أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

مفاوضات الكويت وإنجازاتها المبكرة

- ياسين التميمي

تذهب الحكومة هذه المرة إلى جولة المفاوضات المقبلة في الكويت، متسلحةً بانتصارات ميدانية، تقابلها مواقف أكثر ليونة من جانب الطرف الانقلابي، الذي يبدو أنه يستحث الخطى نحو المفاوضات، وما قد تحمله من وعود بإمكانية بقاء شريكي الانقلاب في المساحة السياسية التي غادروها في يناير 2015، عندما بدأوا أولى خطواتهم باتجاه الإطاحة بالرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي.

الانتصارات العسكرية التي تحققت في الجوف ومأرب وميدي وحرض، تدل بوضوح على حجم الضغط العسكري الذي يمارسه الجيش الوطني ومعه المقاومة ومن خلفهما التحالف على الانقلابيين، في مناطق كانت حتى الأمس معاقل حصينة، ليس فقط لأنهم يسيطرون عليها عسكرياً ويمتلكون القدرة على التحكم بصيرورة المعركة فيها، بل أيضاً لأن لهم في بعض تلك المعاقل، ظهيراً اجتماعياً، ولهذا صح أن نسميها معاقل.

سوف تتواصل المعارك على الأرجح خلال العشر الأيام القادمة التي تسبق الهدنة، وخلال هذه الفترة يمكن للجيش الوطني أن يحقق نتائج ميدانية مهمة، كالتي حققها خلال اليومين الماضيين في محافظتي الجوف ومأرب االمتاخمتين لصنعاء من الجهة الشرقية، وفي مديريتي حرض وميدي التابعة لمحافظة حجة، على الساحل الشمالي الغربي للبلاد.

يتوقع العديد من المراقبين بأن يدعم التحالف معركةً قريبة في تعز تعيد تحديد خارطة تموضع القوى المتحاربة في تلك المحافظة الهامة من الناحية الاستراتيجية، وهذا على الأقل ما بشر به مسئولون بارزون في الحكومة.

منطق الأحداث يعزز هذا التوقع، وإذا لم يحدث، فإن الوضع العسكري ما يزال محسوماً لصالح الحكومة الشرعية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن وضع العاصمة ربما يكون أحد الموضوعات التي ستثار في مفاوضات الكويت المقرر أن تبدأ في الثامن عشر من شهر أبريل.

في الواقع لا توجد عوائق أمام الحكومة إذا ما أرادت المضي في خط الحسم عبر الحرب والقتال، سوى الضغوط الدولية التي ربما لا تريد أن تتسع دائرة الحرب والمآسي في بلد منهك مثل اليمن.

ويقيني أن الحرب رغم مأساويتها فإنها الخيار المناسب لإنهاء الوضع السيء الذي قاد إليه انقلاب المخلوع صالح والحوثي، وكان من نتائجه أن اليمن يشهد حرباً أهلية مدمرة هي الأسوأ في تاريخه على الإطلاق.

حسم هذه المغامرة ولجمها، بالقوة العسكرية، قد تكون تكلفتها كبيرة، ولكنها لن تكون أكبر من الكلفة التي سيدفعها اليمنيون، إذا ما قررت الأطراف اعتماد تسوية سياسية مشوهة تعزز من وجود وتأثير ميلشيا مسلحة، ليس فقط بالدبابات والكاتيوشا والهاوزر والهاون والرشاشات، بل أيضاً متسلحة بأفكار شوفينية، لا ترى الآخرين جديرين بالبقاء على قيد الحياة، لمجرد أنهم لا يشاطرونها الاعتقاد بالحق الإلهي وبأن فئة من الناس مُنحت صكاً إلهياً بالحكم بدون مساءلة وبدون شراكة.

دفع اليمن ثمناً باهضاً جراء الاستئثار بالسلطة، الذي مارسه المخلوع صالح، ووظف لأجله أوراق خطيرة: جهوية ومذهبية، وألجأه إلى اعتماد سياسيات تدميرية للحياة السياسية وللنسيج الاجتماعي وللاقتصاد ولكل مظاهر الحياة.

جاء التدخل العسكري للتحالف لا ليهيئ الأرضية اليمنية لمساومات كهذه، بل جاء ليضع حداً للخطر الكامن في العقل الأعمى الذي يسيطر على ميلشيا مسلحة وجامحة، ومتصلة بمشروع إيران الإقليمي الطائفي والتفكيكي.

جاء التحالف العربي ليعيد اليمنيين إلى خط الدولة التي تمثلهم ولا تمثل بهم والتي تعزز ارتباطهم بمحيطهم العربي، وتعزز الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية مع هذا المحيط.

لست متأكداً من أن مفاوضات الكويت المقبلة ستحقق اختراقاً مهماً، ولا زلت أرى بأن أهم ما في هذه المفاوضات أنها دفعت بالانقلابيين إلى التراجع خطوتين إلى الخلف، وجعلتهم أبعد ما يكونوا عن المزاج الرافض لمنطق التسوية تحت مظلة قرار مجلس الأمن رقم 2216، وعودة السلطة الشرعية إلى البلاد، الذي ساد خطابهم طيلة الفترة الماضية.

المصدر : ياسين التميمي

Total time: 0.199