أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

طرفا الحرب في اليمن واستحالة التسوية السياسية

- عبدالوهاب العمراني *
اللافت أن كثيراً من المحللين والكتاب يتناولون الشأن اليمني بعد جولتين من التفاوض ونحو عشرة أشهر من حرب مستعرة فقط من زاوية رفع العتب آو التغني بالسلام لأن مفردة السلام تطرب بداهة من يعاني تبعاتها وتأسر عواطفهم التواقة فعلاً للأمن والسلام. ولأن التمنيات لا تتماهى غالباً بالضرورة مع واقع ما جرى ويجري، إلا أن من يُعري واقعا مُعاشا ويفضح من موقف المحايد الايجابي طرفي الصراع في هذه الحرب القذرة من دول إقليمية ووكلائهم اليمنيين قد تكون أطروحاته غير مستساغة لان الحقيقة فعلاً مرة!
 
من يقرأ تلك التحليلات يدرك بأن اغلب تلك الكتابات نمطية وشكلية ولا تبحث فيما وراء الأسباب وكما يقال لا تضع النقاط على الحروف. تتكلم عن السلام وضرورة الحوار وكأن ما حدث خلال ما يقارب العشرة أشهر مجرد خلاف سياسي ليس إلا وليس حربا دامية ستضع بصماتها لعقود قادمة.
 
فمنذ جنيف الأولى ولقاء سويسرا الأخير الشهر المنصرم كانت مؤشرات الفشل واضحة فالبون شاسع لان الفريقين على تضاد تام فطرف يتغنى بالقوة ويتاجر بالقضايا الإنسانية والطرف المقابل صحيح شرعي ولكنه بقيادة ضعيفة مع أن الحق والنتيجة ستكون لصالحه فقط عامل الزمن ومزيدا من العذاب والدمار.. هذا ما يستطيع عمله تحالف صالح والحوثي.
 
الكتابة بتنظير مسهب ومن أبراج عالية وبكلام دبلوماسي منمق قد لا تكون هي المعبِرّ الحقيقي عن الحالة اليمنية التي هي صراع بين جهة مغتصبة للسلطة وليست حتى بانقلاب فتعريف الانقلاب معلوما بأنه يأتي من صلب النظام السياسي فينشق عليه بحجج ومبررات معينة وقد يلقى قبولاً أو العكس. ولكن ما حدث في 21 سبتمبر من العام 2014 ليس بانقلاب بل اغتصاب للسلطة من ميليشيا خارج إطار الدولة تعيش خارج الزمن وتسير عكس حركة التاريخ والمنطق.
 
فالمبعوث الدولي مجرد موظف أممي يعكس طبيعة مواقف هذه المنظمة والتي في معظم مواقفها تجاه البؤر الساخنة فشلت في كثير من الحالات فولد الشيخ يتحرك بما يُملى عليه، فتصريحه قبل يومين يختلف عما اعلنه في مؤتمر صحفي مصغر في صنعاء الأسبوع الماضي. وهذا يؤكد صحوة متأخرة للمبعوث الدولي رغم التهليل والتفاؤل الكاذب للحوثيين، فحسب تصريح ولد الشيخ فأن الإعداد السابق خاطئ وأنتج فشلا ملموسا بغض النظر عن ديماغوجية إعلام طرفي الانقلاب.
 
الواضح ان كلا طرفي الحرب ومن يمثلهم في أي حوارات ينصاعون بضغوط خارجية دولية وإنسانية داخلية، ولكن في حقيقة الأمر لا يريدان السلام إلا كل وفق مشيئته. فالحوثيون هم المستفيدون من أي حوار ومهما كانت نتيجته لأنه وبأي نتيجة قد تبقي لهم دورا سياسيا وربما تعفيهم من محاكمة مستقبلية. بينما الخاسر في أي حوار هو الشعب اليمني إذا كان وفق تلك الروئ المتباينة، وعليه فقد كتبت مقالة غداة جنيف الأولى عنوانها "نجاح جنيف يكمن في فشله". وهو الأمر نفسه اليوم. فنجاح أي حوار يكمن في فشله وتعثره لان أي حوار على هذه الشاكلة هو مضيعة للوقت وضحك على الذقون ولعب بعواطف اليمنيين والمتاجرة بآلامهم.
 
وأطروحات طرفي الصراع في اليمن توحي بخلاف ما يصرحون به بمعنى أن كلا الجانبين أستهوتهم الحرب وكل في نيته القضاء على الطرف الآخر، وبأي ثمن!
 
وقد أثبتت الأحداث استحالة ذلك عسكريا لتوازن القوة من جهة والذي نتيجته إستمرار وتيرة المعاناة اليومية ولاسيما في تلك المناطق التي يسيطر عليها الطرف الانقلابي المتمرد على الشرعية.
 
من ينكل بشعبه نيابة عن قوى خارجية ويستقوي بمقدرات الدولة التي اغتصبها في غفلة من الزمن وبدعم من يفترض أن الثورة قامت ضده ومن شن عليهم ستة حروب تحريك وليست تحريرا، ومن يحاصر مدينة يمنية كبرى كتعز لشهور ويتخذ منها ورقة مساومة هو بهكذا تصرف يتذاكى على شعب ثار قبل أكثر من نصف قرن هي فعلا حقيقة يتجاهلها حكام الأمر الواقع وسلطة الغلبة في صنعاء.
 
كيف يمكن للأمم المتحدة او أي جهة إقليمية محايدة ان تضمن وقف إطلاق النار، واحد طرفي الحرب ليس بدولة أصلاً مجرد ميليشيا قفزت على الإجماع وأعادت خلط الأوراق ولا يهمهم سوى اقتسام السلطة والخروج من هذه الحرب بحصة من السلطة. وكيف يمكن إذاً وقف إطلاق النار، وكل هؤلاء خارج السيطرة خصوصا ان لا احد يضمن -ايضا- ان العواصم المرجعية لبعض الجماعات تريد وقف أطلاق النار حقا!
 
يمكن القول إن الكلام عن وقف إطلاق النار مجرد هلوسة دبلوماسية، إذ في جبهات القتال مرتزقة من الطرفين من إيران ولبنان وعشر دول من التحالف وبداهة فأن توتر العلاقات بين طهران والرياض والذي أفضى لقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما سيلقي بضلالها على أي حل سياسي محتمل ومفترض في اليمن.
 
لطالما ردد الحوثيون مقولة السلام يصنعه الميدان، وهذه رؤية حقيقة وواقعية وفي الغالب لا منطق يعلو عن هذا، لان ما أخذ بالقوة بداهة لا يعاد إلا بالقوة، فمنطق الحوثيين هو القوة والاستقواء بالخارج.
 
لن يعد هناك أمل في حل سلمي على ما يبدو وكأن اليمن بحاجة لمعجزة مع أن زمن المعجزات فقط في أساطير الأولين.
 
اليمنيون يسيرون وراء سراب السلام كمن يتشبث بقشة فالحرب إذا لم تحسم خلال بضعة أشهر فأن اليمنيين يسيرون وراء سراب أمل السلام، فلولا السراب لمات الضمآن يأساً!
 
حيث يعولون بأوهام تتلخص في ثلاثة أمور:
 
الأولى هو فك الارتباط بين الحوثيين وبين من حاربهم ستة حروب، وحتى لو لم يتم ذلك فأن الحوثيين زائلون لان الثورة قد اشتعلت في كل اليمن.
 
الأحتمال الآخر هو ان تكف السعودية بوساطات عن الحرب وتخرج من المعادلة بضمانات (لحماية أمنها القومي كما تقول) وحتى لو كفت قد لا تتوقف الحرب في اليمن لان مفردة "العدوان" كان مفعولها كالسحر لطرفي الانقلاب عندما وحد الجبهة الداخلية مؤقتاً وفي إقليم أزال تحديداً بالنظر للاعتبارات الاجتماعية من جهة ولان التحالف يكثف عدوانه على مدن آمنة في اعالي اليمن أي شمال الشمال، بينما كل اليمن ضد الحوثي بداهة ضد طرفي الانقلاب.
 
التعويل أو الأمل الثالث هو أن تداعيات الاتفاق الإيراني مع الدول الكبرى قد يتم بضغوط أن تكف عن تدخلها في اليمن وسواء تخلت عن الحوثيين ووقف الدعم او حتى استمر الدعم. فالثورة والتذمر الفعلي عمليا قد بدأا وملامح تتجسد في تكوين مجالس مقاومة في أكثر من منطقة بما فيها العاصمة صنعاء. فاليمن كله يغلي وكلما طال أمد الحرب فهذا ليس في صالح طرفي الانقلاب لان جرائمهما تتكاثر والحقد عليهما يتوسع. فاليمينون ناقمون ضد من قفز على الإجماع وفتح ابواب جهنم. فليس فقط دمار وخراب وتجويع وحصار وجلب العدوان الخارجي بل الأخطر هو تفكك النسيج الاجتماعي وغدا الجميع يكره الجميع. فخراب البنيان أهون من هدم الإنسان.
 
 
 
* دبلوماسي يمني وكاتب سياسي
المصدر : ميدل ايست اونلاين

Total time: 0.0433