أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

عطوان: كيف فرض بوتين حليفه الاسد على العرب والامريكان؟ وهل ستنتهي الحرب فعلا ويحل السلام؟

- عبد الباري عطوان
من المبكر جدا الاغراق في التفاؤل تجاه قرار مجلس الامن الدولي الذي صدر في ساعة مبكرة فجر السبت بالاجماع ويضع خريطة طريق لحل سياسي للازمة السورية، يوقف الحرب “جزئيا”، ويحقن دماء السوريين او بعضهم، فالطريق ما زال طويلا، والعقبات كبيرة، ولكنه، اي القرار الاممي، يظل خطوة مهمة جاءت نتيجة صفقة روسية امريكية جرى طبخها في فيينا، ونضجت في موسكو، اثناء الزيارة الاخيرة لجون كيري وزير الخارجية الامريكي.
 
اللافت ان الحذر هو العنوان الرئيسي لمواقف جميع الاطراف، بما في ذلك السوريون انفسهم، حكومة ومعارضة، و”شعوب” ايضا، فقد غابت مظاهر الاحتفال تجاه اتفاق “تاريخي” كهذا، من المفترض ان يضع حدا لحرب استمرت خمس سنوات، واسفرت عن مقتل 250 الف انسان من جانبيها، وتدمير البلد بشكل شبه كامل.
 
ومن المفترض ان يعيد هذا الاتفاق مئات الآلاف من اللاجئين الى مدنهم وقراهم، ولعل غياب الاحتفال والفرح بالتالي، عائد الى حالة من “الصدمة” التي تسود الاوساط الحالية، فالرهان على عدم الاتفاق، والشكوك في امكانية نجاحه، ما زالت القاسم المشترك لدى الاغلبية الساحقة من السوريين.
 
***
العامل الحاسم، او كلمة السر، التي ادت الى ولادة هذا الاتفاق، وبالصورة التي جاء عليها، في رأينا، بعد اجتماعات “ماراثونية” في جنيف وفيينا ونيويورك وعواصم غربية عديدة، هو اتفاق الدولتين العظميين مع عدم تطرق القرار الاممي الى مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد، او بالاحرى، تأجيل البث في هذه المسألة الحتمية لمراحل لاحقة، وهذا في حد ذاته “انتصار” كبير للدبلوماسية الروسية وحلفائها في ايران ودمشق ودول “البريكس″، وتنازل كبير من الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين والعرب والاتراك.
 
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في فرض وجهة نظره بالقوة العسكرية اولا، والمناورات الدبلوماسية ثانيا، وبلغت القوة العسكرية ذروتها عندما ارسل قواته وطائراته وصواريخه من طراز “اس 400″ الى سورية لفرض امر واقع، وتأكيد جديته في منع سقوط نظام حليفه بشار الاسد، وكان واضحا جدا في مؤتمره الصحافي السنوي الذي عقده في موسكو بحضور 1500 صحافي قبل يومين، واكد فيه ان الشعب السوري هو الذي يقرر مصير رئيسه، وانه لن يسمح لاي احد بفرض رئيس في سورية، وان زمن الانظمة ولى الى غير رجعة.
 
القرار الاممي الجديد اخرج العرب كليا من الازمة السورية، واكد تدويلها، وربما هذا ما اراده المعارضون للرئيس الاسد ونظامه في بداية الازمة، عندما ذهبوا وجامعتهم العربية الى مجلس الامن الدولي قبل اربع سنوات لطلب التدخل العسكري، واصطدموا بـ”الفيتو” الصيني الروسي المزدوج، ولكن التدويل الذي اراده العرب بزعامة السعودية وقطر وتركيا، كان على غرار نظيره في ليبيا، اي ان تتدخل قوات حلف “الناتو” وطائراته بإسقاط الرئيس السوري بغطاء اممي، في اكبر عملية سوء تقدير سياسي في السنوات العشرين الماضية.
 
التدويل الجديد للازمة السورية وضع حدا لاي تدخل عسكري او مالي للدول العربية المطالبة برحيل الاسد مثل السعودية وقطر، لان اي دعم سيفسر على انه انتهاك لهذا القرار، وبات اي دور للمثلث السعودي التركي القطري محصورا في الاشتراك في الحرب المقبلة ضد “الدولة الاسلامية”، و”حبهة النصرة”، والجماعات المصنفة على قائمة الارهاب.
 
ومن المفارقة ان المهمتين الرئيسيتين اللتين حددهما مؤتمر فيينا، لكل من السعودية في تشكيل وفد المعارضة السورية للمفاوضات مع النظام، والاردن لتحديد الجماعات الارهابية، جرى سحبهما منهما، وعدم الاخذ بمعظم توصياتهما.
 
اجتماع الرياض للمعارضة السورية استثنى الاكراد وبعض فصائل المعارضة الاخرى، مثل حلفاء مصر الممثلين في تيار “قمح” الذي يقوده الدكتور هيثم مناع، وجرى اختيار رياض حجاب رئيس وزراء سورية المنشق رئيسا لهيئة التنسيق العليا، وربما الوفد المفاوض، تميهدا لاعداده كرئيس بديل قادم لسورية، ولكن هذا الاختيار يواجه معارضة شديدة، من النظام ومعظم المعارضة، وعلمنا انه سيتم اضافة شخصيات سورية معارضة من الداخل والخارج للوفد المفاوض، على رأسها السيدان هيثم مناع، وصالح مسلم، زعيم الحزب الديمقراطي الكردي السوري.
 
ان مهمة تحديد الجماعات السورية الارهابية التي جرى تكليف السلطات الاردنية بها، جرى سحبها من الاردن وتكليف لجنة تحت اسم مجموعة عمل دولية لاعداد قائمة جديدة بشأن الجماعات الارهابية، تضم روسيا وايران وسلطمة عمان ومصر وتركيا، علاوة على الاردن، وربما يكون هذا التحول في مصلحة الاردن، واخراجا له من مصيدة تشكل احراجا، وتخلق عداوات هو في غنى عنها.
 
الانظار، او بالاحرى، الجهود الاممية ستتركز الآن على كيفية محاربة الجماعات الارهابية، و”الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص، باعتبار ان هذا الهدف بات يتصدر سلم الاولويات لاكثر من مئة دولة بقيادة الدولتين العظميين، ثم بعد ذلك ضمان نجاح مفاوضات تحديد المرحلة الانتقالية وصلاحياتها بين وفدي النظام والمعارضة.
 
الحكومات العربية التي ضخت مليارات الدولارات، وآلاف الطنان من الاسلحة للمعارضة لاطاحة النظام السوري، طوال السنوات الخمس الماضية، منيت بخيبة امل كبيرة، لان هذه الاموال ذهبت سدى، ولانها ستجد نفسها متهمة بدعم الارهاب، ومطالبة بتعويضات مالية بمئات المليارات لاعادة تعمير سورية، في وقت تعاني فيه ميزانياتها من ازمات مالية، وعجوزات، نتيجة استمرار انخفاض اسعار النفط الى ما دون الاربعين دولارا للبرميل، ومرشحة للهبوط الى 25 دولارا في الاشهر المقبلة.
 
***
التصريحات غير المفاجئة والمتوقعة، للزعماء الغربيين، مثل الرئيس الامريكي باراك اوباما، ولوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي، وفيليب هاموند نظيره البريطاني التي تطالب برحيل الاسد لانه قتل شعبه ودمر بلاده، لا يمكن ان تكون عنصر توحيد، لانها تصريحات لذر الرماد في العيون، وللعق جراح الهزيمة، ومحاولة لارضاء حلفائهم العرب الذين يواجهون التهميش، ويعانون من طعنات خناجر الخديعة المسمومة.
كلمات الوزير الامريكي جون كيري في مؤتمره الصحافي فجر السبت الني قال فيها “ان هذا الاتفاق لا يعطي الشعب السوري الخيار بين الاسد وداعش.. وانما بين الحرب والسلام”، ربما كانت الاكثر تعبيرا عن الصفقة الروسية الامريكية ومضمونها، ولكن من الصعب علينا ان نغرق في التفاؤل حول امكانية تحقق هذه النبوءة في المستقبل المنظور، ولكنها بداية لا يجب التقليل من اهميتها.
 
العام الجديد سيكون “عام سورية”، وعنوانه الابرز سيكون “الدولة الاسلامية”، الى جانب عناوين فرعية مثل، السلام.. المفاوضات.. المرحلة الانتقالية.. الصلاحيات.. البدائل.. الاضافات.. واخيرا “الصحوات” الدولية والعربية، التي ستحل محل “الصحوات القلبية” التي اسسها الجنرال بترايوس في العراق عام 2007 لقتال “القاعدة”، ولكن هذه المرة لقتال “الدولة الاسلامية” و”جبهة النصرة” واخواتهما.
 

Total time: 0.0633