هي قصتين لشابين أحدهم صديق جميل وآخر نصر الشجاع من مديرية الشعر محافظة إب ، لكل واحد منهما قصة شرف وبطولة قصة حزن ومواساة ولن أجد بين تلك القصتين راحة ﻷقف وقفة حداد عليهما فأنا سأنقل جزء من الحقيقة ليكون الواقع أشد وقعا على تلك اﻷرواح البريئة التي صعدت إلى بارئها في مقتبل شبابها لتكون تلك الدماء التي خضبت جسدهما لعنة تطارد القتلة في كل مكان ، وقبل الولوج في ثنايا المقارنة بين الحدثين أجد مديرة الشعر محافظة إب ناطحة سحاب برجالاتها المكافحون في أماكن الغربة والاغتراب وما يلاقونه من عناء في سبيل البحث عن أوطان آمنه توفر لهم العمل والحياة الكريمة ولم نسمع يوماً أن أبناء مديرية الشعر قطعوا طريق أو قتلوا جندي أو هدموا بناء مصلحة عامة ، ولهذا كان من هذه المديرية شابين شهيدين قتلا على أرض وطنهما وأي قتل أشد على اﻹنسان أن يقتل مظلوماً مقهوراً على يد من يقولون الله أكبر وعلى يد من يقول : أنا قائد المسيرة القرآنية.
البداية كانت مع الشاب الشهيد صديق جميل الذي غادر من مديرية الشعر طلباً حفظ كتاب الله في دماج كون المركز يستقبل طلاب من أماكن مختلفة ، صديق الذي يعيش منذ الصغر مع أمه وأخواته يتيم الأب في إحدى قرى مديرية الشعر مدينة إب غادر الحياة في بداية العشرينات من عمره مقتولاً لا تعلم أمه الثكلى كم رصاصة مزقة جسده أو في أي أرض استقرت جثته ، أثناء حصار دماج كان صديق جميل ضمن طلاب المركز يحاول العودة إلى أمه الملهوفة بتلك الأخبار التي تصلها ليرن هاتفها وتأتي التطمينات من صديق نفسه لأمه بأنه يحاول الخروج من ذلك الحصار وسيعود خلال أسبوع لكنها حتى هذه اللحظة لا تزال أم صديق تنتظر عودة ابنها حتى تتشبث بوحيدها وزهرة عمرها كيف ولا..!! وهو ثمرة عيشها الصعب بعد وفاة والده منذ صغره ، صديق لم يفي بوعده فأمه الحزينة لاتزال تنتظر عودته وقلبها يزيد حرقة وألماً وكمداً على أبنها الذي لم يذهب إلى حرب ولم تكن أمه تتصور أن فراق أبنها سيطول إلى أن تفارق عينيها هذه الدنيا ولن يكون أبنها كقصة يوسف الذي عاد إلى أبيه ولن يكون قصته كموسى الذي عاد إلى أمه كي تقر عينها ، إن قصة الصديق مختلفة تماماً عن تلك القصص فالخبر الذي أكمل سواد الدنيا في عين أم الصديق هو خبر مقتل ابنها المحاصر في دماج عبر تلك الأنباء التي وصلتهم ، هنا بقت غصة الحزن تعتصر قلب أمه وأخواته في فصل آخر من معاناة لا يحتملها إنسان يحمل في أحشاءه مضغة قلب .. وما كتبت هنا من سطور قليلة ليست إلا نقطة من فصول معاناة ستعيشها أم صديق وأسرته وكل من عرف الصديق .
في القريب كان أبناء مدينة إب يشيعون جثمان الشهيد نصر الشجاع من أبناء مديرية الشعر مدينة إب والذي سقط برصاص تلك الميليشيات التي أطلقت رصاصات الموت على مسيرة سلمية انطلقت من قلب المدينة ، هي قصة أخرى يسقط فيها شاب في مقتبل عمره ولم يكن يعي أن رصاصات القتلة لا ترحم أحد وأن جسده النحيل الذي يحمل هم أبناء مدينته لن يعود ليقول كلمة (لا) ، الشجاع لا يحمل بندقية بل يحمل كلمة في مسيرة سلمية رددها الجميع بل كانت هتافات المقهورين حينما تنطلق من أفواههم كالرصاصات التي اخترقت جسد الشجاع وأردته جثة هامدة على أحد أرصفة شوارع المدينة ، وباختصار لتلك الصور التي تداولنها على مواقع التواصل فقد وجدنا فيها الشهيد الشجاع يحمل براءة أبناء المدينة الفاضلة التي جعلتها الميليشيات ساحة حرب واقتتال .
سأقف أمام هذا الموقفين كي أسئل إخواننا في صعدة وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي قائد المسيرة القرآنية عن الشاب صديق الذي أتى من مديرية الشعر مدينة إب ليحفظ القرآن في دماج وأنت قائد المسيرة القرآنية ..!! أم أن القرآن الذي أراد أن يحفظه الصديق غير الذي تتلونه في صلواتكم كي يقتل وتُنزع روحه على أراضيكم التي كنا لا نعلم أنها محرمة على جميع الأجانب كالصديق الذي ينتمي لدولة إب ، وهل يقوى قتلة الصديق على أن يمثلوا أمام محكمة الدنيا في مواجهة أمه المقهورة بفقدان فلذه كبدها كي يعتذروا لها ..!! .
أما نصر الشجاع فقد تظاهر لإخراج الميليشيات المسلحة من مدينته أليس من حقه أن يعيش بكرامه ..؟ ألم يكن الشجاع لديه أب وأم واخواة يتألمون كما تألم جسده بتلك الرصاصات ..؟ وأي حق تطلبونه في صعدة وتنكرونه في مدينة الشجاع لتفرضون واقعاً مسلحاً أتيتم به من مدينة السلاح (صعدة) ..؟؟ وتحاولون تركيع الناس كي يعيشون تحت فوهة بندقيتكم رغم أنكم قتلتم جنود الوطن على أراضيكم وكنتم تشمئزون من وجودهم بينكم ، وها أنتم اليوم بميليشياتكم تحاولون فرض أنفسكم على مدينة تكبركم عدداً وسكاناً وحضارة وأخلاقاً وسلمية ..
وأختم ما أود قوله للذين يحاولون أن يلصقوا كل تلك الأعمال بآل البيت وهم عن ذلك بعيد بحديث عالم جليل من آل بيت رسول الله عندما قال : إذا كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب اليوم موجود بيننا هل سيرضى بقتل إخواننا مهما بلغت درجة اختلافاتنا ..؟؟ كتلك الأعمال التي يقومون بها وإن كان الحسين رضي الله عنه قُتل مظلوماً ولم يكن ظالماً وكان يستطيع أن يقاتل مع من حوله قبل أن يذهب إلى العراق ، تلك المناصب والجاه الذي نحاول الحصول عليه بقوة السلاح لن يكون إلا دمار وإفساد في الأرض ومهما بلغت نتائجها وما جاء بقوة السلاح سيزول بقوته ، فالناس يخلدون الشرفاء الأبطال على مقدار أعمالهم وليس على شرف أنسابهم أوما تحويه بطونهم ، وفي الأخير كان بإمكان جماعة الحوثي أن تنخرط سياسياً بعيداً عن أعمال العنف وفرض المظاهر المسلحة والأفكار الدخيلة وسأعيدها فلو كان بيت حميد الدين استخدموا المذهب لما كان مقر حكمهم مدينة تعز ، وبالذات مع انخراط اليمن في الحكم الديمقراطي ومشاركة الشعب في قيادة الكثير من المواقف السياسية التي باتت جماهيرية أكثر من قرارات شخصية أو سلالية ، وكما كنا ندافع عن الحروب التي كانت تقوم ضدكم أثنا حروب صعدة جاء الدور لنقول كلمة الحق فيكم أنكم : بغاة وإقصائيون وتؤسسون لحروب بالوكالة ولا يوجد لديكم مشروع وطني سوى تلك القطع من السلاح المنهوب لتقتلون بها أبناء الشعب .