أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » على السريع

الادمان مستمر على الفايسبوك ...

- صباح الذيباني
من منا لا يعرف "الفايسبوك". الموقع الاجتماعي الاكثر شهرة في العالم، والذي غدا بين ليلة وضحاها احد اهم المواقع الالكترونية على الاطلاق، مطيحاً بكبريات الشركات العالمية الرائدة على شبكة الانترنت. فالموقع الذي بدأ العمل به على صعيد محلي في احدى الجامعات الاميركية، بات يستخدمه اليوم مئات الملايين من حول العالم وبلغات مختلفة، اذ يعتبر معظمهم انه اضحى الوسيلة الاساسية للتواصل والاتصال وكسب الاصدقاء، حتى وصل الامر بهم الى حدود الادمان الشديد، من جرّاء "تعاطي جرعات زائدة" من هذا الموقع.


الله يخليلنا الفايسبوك


لريتا فريد اكثر من 1000 صديق على صفحتها "الفايسبوكية". فالشابة الجامعية المثابرة في كلية الاعلام، لم تكن تعلم انها ستتحوّل الى مدمنة شديدة على الفايسبوك بعد اكثر من سنة ونصف على اشتراكها في هذا الموقع.

تحرص "المدمنة الالكترونية" على المتابعة الدقيقة لكل الاخبار والنشاطات والتحركات العادية وغير العادية لأصدقائها، "فكل يوم اتصفّح ابرز اخبارهم وصورهم وخواطرهم، وكأنني اقرأ جريدة تفاعلية تتغيّر حسب مزاج ابطالها. فمنهم من هو كئيب وآخر من هو مسرور وسعيد، ومنهم من يكون متفائلاً وآخر متشائم، اضافةً الى الذين يسوّقون كل الليل والنهار لأنفسهم بشكل او بآخر".

وصل الادمان مع ريتا الى حالة قصوى من شدة تعلّقها بالاخبار الالكترونية الاجتماعية، لتشترك في خدمة خاصة على هاتفها المحمول تتيح لها الدخول الى الموقع وتصفّح آخر التطورات والتعليقات، ومشاهدة آخر "اصدارات" الصور وقتما تريد، لتنال لقب "ميس فايسبوك" بجدارة فائقة وبشهادة كل زملائها في الصف، بمن فيهم الاساتذة المحاضرين.

"الستاتوس"... فرصة للتعبير

تجد ريتا في "الستاتوس" فرصة للتعبير عن احاسيسها وآرائها وتطلعاتها ومخاوفها وهواجسها، سواء كانت في حالة يرثى لها، او عندما تكون سعيدة وواثقة. "فعندما تحطّمت الطائرة الاثيوبية في بحر لبنان، شعرت بكثير من التعاسة وبكثير من الغضب، واكتفيت بالسؤال التالي عبر الفايسبوك "اي نوع من الآلهة يسمح بحدوث ذلك؟"، لتنهال علي عشرات التعليقات من كل حدب وصوب، حتى بلغت اكثر من 90 تعليقاً، تناولت معظمها مسألة العدالة الإلهية والإيمان بالله، ومن يتحمل مسؤولية هذا الحادث، وعما اذا كان الذي حدث مسألة قدرية محتومة، ام خطأ بشري عارض". وتضيف: "تلقيت حينها عشرات الاتصالات التي وجدت في سؤالي الكثير من المعاني والكثير من الغضب والرفض لفكرة الكارثة بشكل او بآخر".

باختصار..."الله يخليلنا الفايسبوك" لأنه مكان "بيفش الخلق"، ويشكّل الوجه الآخر لحياتنا واسلوب عيشنا وطريقة تفكيرنا.


إدماني الدائم...له ما يبرره

يستخدم نصير محمود الفايسبوك طوال الليل والنهار لمتابعة اخبار لبنان السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فالشاب الذي يعمل في المملكة العربية السعودية في مجال الهندسة، وجد في الموقع الاجتماعي هذا وسيلة اساسية تقصّر المسافات، وتقرّبه من مجتمعه ووطنه الذي تركه لكسب لقمة العيش بحثاً عن مستقبل افضل، "ولهذا استخدم الفايسبوك لفترة طويلة نسبياً، نظراً لأنه الوسيلة الاساسية والوحيدة للتفاعل مع الاصدقاء بشكل يومي وعلى مدار الساعة".

تعرّف نصير الى عدد كبير من الاصدقاء الجدد، الا ان الطريقة التي يعتمدها في قبول الصداقات، "يجب ان تكون مدروسة ومبنية على قواسم واهتمامات مشتركة، مما يسمح بتبادل الافكار والتحاور الراقي".

يعلّق نصير على مجريات الاحداث اللبنانية، وينتقد عبر ما يكتبه وينشره من مواقف، حال بلده الأم، وتعاطي رجال القرار فيه، "والصراعات السياسية التي تدور في حلقة مفرغة منذ سنوات".


يعتبر نصير ان "ادمانه الدائم" على الفايسبوك له ما يبرره، لما للبعد والغربة والشوق الى الوطن من اسباب كافية تجعله يستخدم هذا الموقع اكثر من غيره.


أهرع فور استفاقتي لتفقّد الفايسبوك

الادمان عند ريتا ونصير لا يقل عما تعانيه ايمان بشير من "هوس". اذ تتصفّح هذه الشابة الفايسبوك كل يوم فور استفاقتها من النوم، لتغدو احدى "اشرس" مناصري مبدأ "الفايسبوك اولاً" بدون اي منازع. "فالمسألة عندما تعتاد عليها، تصبح فعلاً ونشاطاً لاواعياً واوتوماتيكياً، لدرجة اني اهرع الى "الكومبيوتر" في ساعات الصباح الاولى لأتفقد عنواني، اضافةً الى رصد اخبار هذا وذاك".



تجد "جدار" ايمان مليء بالمواقف السياسية والاقتصادية والشخصية الثائرة على العادات والتقاليد والواقع السياسي اللبناني والعربي، لتعبّر عن رأيها بحرية تامة، فتكتب عن الطائفية والاقطاعية والمحسوبية والاصطفافات المذهبية السائدة في البلاد. حتى انها نشرت مقالة لافتة منذ شهرين، روت فيها تجربة خروجها مع شاب مغاير لرأيها السياسي لأول مرة، وكيف تعايشت مع طريقة تفكيره وتحليله وفهمه "الذي لا يطاق" في مقاربة الواقع الحالي. لتعلن في ختام مقالتها انها لن تخرج مجدداً مع شاب متعصّب وفاقد للرؤية السياسية الصحيحة، لأن ذلك يسبب لها نوعاً من الكآبة و القرف في آن، على رغم انها لا تتخذ من الاختلافات السياسية معياراً للعلاقات العاطفية".


الفايسبوك... انه كل شي بحياتي

يبدو ان ايمان تحبّ المشاكسة على الفايسبوك. ففي كثير من الاحيان تقوم بنشر صورة معبّرة ذات مغزى سياسي، لتبدأ التعليقات الحامية من هنا وهناك، "حتى وصل النقاش في احدى المرات الى حدود الاشكال الالكتروني الحاد على خلفية تباين وجهات النظر بين المشاركين على صفحتي".


"الفايسبوك ليس الاداة الاساسية... انه كل شي بحياتي". هكذا تختم ايمان حديثها المشوّق عن تعلّقها "بالموقع الازرق"، ولكنها شاءت ان تخبرنا عن بعض المواقف التي سببت لها احراجاً شديداً اثناء استخدامها ايّاه، "ففي كثير من الاحيان يظهر بعض الاشخاص والاصدقاء "من زمن الماضي" الذي لا احبّذ اعادة التواصل معهم، فيعمدون الى الكتابة على "جداري"، وطرح الاسئلة السخيفة والتقليدية، وهو امر يستفزني ويشعرني باحراج شديد يجبرني على رد التحية واعادة التواصل معهم رغماً عني".


البوكر ... اكثر من ادمان
يضاف الى كون الفايسبوك شبكة اجتماعية للتعارف وكسب الصداقات، تتفشى ظاهرة "ادمانية" سريعة النمو على هذا الموقع. اذ يقضي مئات الآلاف من المستخدمين معظم اوقاتهم مسمّرين على طاولات مستديرة افتراضية، يلعبون عليها البوكر لساعات عديدة طوال تمتد في بعض الاحيان لاكثر من 24 ساعة متواصلة. فمنهم من يحقق ارباحاً طائلة في رصيده مستفيداً من الخبرة المتراكمة من جراء خوض المعارك والرهانات اليومية، ومنهم من تلحقه خسارة فادحة قد تقفده رصيده الافتراضي، وتخرجه من دائرة اللعبة. لتنتقل طاولات الورق والمراهنات والفتيات الجميلات، من قاعات الكازينوهات الفاخرة، الى شاشات صغيرة افتراضية، تأخذك الى قلب الحدث، دون اي عناء يذكر (عدا حرق الاعصاب لساعات).


هذا هو حال هشام عنداري الذي خرج من احدى مقاهي الانترنت في حالة عصبية شديدة، "فبعد اكثر من 8 ساعات من اللعب والمراوغة والصبر، لم استطع استرداد المبلغ الذي خسرته بالامس في لعبة البوكر، والذي تجاوز اكثر من 500 الف دولار في اقل من يومين، وهو امر مؤسف للغاية، خاصةً وانك تواجه فئة لا توازي خبرتي وحرفيتي في اللعب والمناورة، الا ان الحظ هذه المرة لم يحالفني ولم يقف الى جانبي مع الاسف".


الفارم فيل....ومواسم الحصاد

وعلى المقلب الآخر، و بعيداً من "قاعات البوكر" المليئة بالمدخنين، ينشط عدداً من "المزارعين والفلاحين" في عدد من الحقول الواسعة. تراهم قبل شروق الشمس، "مسلّحين" بالمعاول والمراكيش وحبوب الزرع، متّجهين الى حدائقهم للاعتناء بمزروعاتهم على مدار الساعة... انها "الفارم فيل" التي تتحدى الملل، وتحرق الوقت، وتبني الامجاد والقصور الرملية من لا شيء. الامر الذي جعل السيدة مي معتوق تمضي اكثر من نصف نهارها تعتني بزهورها وشتولها والورود التي تزرعها، "على امل ان تكبر هذه المزرعة، وتتكاثر فيها انواع الخضار والفاكهة والحشائش على انواعها، لأننا نحصد ما نزرع، وبقدر ما نعطي الاهتمام والعناية الكافية، بقدر ما نحصل على افضل النتائج الممكنة والمتوقعة".

استفاقت فجراً...لري المشاتل الافتراضية

نسأل السيدة معتوق، المتزوجة ولها ولدان عن سبب ادمانها على "الفارم فيل"، فترد ذلك الى حالة الفراغ التي تعيشها طوال ايام الاسبوع "بفعل تواجد عمر ومجد في المدرسة"، ولكنها لا تخفي انها عانت من هوس بسبب هذه اللعبة منذ فترة ليست ببعيدة، "ففي احدى الايام استفقت فجراً لأستكمل ريّ المشتل الجديد الذي زرعته من القرع والبندورة خوفاً من تلف الموسم (تضحك)".


...والادمان مستمر

بين مزارع الفارم فيل الواسعة والنضرة، وكازينوهات اللعب والمراهنات الضخمة، وبين صرعة الصور والستاتوس والمجموعات السياسية والثقافية والتسويقية، هذا فضلاً عن الخدمات الخاصة من "التبصير والتنجيم"، الى "الابراج اليومية"، و "صورة اليوم"، و"المقابلة الاجتماعية"، يبدو ان الادمان على الفايسبوك سيستمر ولن يتوقف. فهل نحن مقبلون على حالة ادمانية مستعصية تصيب العالم؟...الجواب على الفايسبوك، والرجاء التعليق.

Total time: 0.0512