أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

على عبد الله صالح لم يُهزم بعد

- خيرالله خيرالله
يقترب اليمن من مرحلة مصيرية يتقرر فيها مستقبله على غير صعيد، بما في ذلك بقاؤه دولة موحدة. هل من انتقال سلمي إلى السلطة في ضوء توازنات القوى على الأرض، أم هناك من يريد أن يركب رأسه وتجاوز هذه التوازنات؟ فما حصل في اليمن يوم الجمعة الواقع فيه الثالث من يونيو الجاري، كان محاولة انقلابية بكل معنى الكلمة. استهدفت المحاولة التخلص جسدياً من الرئيس في غياب القدرة على التخلص من نظامه ومن القدرات العسكرية التي يمتلكها. لم تكن المحاولة الانقلابية ممكنة من دون تواطؤ من داخل القصر، أي من «دار الرئاسة» حيث كان علي عبدالله صالح يمضي معظم وقته وحيث كان يستقبل زواره يحيط به كبار مساعديه الذين اصيب معظمهم بجروح. من كان يمكن أن يتآمر على علي عبدالله صالح من داخل «دار الرئاسة»؟ الجواب المنطقي أن لا بدّ من أن يكون حصل اختراق ما للحرس لأسباب مرتبطة بالتجاذبات بين أفراد المنطقة التي ينتمي إليها الرئيس وهي سنحان. لا بدّ من الإشارة هنا إلى أن معظم أفراد الحرس الموجودين في «دار الرئاسة» ينتمون إلى سنحان.
المهمّ أن أعداء علي عبدالله صالح سجلوا نقطة ثمينة عليه. فقد اضطر الرجل إلى مغادرة صنعاء إلى المملكة العربية السعودية بهدف العلاج. وهذا لم يكن ممكناً لولا التفجير الذي استهدف مسجد «دار الرئاسة» ذات المساحة الشاسعة والتي تحميها قوات من الحرس الجمهوري تحت إمرة الرئيس نفسه ونجله العميد أحمد والأقرباء المباشرين وضباط من سنحان ومن مناطق قريبة منها لم يكونوا جميعاً مخلصين مئة في المئة لعلي عبدالله صالح. إضافة إلى ذلك، هناك حماية لـ «دار الرئاسة» من الجبال المشرفة عليها حيث توجد مواقع عسكرية محصنة قادرة على قصف من يتجرأ على شن هجوم مباشر على الدار. باختصار شديد، اعتمد أعداء علي عبدالله صالح المكر للتخلص منه ومن نظامه. السؤال الآن هل استطاعوا ذلك؟
الجواب أنه لا يزال باكراً التكهن بما إذا كان الرئيس اليمني سيعود إلى صنعاء أم لا؟ الثابت أنه اصيب بجروح وحروق اضطرته إلى مغادرة البلد. لكن الثابت أيضاً أن لا خطر مباشراً على حياته وأن الكلام الأميركي عن طبيعة الإصابات مبالغ فيه إلى حدّ ما وهو كلام سياسي قبل أي شيء آخر يستهدف ممارسة ضغوط على علي عبدالله صالح والمحيطين به. فإلى إشعار آخر، لا يزال المساعدون المباشرون للرئيس اليمني، من الذين يتحكمون بالعسكر والأمن، يسيطرون على «دار الرئاسة» وهم على علاقة جيدة بنائب الرئيس اللواء عبدربه منصور، الذي يتولى مسؤوليات الرئيس موقتاً، وينسقون معه. الأهمّ من ذلك، أن القوات التي لا تزال بإمرة علي عبدالله صالح قادرة على الدفاع عن «دار الرئاسة» وعن العاصمة اليمنية بشكل عام. في ضوء هذا الواقع، يبدو السيناريو المحتمل الذي يعمل عليه الأميركيون تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كل الفئات والمناطق بما في ذلك الحوثيون و«الحراك الجنوبي» الذي يقود منذ ما يزيد على عامين حملة تستهدف تأكيد رفض المحافظات الجنوبية للنظام القائم وحتى الانفصال. مثل هذه الحكومة التي سيتمثل فيها الحزب الحاكم والمعارضة أيضاً يمكن أن تمهد لحوار وطني واسع في ظل هدنة حقيقية تسمح للمواطنين العاديين بالتقاط أنفاسهم.
في حال كان مطلوباً تلخيص الأحداث التي مرّ بها اليمن في الأسبوعين الماضيين بدءا بالمواجهة المكشوفة بين الرئيس من جهة وشيخ مشايخ حاشد صادق الأحمر واخوته واللواء علي محسن الأحمر قائد الفرقة المدرعة الأولى، وهو من قرية الرئيس (بيت الأحمر) من جهة أخرى... وصولاً إلى محاولة اغتيال علي عبدالله صالح، في الإمكان القول أن الرئيس اليمني تلقّى ضربة قوية لكنه لم يُهزم بعد. مجرد بقائه على قيد الحياة واحتمال عودته إلى صنعاء يشكلان دليلاً على أنّه لا يمكن تمرير أي تسوية من دون أخذه في الاعتبار. بكلام أوضح، لا يزال علي عبدالله صالح لاعباً في اليمن نظراً إلى أنه لا يزال موجوداً على الأرض وممسكاً بمعظم صنعاء. من هنا يصعب القول أن في الإمكان تجاوز الرجل والقوات الكبيرة التي لا تزال بإمرته فضلاً عن شبكة المصالح المرتبطة به وهي متنوعة ومتشعبة.
ما لا يمكن تجاهله أن أي سلطة جديدة في اليمن، بعلي عبدالله صالح ومن دونه، ستجد نفسها أمام مشاكل معقدة لا حلول لها من دون مؤتمر إقليمي أو دولي يبحث في وضع البلد ككل. من الأسئلة المطروحة على سبيل المثال وليس الحصر ما العمل بالحوثيين الذين باتوا يسيطرون على مناطق شاسعة في شمال اليمن، كيف يمكن إعادة اللحمة مع الوسط حيث الكثافة السكانية العالية ومدينة تعز التي باتت ترفض أن تكون خاضعة لصنعاء، ما العمل بالجنوب ومحافظاته، هل يبقى الجنوب نفسه موحداً أم تقوم دولة مستقلة في حضرموت، ما العمل بـ «القاعدة» التي تسيطر على مناطق معينة بينها مدينة زنجبار عاصمة محافظة ابين مسقط رأس نائب الرئيس الحالي؟
هذه الأسئلة مجرد غيض من فيض. حتى مشكلة المياه في صنعاء تبدو غير قابلة للحل. تضاف إليها مشكلة الصرف الصحي التي تبدو مستعصية. هناك مشاكل أخرى متنوعة على الصعيد الوطني بدءا بالتعليم ومستواه المتدني وصولاً إلى الزراعة والقات والنمو السكاني والتطرف الديني والجامعات الدينية التي لا تنتج سوى متطرفين والبطالة... ووضع المرأة!
في الإمكان التلهي إلى ما لا نهاية بسؤال من نوع هل يعود علي عبدالله صالح إلى صنعاء أم لا؟ هناك ما هو أبعد من ذلك بكثير. هل في الإمكان الحؤول دون أن يكون اليمن دولة فاشلة أم لا، هل لدى المجتمع الدولي ما يقدمه لقطع الطريق على هذا الاحتمال المخيف بانعكاساته على كل دول المنطقة؟


كاتب لبناني مقيم في لندن

Total time: 0.0527