لم تعد صعدة وحدها تتصدر محافظات اليمن في ارتفاع مستويات الجوع. فالمحافظة الشمالية التي عانت من ست حروب قبل عام 2010، كان 40 في المائة من سكانها عام 2014 مصنفين في دائرة شدة الجوع. واليوم، أكد مسح حديث ارتفاع مستويات الجوع بشكل حاد في محافظتي أبين وشبوة جنوبي البلاد، في أعقاب القتال ما بين الجيش اليمني وتنظيم القاعدة في منتصف العام الماضي.
في قرية نابة بصعدة، يقول المزارع محمد حسن إنّ ظروفه المعيشية اضطرته إلى توفير وجبتين خفيفتين لأطفاله الستة، بينما يكتفي وزوجته بوجبة واحدة فقط. يشير الظاهري إلى أنّ صعدة هي إحدى المحافظات الزراعية، إلا أنه، مع كثير من القرويين، لم يعودوا قادرين على العمل بمزارعهم منذ عام 2007 لأسباب كثيرة، على رأسها اشتباههم في وجود ألغام فيها. كما تأثر آخرون بالجفاف، أو بخسارة عملهم. ويتابع حسن: "بسبب الجوع يعاني خمسة من أبنائي من هزالة الجسم. والصغيران من بينهم يعانيان من سوء التغذية الحاد وانخفاض مستوى المناعة".
من جانبه، يعزو موظف في إحدى المنظمات الدولية العاملة في صعدة، طلب عدم ذكر اسمه، زيادة الجوع في صعدة تحديداً، إلى ضعف الإنتاج الاقتصادي بسبب الألغام ومخلفات الحروب غير المنفجرة في مديريات مختلفة.
كما يشير إلى أنّ جماعة أنصار الله (الحوثيون) منعت الفرق الدولية من مساعدة المجتمعات الريفية التي كانت تسيطر على أراضيها قبل عام 2011. وبعد سيطرتها على كل المحافظة عام 2011، أنشأت الجماعة جهازاً تنفيذياً كوسيط بين جميع المنظمات الإغاثية والمجتمعات المستحقة للمساعدة. لكنه، في كثير من الأحيان، عرقل ومنع وصول الكثير من الفرق الإغاثية. وترتاب جماعة أنصار الله في قيام تلك المنظمات بتسريب معلومات إلى الدول الكبرى.
ويقول الموظف الدولي إنّ أهم نتائج هذه الممارسة، شملت إغلاق مكتب برنامج الغذاء العالمي في المحافظة، وحرمان مئات الآلاف من مساعدات الغذاء، والتضييق على عمل بقية المنظمات في توصيل المساعدات لمستحقيها.
وفي محافظة أبين في جنوب اليمن، لا يختلف الحال كثيراً. فقد تركت الحرب آثارها من خلال ازدياد حالات الفقر الناتجة عن الحروب والنزوح المتواصل والتدمير الواسع للبنى التحتية.
وفي قرية أمبيقرة تحديداً، تبدأ السيدة أمل سالم في إعداد وجبة لأطفالها الأيتام الأربعة بعد صلاة العصر. تقول إنّها فقدت زوجها الجندي في الجيش اليمني في الحرب التي دارت بين القوات الحكومية وعناصر تنظيم القاعدة في عام 2012.
تضيف: "أخصص معظم مرتب زوجي الضئيل الذي لا يتجاوز 30 ألف ريال يمني (150 دولاراً أميركيا) لغذاء أطفالي، ومصاريف المدرسة. لكني أضطر إلى إطعامهم الإفطار وتأخير وجبة الغداء الى المغرب، ثم أجعلهم ينامون مبكراً من أجل المدرسة لتجنب مطالبتهم بالعشاء". وتتذكر سالم مزحة أكبر أبنائها الدائمة حين يسمع أذان صلاة المغرب، بمناداتها: "من السنّة التعجيل بإفطار الصائم".
يشار إلى أنّ مجموعة من العوامل المحلية، إلى جانب الصراعات المسلحة، تساهم في ازدياد معدلات الجوع في هذه المحافظة الزراعية. ويؤدي الانخفاض المستمر للإنتاج المحلي من الغذاء في استفحال الجوع في الريف اليمني. علماً أنّ 70 في المائة من سكان اليمن يعيشون في الأرياف. إلاّ أنّ اليمن لا يؤمّن محلياً أكثر من 10 في المائة من إنتاج الحبوب، وهي المادة الغذائية الرئيسية.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير في مكافحة الفقر محمد الماوري، إنّ رفع الدعم الحكومي عن سلع الغذاء والوقود المستوردة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، يؤدي إلى تخفيض الإنتاج الغذائي المحلي، وارتفاع قيمته، وكسر قدرة الأسر على شراء الغذاء. ويضيف: "المجتمعات الفقيرة تضطر دائما إلى تبني أساليب تمكنها من التكيف مع مشكلة الجوع، لكنها تتأثر كثيراً من قلة العناصر المفيدة في الغذاء، وهذه المشكلة الواسعة تقابلها جهود متواضعة من الحكومة والممولين".
إلى ذلك، أظهرت دراسة حول الأمن الغذائي في اليمن، من إعداد برنامج الغذاء العالمي، معاناة نحو 10.6 ملايين مواطن، أي ما يشكل 41 في المائة من إجمالي السكان، من انعدام الأمن الغذائي. وتبلغ المعدلات الوطنية لسوء التغذية الحاد نحو 13 في المائة. وهو ما يقفز باليمن إلى المرتبة الثانية في العالم بعد أفغانستان، في انعدام الأمن الغذائي.
الجوع ما زال يهدد اليمن
اخبار الساعة - همدان العليي