أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

الرعوي: لماذا تفشل حوارات اليمنيين؟!

- للكاتب: علي ناجي الرعوي

تعددت وتنوعت الحوارات التي تناقش الشأن اليمني فقد شهدت هذه الساحة جولات متتالية من مؤتمرات الحوار والتفاوض التي عادة ما يلجأ اليها الافرقاء عقب كل ازمة او صراع او أي من الحروب الكبيرة والصغيرة التي عرفتها اليمن على مدى العقود الخمس الماضية لكن ورغم هذا العدد غير المحدود من الحوارات فان اغلب خلاصاتها قد انتهت الى الفشل حيث سرعان ما تظهر التعقيدات والمعوقات والتفاصيل او تبرز مستجدات اخرى فينقطع مسار الطريق وتعود الامور الى نقطة الصفر الامر الذي يدعو الى التساؤل عن سبب فشل غالبية الحوارات بين اليمنيين مع ان الجميع يذهبون اليها بقناعة مطلقة ويؤمنون ايضا ان الحوار هو السبيل الامثل لمعالجة اشكاليات الواقع وتجاوز دورات العنف والصراع والاحتراب؟

ما يستغرب له المرء هو ان يحدث في اليمن الشيء ونقيضه في جملة واحدة وفي وقت واحد اذ ان وجه المفارقة هنا تتمثل في ذلك التناقض الواضح فبينما يحرص اليمنيون على الحوار كسمة حضارية إلا انهم الذين لا يلتزمون بمخرجاته او بما يتوصلون فيه من اتفاقات وقد تجلت ملامح هذه الظاهرة منذ ستينيات القرن الماضي الذي جرى فيه الحوار بين الجمهوريين والملكيين وكذا الحوارات التي اعقبت الحروب بين الشطرين مرورا بالحوارات المتلاحقة التي لم تنقطع منذ حرب صيف عام 1994م وحتى المصادمات العسكرية التي تفجرت في صنعاء على اثر موجة (الربيع اليمني) مطلع عام 2011م والتي افضت الى حوار هو الاطول في تاريخ اليمن المعاصر فقد استمر هذا الحوار نحو عشرة اشهر ما بين مارس 2013م ويناير 2014م حيث تمكنت المكونات الاجتماعية والسياسية في هذا الحوار من التوافق حول قضايا بالغة التعقيد من بينها إحداث تغيير جذري في مقومات الدولة يسمح بالانتقال من الدولة البسيطة الى الدولة المركبة والتحول من دولة السلطة الى دولة المؤسسات ومن دولة التمايز الى دولة العدل والمواطنة المتساوية ومن دولة المجموعات والعصب الى دولة المواطنين إلا ان مثالية هذه الصيغ قد سقطت على حائط موروثات الماضي التي مازالت تحجب المستقبل.

وجرياً على منطق التاريخ فها هم من يجتمعون في الرياض منذ الاحد الماضي من اليمنيين يؤكدون من جديد ضرورة الالتزام بمخرجات الحوار الوطني وتنفيذ خريطة الانتقال الى الدولة الجديدة مع انه ليس من الموثوق فيه ان تمضي الامور بهذا الشكل بسبب تعقيدات المشهد اليمني الداخلي خصوصا وان تلك الخريطة قد رسمت طريقا مثاليا للتغيير والانتقال الى الاقلمة او الدولة الفيدرالية في حين يرى البعض ان مثل هذه الخطوة هي الابعد عن الواقعية وأنها التي قد تؤدي الى القفز نحو المجهول وهو ما دفع بالبعض الى التحفظ على تلك المنهجية بحجة انها التي لم تستوعب تعقيدات الواقع المحكوم بالتأزم وتصدع النسيج الاجتماعي والانفلات الامني والفوضى العارمة على كافة المستويات وبالتالي فانه ومهما بدت نتائج مؤتمر الرياض عقلانية فان عدم مشاركة طرف او بعض الاطراف في صياغة هذه النتائج سيشكل مبررا لمعارضتها بصرف النظر عن المضمون الذي تحمله.

وفي كل الحالات فان كل القوى السياسية والمجتمعية اليمنية هي من تتحمل المسؤولية عن عدم تمكين هذا البلد من التقاط انفاسه والبقاء تحت طاحونة الفقر والتخلف والجهل الصانع للازمات والصراعات وحلقات العنف ومشاعر اليأس والحرمان التي يتخبط فيها ولذلك فلا ينبغي تشخيص الوضع بالأسلوب المثالي بل لا بد من الاعتراف بأن القوى التي اجتمعت في الرياض او تلك التي ستلتقي قريبا بجنيف لا يمكن لها الادعاء من انها تمتلك رؤية واضحة وجاهزة من شأنها انتشال اليمن من ازماته التدميرية والعبثية التي تنخر في جسده حاليا وإعادته الى المسار الصحيح في اطار وصفة سحرية ولكن بوسع كل هذه الاطراف اذا ما احسنت التصرف واستفادت من دروس الماضي وما يجري ايضا اليوم في المنطقة من احداث وتحلت بالرشد السياسي وتجردت عن شهوة السلطة وشبق المصالح وخطاب المغالبة والتناطح والخلافات والانقسامات التي تبدأ في التوجه السياسي لتتطور الى صراعات مسلحة تغذيها العصبيات القبلية والجهوية والمذهبية والطائفية والاستقطابات الخارجية ان توقف انهيار اليمن وان تعيد له سعادته التي سلبت منه تحت وطأة خلافاتهم وتناحراتهم العقيمة التي تحاكي في فصولها حروب الجاهلية الاولى.

لقد حان الوقت لكي تتوقف تلك الايادي التي غرزت في جسد اليمن نصال الفتنة والفرقة والحروب المدمرة عن الرقص على جسده المثخن بالجراح والآلام والمآسي حتى يتسنى لهذا البلد النهوض من جديد وإعادة بناء نفسه بما يليق بعظمته وتاريخه.

Total time: 0.0272