جاءت عاصفة الحزم التي تشنها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية مفاجئة للميليشيات الحوثية المسلحة، الأمر الذي أدى لتكبيدهم العديد من الخسائر وأربكهم بشدة، غير أن الحوثيين نجحوا في إعادة ترتيب صفوفهم وأعادوا انتشارهم في شتى المدن والمحافظات اليمنية وفق استراتيجية محكمة لإعادة الانتشار والتمدد، على نحو يشير إلى أن إسقاط الحوثيين ليس عملية سهلة من جانب قوات التحالف، لأنها "حرب غير متماثلة" سواء من حيث الفاعلين أو الأهداف أو مسرح العمليات أو الأطراف الإقليمية الداعمة لهذا الطرف أو ذاك.
وفي هذا السياق، يمكن الإشارة في الخريطة التالية إلى المناطق التي كان يسيطر عليها الحوثيون قبل بدء عاصفة الحزم:
قبل بدء عاصفة الحزم، كانت القوات الحوثية المسلحة تنتشر في حوالي 13 محافظة من محافظات اليمن، بدءاً من صعدة (المقر الرئيسي للحوثيين) وعمران وصنعاء (جيث استولوا على مؤسسات الدولة ومقرات الجيش وشركات النفط والمؤسسات الحكومية بالعاصمة) والجوف وحجة في الشمال، وامتداداً نحو الحديدة غرباً، وزمار وإب ومشارف مأرب في وسط اليمن.
أولا: إعادة انتشار لأماكن تمركز الحوثيين بعد عاصفة الحزم
بعد بدء عاصفة الحزم، اعادت القوات الحوثية والقوات الموالية لهم الانتشار في المدن اليمنية، وتوضح الخريطة التالية أماكن تمركز هذه القوات، باللون الأخضر، كما يلي:
1. العاصمة صنعاء: مازال الحوثيون يتمركزون في العاصمة صنعاء حيث يسيطرون فيها على عدد من المواقع العسكرية مثل معسكر ألوية الصواريخ "بفج عطان" جنوب غربي صنعاء، بالإضافة إلى "معسكر الخرافي" شمال صنعاء ويتواجدون أيضاً في حي الجراف شمال صنعاء، وقاعدة الديلمي الجوية في صنعاء.
2. شمال اليمن: مازالت الميليشيات الحوثية تحتمي في صعدة المعقل الرئيسي لهم وكذلك في عمران، ويرغم تواصل العمليات العسكرية من قوات التحالف العشري ضدهم إلا أنهم يفرضون سيطرتهم على تلك المناطق، ومؤخراً قامت الجماعة الحوثية، بعد إعلان حزب الإصلاح تأييده لعمليات عاصفة الحزم، بحملة ملاحقات واعتقالات لعناصر الحزب في عدد من المحافظات اليمنية الخاضعة لسيطرتها، واختطاف العشرات في محافظة عمران واقتيادهم إلى جهة مجهولة.
3. وسط اليمن: يسيطر الحوثيون على محافظات وسط اليمن مثل ذب والضالع وإب، ومأرب حيث يسيطرون على قواعد إطلاق الصواريخ ومواقع الجيش اليمني، وخاصة قاعدة إطلاق صواريخ مضادة للطائرات من نوع «سام» ومواقع رادار مضادة للطائرات من نوع «سام» في محافظة مأرب.
4. غرب اليمن: تنتشر القوات الحوثية في محافظة الحديدة، ويفرضون سيطرتهم بقوة السلاح على المحافظة لدرجة اقتحامهم ساحة التغيير بالمدينة، مستخدمين الرصاص الحي والهراوات ضد المتظاهرين الرافضين لهم والمؤيدين لعمليات «عاصفة الحزم» ووقوفها مع شرعية الرئيس هادي، وقام المسلحون الحوثيون باختطاف عدد من الناشطين وقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح بالحديدة.
5. جنوب اليمن:
أ- في عدن: بعد بدء العمليات العسكرية ضد الحوثيين والقوات الموالية لهم التابعة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، استماتت تلك القوات في المقاومة واحتلت قصر المعاشيق الرئاسي، واستولت على قاعدة العند الجوية، وتمركزت تلك القوات في أحياء عدن، ومنها خور مكسر وسط عدن، و"جبل الحديد" وسط عدن. وفي إطار خطة إعادة انتشار الحوثيين في عدن بعد 9 أيام من القصف العسكري المواصل من قبل القوات العسكرية لقوات التحالف العشري، قام الحوثيون بإعادة الانتشار في المناطق السكنية في مدينة عدن في محاولة منهم لزيادة الضغوط على قوات التحالف التي تستهدف واقع الحوثيين، وفي حال إصابة المواقع المدنية يستغلون ذلك، وخاصة في ظل التقارير الدولية الصادرة عن عدد من المنظمات الدولية التي أكدت وقوع ضحايا من المدنيين نتيجة الغارات الجوية لقوات التحالف، وزيادة درجة المعاناة الإنسانية للمدنيين في اليمن. كما اقتحم الحوثيون مقر القنصلية الروسية في عدن واستخدموها مكاناً لقنص المقاومين، ويعتبر هذا التطور الأمني لافتا جدا، حيث يكون الحوثيون قد اعتدوا على سيادة دولة.
ب- أعلنت جماعة الحوثيين استمرار سيطرتها على ميناء ومطار عدن، بالإضافة إلى القصر الرئاسي في مدينة عدن، نافية الأخبار التي أشارت إلى انسحاب وحدات الجيش واللجان الشعبية التابعة للحوثيين من القصر الجمهوري في منطقة المعاشيق ومطار عدن الدولي، وكذلك مناطق (الحصن، المعلا، الشبكة، الميناء)، كما تتواجد قوات تحالف صالح والحوثيين على شكل جيوب في مديريات دار سعد في بعض الأجزاء الشمالية، ومطار عدن ومعسكر الأمن المركزي وساحل أبين في مديرية خورمكسر، إضافة إلى طريق فرعي ممتد من مدخل مدينة كريتر وحتى قصر معاشيق الواقع في أطراف المدينة.
ج- حضرموت: استولت القاعدة كذلك على مدينة المكلا عاصمة حضرموت الواقعة جنوب شرقي اليمن،
أما اللون الأصفر يوضح أماكن تمركز القوات الحكومية والموالية لهادي، وخاصة في مدن عدن وحضرموت، ومأرب، والبيضاء، وتعز، والجوف، والحديدة.
ثانيا: أماكن الانتشار الحوثي بعد عملية عاصفة الحزم
وطبقاً لهذا التمدد والانتشار الحوثي في المدن اليمنية، حددت قوات التحالف العشري بقيادة السعودية، المواقع العسكرية وأماكن تجمع الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح المتحالفة معهم، والخريطة التالية توضح ذلك:
أ- استهدفت قوات التحالف تدمير القدرات العسكرية للحوثيين، فدمرت قواعد الصواريخ ومعسكرات الجيش التابعة للحوثيين، وذلك من خلال محورين، المحور الأول: في شمال اليمن بعد إطلاق نار على إحدى المناطق الحدودية مع السعودية، والمحور الثاني: شن الغارات في محيط مدينة عدن وعلى جميع المحاور المؤدية إلى المدينة سواء من (البيضاء أو من الضالع أو من شبوة) ودعم اللجان الشعبية لمواجهة الحوثيين.
ب-نجحت القوات الحوثية، رغم تواصل العمليات العسكرية لقوات التحالف العشري، في التمدد والانتشار داخل المدن اليمنية ومازالو قادرين على مقاومة قوات التحالف التي أخفقت في إرغام الحوثيين ختى كتابة هذا التقدير على الجلوس إلى مائدة المفاوضات أو تصدع تحالفهم مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
ثالثا: تأثيرات الضربات الجوية على مناطق انتشار الحوثيين في اليمن
تتمثل أبرز التأثيرات الناتجة عن انتشار الحوثيين في اليمن بعد عاصفة الحزم، على النحو التالي:
1. نجحت الميليشيات الحوثية المسلحة في إعادة الانتشار داخل المدن والمحافظات اليمنية رغم تواصل العمليات العسكرية لقوات التحالف بقيادة السعودية، الأمر الذي ساعدها على القيام بتحركات عسكرية مضادة في محاولة منهم لإغلاق الطريق أمام عودة الرئيس هادي إلى عدن.
2. إن عودة عمليات القصف الجوي إلى مناطق شمال وغرب صنعاء يشير إلى استمرار تمركز قوات الحوثيين وقوات الجيش الموالية لهم في تلك المناطق، كما أن إعادة قصف بعض القواعد العسكرية خاصة قاعدتي العند والديلمي يشير إلى أن عمليات القصف السابقة لم تؤدي إلى النتائج المرجوة منها في القاعدتين.
3. وجود صعوبات وتحديات تواجه قوات التحالف العشري في مواجهة الحوثيين والقوات الموالية لهم، وخاصة في عدن والمناطق المحيطة بها رغم تنوع أساليب وأدوات تعاملها مع الميليشيات الحوثية وخاصة استخدام القوات البحرية لقصف جبل الحديد وسط عدن، وخور مكسر والمعلا بسبب تداخل الانتشار الحوثي وحلفائه في المناطق السكنية.
4. إن ما تم إسقاطه من أسلحة للجان الشعبية والأهالي في عدن لا يمكن أن يحسم المعارك مع الطرف الآخر حيث تتصاعد المحاذير بأن يؤدي إسقاط مثل هذه الأسلحة إلى توافر مناخ للفوضى في المنطقة.
5. إن عدم وجود قيادة عليا للقوات التي تواجه الحوثيين في عدن ومحافظات الجنوب تملك السيطرة على التجمعات العسكرية والقبلية سوف يحد نسبياً من مواجهة التمدد الحوثي وحلفائه، ويتماشى ذلك مع ارتفاع بعض الأصوات داخل اليمن بوجود نائب للرئيس هادي له القدرة على إدارة شئون اليمن في حال عدم قدرة الرئيس هادي على تولي مهامه وخاصة أنه يعاني من مشكلات صحية ومحدودية قدراته على إدارة شئون البلاد.
لا يزال الرئيس السابق علي عبدالله صالح يلعب دوراً في استمرار مقاومة الحوثيين لقوات التحالف، وخاصة من خلال دعمهم عسكرياً بقوات الجيش التي مازالت تدين بالولاء له، كما أن مجمل العمليات في الجنوب مواقف الأطراف المختلفة قد وفرت مناخاً إيجابياً لتنظيم القاعدة استفاد منه بصورة إيجابية كبيرة، خاصة في محافظة حضرموت ومدينة المكلا.