هم هنا كي يقيموا لا ليرحلوا ، التفاصيل بوح عميق ، يغمر الروح ، الإنسان الحر ، الخيمة الشرود ، الفضاء المفتوح ، الحياة المنطلقة ، لا سكون حيث تسكن الثورة ، ولا عبث أو فوضى ، احتشاد صاخب أنيق ، حيث تجتمع القوة والرقة ، والجسارة واللطف ، وأنت تسير في الساحات تأسرك الخيم المتأنقة ، تجبرك الدهشة على إطالة التحديق .
تتجاور الخيم ، تتشابك بحنان ، تنفتح برحابة ؛ لتسع الوطن ، ليست مجرد مأوى ، بل خطاب ثوري مسكون بالأسرار .
لا عفش يثقل أو يزحم الأشواق والأحلام .
تنجز الثورة النبيلة تعابيرها في طريقة العيش على نحو يتساوق فيه المظهر والجوهر .
الخيمة مدخل إلى الروح ، ليست مسكن عابرين ، هي مكان لإقامة وطن ، يشاد على الحرية ، ويؤوي الجميع .
الحياة اليومية في ساحات التغيير تتحدث عن ثوار وطنوا أنفسهم على البقاء والصمود ، مدركين "أن لا شيء يستنزف صلابة المرء الداخلية مثل إحساسه أنه عابر" بحسب إيزابيل إلليندي .
عرف اليمني بالعجلة ، والملال ، ونفاد الصبر ، وسرعة السأم ، يحب "التقطيف" .
ظن الحاكم أنه أيأس اليمنيين من التغيير بطول مكثه ، توهم أن الغضب سيهدأ ، والحماسة ستخمد ، وستنفض الاعتصامات ، وستنحسر الثورة ، ويتوقف الثوار ، خيبت ظنونه الساحات ، أسقطت كل الرهانات ، استمر الشارع في الغليان ، ازدادت الاعتصامات قوة ، وبدا وحده المنهك ، الضعيف ، الآخذ في الانحسار ، تأكد "أن لا أحد يقف في وجه اليمن حينما تتحد" بحسب العزيز نبيل سبيع .
إن الزمن الذي نقطعه إلى القصر قد لا يعني الزمن الذي نقطعه إلى الوطن ، القصر أقرب نقطة في الطريق .
هذا المخاض الطويل يستهدف تقصير المتباعد على مستوى الروح والعقل والوجدان ، يستهدف الوصول إلى وطن كبير عصي على القصر والتقصير .
تتحرك الثورة وفق منطقها الخاص بحسب إمكاناتها ، وحساباتها ، وقراءتها للواقع ، وإدراكها لطبيعة التحديات التي تواجهها ، الزمن تحدده معطيات كثر .
الثورة لا يقودها المزاج العام ، ولا ضغط الحماسة ، ولا تحدد مساراتها الاندفاعات غير المحسوبة ، لا تندفع خلف الدعايات ، لا تنطلق بدوافع ثأرية ، أو ردات فعل انتقامية .
القرارات المصيرية لا يمكن أن يتخذها فرد تحت أي مبرر .
يعتمد العمل الثوري السلمي على المناورة ، والالتفاف ، واتقاء الصدام ، والاستنزاف المستمر للخصم ، وتفتيت قوته ، ومحاصرته وعزله سياسيا وإعلاميا واجتماعيا وأخلاقيا .
ما نقوله ليس ملزما ، ولا يجب أن يدفعنا إلى قفزات يائسة تخسرنا الكثير ، الشاعر أبو الطيب المتنبي قتلته بيت شعر قالها لحظة زهو ، كان بإمكانه أن يفلت ، وربما كانت الشجاعة في أن يتراجع ، وينجو بحياته بدلا من أن يضحي بها على يد "فاتك" في ميتة غير مشرفة ، سيق إليها مرغما مخافة أن يقال: خالف أبو الطيب قوله.
إن من يسير معك إلى الموت لا أقل من أن تكاشفه بصدق ، إن دفن الرؤوس في تراب الأخطاء بدعوى الحفاظ على وحدة الصف هو مما يزيد الصف ضعفا وتشققا ، لا شيء يقوى سوى الخطأ .
ما زلت ضد الذهاب إلى ميتات سهلة ، والمراهنة فقط على الدم خطأ قاتل ، الحماقات والأخطاء تقتل وربما أكثر ، ومن الخيانة دفن الضحايا وترك الأخطاء والحماقات طليقة .
إن من يقول "مللنا القعود في الساحات" عليه أن يذهب في نزهة غير مكلفة بعيدة لمحاصرة ملله .
المشكلة أن البعض يريد القيام بكل الأدوار ، وبدلا من أن يخدم الثورة فيما يحسن ؛ يتصدى للقيام بعمل الإعلامي والسياسي والخطيب والقائد الثوري .
إن أكثر ما تعلمنا إياه الثورات فضيلة التواضع ، والتعامل بمسئولية وروح جماعية عالية .
لهائل سلام الاب الكبير
*أستاذي وصديقي هائل سلام ، أبو الشهيد " نزار" ، من فرسان الوطن الكبار ، روح رحبة ، وعقل يتقد ذكاء وحكمة ، هو معلمي الأقرب إلى القلب ، ما زال مصدر إلهام للكثيرين بتأملاته وتنظيراته ووعيه السياسي المتقدم ، وإنسانيته العالية ، وحضوره المتوهج ، هذه رسالة منه إلي بعد استشهاد "نجله" الأثير إليه ، نقرأ فيها روح الأب الوطني الكبير .
"الآن بإمكانك ان تهنأني ياصديقي، بدأت اشعر بأن نزار مات جسدا فقط اما روحه فباقية تشع القا وبهاء وإلهاما.عشرات من اصدقائه ومحبيه يعملون كخلية نحل في طبع وإلصاق صوره من عصر حتى البيت. وطبعوا له صورا ضخمة (لم تخطر ببالي مسألة الصورعلى الاطلاق،واقسم بالله على هذا)بعض أصدقائه قالوا انهم سيغادرون الحارة بعد ان رحل نزار.المعزيات قلن ان هذه اول مرة يحضرن عزاء ويشعرن انهن في حفلة.غمرنا احساس بالسكينة والفرح...
وأشياء أخرى نحسها ولا نجدلها تفسيرا. يفاجئني عدد أصدقائه الذين لا يحصون. يفاجئني الشعور بالسكينة لدى أمه. ولسبب مااشعر ان صوره ستنتشر في كل الساحات.غدا سأزفه فرحا(ولا اعي لماذا فرحا) آمل ان تكون برفقتي انت بالذات (فلن ازف كل جمعة شهيد) وان أثقلت عليك فسامحني
صدقا،أردت ان انقل اليك ما أحسه واشعر به،لتشاركني إياه وليس لأجعلك تذرف دموعا غالية ياغالي.
أرسلت لك مرة أقول ان الثوار الذين يسقطوا ن شهداءهم اطهر الناس وأنقاهم وأنبلهم وإنني اشعر وكأني اعرفهم واعرف مناقبهم فردا فردا، تأكدت الآن اني اعرفهم فردا فردا. اسأل الله الا تذهب دمائهم هدرا،انتصار الثورة هو وحده العزاء"