أنه أسهم في رفع نسبة الموالين لهم لكثرة الأخطاء في استهداف المدنيين الأبرياء، وبالذات الأخطاء القاتلة للطائرات الأمريكية بدون طيار والتي سقط ضحيتها الكثير من المدنيين اليمنيين.
وكانت ثورة الربيع اليمني في العام 2011 المحك الحقيقي لمستوى العلاقة اليمنية السعودية والأمريكية كذلك، حيث واجه الرئيس صالح أكبر أزمة سياسية في بلاده منذ توليه السلطة قبل 33 سنة من ذلك، وحاول الاستعانة بالحليف الأمريكي وبالحاضن السعودي، غير أنهما لم يستطيعا انقاذ نظامه من الانهيار الكبير الذي أصابه جراء الثورة الشعبية العارمة التي أعقبت انهيار الأنظمة الحاكمة في تونس ومصر وأعقبها ثورات لاحقة في دول المنطقة ضمن ما أطلق عليها ثورة الربيع العربي.
وأطاحت ثورة 2011 بنظام صالح، واسهمت في صعود الرئيس هادي إلى السلطة، رغم أنه ظل في الظل نحو 17 عاما تحت عباءة صالح، وأنجزت عملية تغيير النظام بواسطة المبادرة الخليجية التي اقترحتها السعودية لإنقاذ حليفها الاستراتيجي في اليمن علي صالح، ومحاولة استبداله بنظام ضعيف يمكن السيطرة عليه فوقع الاختيار على عبدربه منصور هادي ليقوم بهذا الدور.
ومنذ تولي هادي السلطة في شباط/فبراير 2012 وشباب الثورة يلاحظون عليه مواقف غريبة، متأرجحة بين القضاء على مكامن القوة لدى صالح وبين تمكين المحسوبين على الثورة في مسك زمام الأمور، ولكن لم تدم الأمور طويلا حتى انكشفت أوراق اللعبة السياسية التي رسمتها الرياض بالتعاون مع حلفائها في الاقليم والمجتمع الدولي، وأسهمت في تدمير النظام الجديد الذي أنتجته الثورة الشعبية عبر المسلحين الحوثيين الذين صعدوا إلى السطح بقوة غير مسبوقة وبشكل مفاجئ خلال أقل من عام، وبدعم وتحالف مع بقايا نظام صالح، وفقا للعديد من المؤشرات الواقعية.
ونجحت الرياض في الاطاحة بالنظام الجديد في اليمن عبر الحوثيين، وتم تنفيذها عبر خطة مزمّنة مدتها سنتين، غير أن الكثير من المحللين السياسيين في اليمن يرون أن (السحر انقلب على الساحر) بالنسبة للسعودية في القضية الحوثية، حيث يعتقدون أن المسلحين الحوثيين خرجوا عن النص، واستأثروا على كل شيء في البلاد وأسقطوا الدولة برمتها بما فيها رئاسة الدولة وكافة أجهزتها الحكومية، وأصبحت تشكل تهديدا فعليا للسعودية، نظرا لخلفيتها العقائدية الشعبية والدعم الكبير الذي تلاقيه من إيران ذات الطموح التوسعي الاستراتيجي في الخليج العربي ومحاولتها السيطرة على المنطقة عبر بوابات عديدة من ضمنها اليمن، ذو الموقع الاستراتيجي برا وبحرا.
السعودية تخسر حديقتها الخلفية وحزامها الأمني باليمن.. والرياض تسببت بانقلاب الحوثي على هادي
اخبار الساعة - صنعاء