أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

قطّ وفأر وجبنة يغنون: يموت الوطن ونحيا جميعا..

الشاعر علي مغازي
- علي مغازي

التلفزيون يثني على الشعب المتفوق في مادة التربية المدنية، ويشجعه على لبس المآزر وتحية العلم كل صباح.

الشعب متفهم جدا، يمشي ويهتف: نموت.. نموت.. ويحيا الوطن.. نموت جميعا ويحيا الوطن.

الشعب يرتدي المآزر ويموت عشقا.. يموت حرقا.. ويحيا الوطن.

الشعب يرفع العلم.. يهتف رافعا العلم، يأكل رافعا العلم، ولا يصحو أو ينام إلا على العلم، ولا ترتفع معنوياته أثناء التزاوج إلا بارتفاع العلم..

مجلس الشعب يقول إن لديه أعضاء من رجال مصالحة يفتحون أبوابهم وأرقامهم هواتفهم للشعب كي يدخل. ولديه أعضاء من شيوخ مصلحين يفتحون له أبواب السماء كي يطير إلى الجنة. ولديه أعضاء من نساء صالحات يفتحن أذرعهن للشعب كي يحصل على حضن دافئ..

لكن الشعب لا يدخل مكاتب نوابه، لأن أحذيته ملطخة بطين محلي، ولا يتصل بأرقامهم لأن هواتفه خالية من الرصيد، ولا يريد الطيران إلى الجنة لأن الأرصاد الجوية تحذر من رداءة الطقس، ولا يرتمي في حضن نائباته لأنه يتقي شرّ الفتنة.

السلطة تسهر على مصلحة الشعب إلى حين استيقاظه. والشعب لا يستيقظ لأنه أصلا لا ينام. وهو لا ينام لأنه مرتاح. وهو مرتاح لأن فستان السهرة على مقاسه.

المعارضة لا تدخل صالات العرض دون سند من الشعب. إنها تواعده لكنه شقي وعنيد. رغم ذلك فهو أحيانا يجاريها، فيظهر معها على أغلفة الصحف، وهي تتأبط ذراعه إرضاء لرغبتها في التباهي به حتى لا يقول خصومها: ''إن المعارضة عانس''.

كل واحد من الناس متذمر من الآخر.. والناس جميعا متذمرون ممن ليسوا هم.

السلطة متذمرة من المواطن.. المواطن متذمر من الوطن.. الوطن متذمر من أوطان أخرى ترفض الاعتراف بحقه في الهجرة إليها..

المواطن يتهم السلطة بأنها تهمل مصالح الشعب..

السلطة تتهم المواطن بأنه يهمل مصالح الوطن..

والوطن لا مصالح له ما دام الشعب غائبا. والشعب هو كل المواطنين الذين يجب أن يظلوا غائبين أثناء الحديث عنهم..

أنا وأنت، هي وهو، هم ونحن.. الجميع يتحدث عن الشعب، لكن الشعب ليس هنا الآن.. إذن كل من ليس معنا الآن هنا، فهو الشعب..

الكل متذمر من الكل.

أنا متذمر مني.

Total time: 0.0635