تبرز منطقة أرحب، شمال شرقي العاصمة اليمنية صنعاء كساحة خلفية لمواجهات مسلحة مبهمة الدوافع، وإن كانت تنفرد بموقع متقدم على واجهة التصعيد المسلح لمفردات الفعل الثوري في مواجهة القوات الحكومية الموالية للنظام القائم والتي يقودها أقرباء الرئيس علي عبد الله صالح .
الوقوف على حقيقة مايحدث في مديرية أرحب، والعديد من المناطق القبلية المجاورة من تصاعد مفزع لسقف العنف والضحايا في أوساط أفراد الجيش والقبائل المناوئة قد يستدعي بالضرورة تجاوز تفاصيل الروايتين الرسمية والقبلية للأحداث وحيثياتها والعثور على مصادر مستقلة تقدم رواية أكثر مقاربة واقعية لحقيقة ما يحدث من تصعيد مسلح على الأرض .
برزت “أرحب” على واجهة الأحداث في اليمن عقب تعرض أحد أحيائها المنعزلة قبل ما يقدر بعامين لغارات جوية مباغته استهدفت منزلاً مكوناً من طوابق عدة يتوسط أحد الأحياء المنعزلة بمركز المديرية، قبيل أن تعلن السلطات الرسمية آنذاك عن مقتل 15 من عناصر تنظيم القاعدة جراء ضربات استباقية استهدفت أحد الملاذات الآمنة بأرحب، التي شهدت لاحقا حضوراً أمنيا وعسكريا لافتا .
كما عاودت أرحب الظهور مجددا على مسرح الأحداث المتصاعدة في البلاد عقب استقبالها للداعية الاسلامي المعروف والمثير للجدل الشيخ عبدالمجيد الزنداني أحد أبرز حلفاء الرئيس صالح المنشقين مؤخرا والذي اختارها دون غيرها من المديريات الأخرى كملجأ يلوذ إليه لتجنب التعرض لاعتداء محتمل قد تقدم عليه السلطة كردة فعل لانضمام الشيخ المفاجئ وإعلانه تأييد الثورة الشبابية القائمة ضد النظام لاعتبارات تتجاوز مجرد امتلاكه لمنزل في إحدى قراها، ولكن لكون “أرحب” تخضع لسيطرة أكثرية قبلية موالية لحزب التجمع اليمني للإصلاح الذي ينتمي إليه الزنداني ولعلاقاته الوثيقة بأبرز المشائخ والوجاهات القبلية النافذين بالمديرية والموالين للحزب الإسلامي المعارض .
لا يمكن قراءة حقيقة ما يعتمل من أحداث عنف متصاعدة على واجهة مشهد الصراع في أرحب بين ثلاثة ألوية من قوات الحرس الجمهوري التي يقودها النجل الأكبر للرئيس صالح وبين القبائل المناوئة للنظام والموالية في أغلبها لحزب التجمع اليمني للإصلاح المعارض، بمعزل عن مفردات التصعيد المقابل والمتزامن في اتجاهات الفعل الثوري المغاير الذي بادرت إلى اجتراحه العديد من القبائل الموالية للحزب في مناطق كمأرب والجوف وعمران من خلال السيطرة بالقوة على مواقع عسكرية تابعة لقوات الحرس الجمهوري والتصعيد الأخير الذي عبر عنه العديد من القبائل المنضوية في إطار ما يسمى “تحالف قبائل الجوف ومأرب”، عبر إصدار بيان تضمن الإعلان عن إباحة قبائل التحالف “الاستحواذ على أي ثكنات تابعة لقوات الحرس الجمهوري تتواجد في أية منطقة من المناطق كرد على تصعيد هذه القوات للعمليات العسكرية الموجهة ضد قبائل أرحب ونهم” .
وصف الناشط الاجتماعي بعمران عبدالسلام أحمد مجلي في تصريح ل”الخليج” التصعيد في أحداث العنف والاقتتال بين ألوية الحرس الجمهوري والعديد من القبائل المسلحة في كل من مديريتي أرحب ونهم بأنه “يمثل انعكاسا لمنحى التطورات الطارئة والحادة في مسار الأزمة السياسية القائمة في البلاد”، معتبرا أن المواجهات المسلحة المتصاعدة بين قوات الجيش ومسلحي القبائل في كل من أرحب ونهم بدأت في شكل ردة فعل ثورية بادر في اتخاذها بعض القبائل الموالية للثورة والمعروفة بانتماء وجاهاتها القبلية المؤثرة لحزب الإصلاح لمنع اللواء 62 التابع للحرس الجمهوري من مغادرة ثكناته باتجاه العاصمة صنعاء .
وأرجع الناشط الاجتماعي مجلي الذي يعد أحد أبرز الوجاهات الاجتماعية بعمران التي بادرت حشد الأصوات المناهضة لاستمرار المواجهات القائمة بمديريتي أرحب ونهم، التطور المتصاعد في مسار ونطاق الاشتباكات المسلحة المحتدمة في كل من أرحب ونهم إلى ما وصفه ب”التحول في طبيعة هذه المواجهات ودوافعها من ردة فعل ثورية محدودة التأثير والتداعيات والنطاق إلى حرب عنيفة وواسعة النطاق والتداعيات نتيجة إصباغ بعض القوى الثورية المؤثرة وبخاصة حزب الإصلاح حالة من الشرعية الثورية على مهاجمة وضرب ثكنات قوات الحرس الجمهوري باعتبارها قوات تخضع لقيادة العميد أحمد نجل الرئيس علي عبد الله صالح” .
إكساب شرعية ثورية على ممارسات حمل السلاح ضد القوات الحكومية الموالية للنظام القائم دشن كتصعيد طارئ في مفردات الأزمة السياسية القائمة عقب الانتشار الواسع والمباغت لمجاميع قبلية مكثفة ومسلحة من أتباع زعيم قبيلة حاشد الشيخ صادق الأحمر في معظم أحياء وشوارع منطقة “الحصبة”، إحدى أكبر مديريات العاصمة والذين تم استدعاؤهم من قبل الأخير من منطقة “العصيمات”، المعقل رئيسي لزعيم كبرى القبائل اليمنية بعمران، قبيل أن تشهد ذات الأحياء والشوارع اندلاع شرارة حرب عنيفة استخدم فيها أتباع الأحمر الأسلحة الثقيلة والخفيفة في مواجهة القوات الحكومية للسيطرة على كافة المنشآت والمقار الحكومية الكائنة بالمديرية بما فيها مقر وزارة الداخلية ومقرات أقسام الشرطة .