أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

فجــــــــــــــر المجلس الوطنــــــــــي

- تيار الفجر العربي

لقد تغير ت المعادلة في الأرض اليمنية ، لكن هل كان يظن عاقل أن توافق مجلس جماعي – غير فردي-  ثوري تاريخي من مشارب مختلفة وقفزاً على كل الخلافات السياسية الهامشية، هل ذلك أمر إعتيادي؟ لا نظن ذلك بل هي لحظة تاريخية فاصلة وخاصة أن المهمة والمسؤولية المنوطة هي مؤسسية حقيقية لسد فراغ سياسي وإداري، داخلي وخارجي بعد خرابة بمعنى الكلمة!! فهل في مثل هذه الظروف المركبة كان يتوقع كائن من كان أن يآتي المجلس كامل الأوصاف ؟ بل الأمر كما قال منير الماوري عضو المجس الوطني أنه من الصعب في بلد مثل اليمن أن يتم تمثيل كل القوى السياسية في مجلس واحد بلا إستثناء إلا إذا تم إنشاء مجلس يبلغ عدد أعضائه 22 مليون عضو ! ونحن نضيف على قوله أن بلداً يسكنه 25 مليون مواطن لنصف عام بلا حكومة ولا مؤسسات دولة، فهذه معجزة فضلاً عن أن هذا الشعب ظل يسير ويدبر حاله في داخل البلد وخارجه طيلة الـ 33 عاماً!

يقول البكوفيسور نيكولاس بورنز، مدير العلاقات الدبلوماسية في مركز بليفر: إن الثورات العربية هي أقوى حر كات إصلاح في التاريخ العربي الحديث ،..إذن نقول أن لا وزن لمن قال أن المجلس الوطني ولداً ميتاً بل الأصح أن نقول أن المجلس ولد بعد جراحة دقيقة، وما زال هذا المولود الخدج يحتاج بعض الأكسجين حتى يكتمل عمره ثم ينتقل إلى مرحلته الأخرى تماماً كما هي طبيعة خلق الكون الذي خلقه الله تعالى من العدم إلى أن قال تعالى كلمته ( اليوم أكملت لكم دينكم) وكان بمقدوره تعالى أن يخلق الخلق ويقول اليوم أكملت لكم دينكم، لكن هي نواميس الكون الذي لم يعقلها الكثير حتى ظنوا بالمجلس الوطني ماظنوا من شدة وقع الحدث!

وها هو المجلس الوطني يوم السبت 20 رمضان، يطور خطواته، بعد أن إستمع لمنتقديه وناصحيه وراجع إجراءاته، وهو بالأهم ليس في حاجة سوى لإنسجام أكثر لمكوناته وإلتحام شباب الثورة السلمية ، وقد تم اختيار باسندوه رئيساً للمجلس وتم إختيار البرلماني صخر الوجيه رئيساً للمكتب الفني والسيدة حورية مشهور كناطق بإسم المجلس، وأقر المجلس الوطني في أول اجتماع التواصل مع المكونات الثورية لإضافة شخصيات من المستقلين من الساحات الثورية من الرجال والنساء والحراك الجنوبي وجماعة الحوثيين، وأقر الإجتماع تشكيل لجنة قانونية لإعداد لائحة المجلس، ولجنة الموجهات الأساسية، ولجنة التواصل مع الخارج والداخل والساحات بشأن تعديل قوام المجلس .

ولا شك كما طرح الدكتور دحان النجار  فإن هناك إمكانية لتعويض وسد هذه الثغرات عن طريق تشكيل هيئات داعمه للمجلس تكون مهمتها إستشاريه تسمح له برسم سياساته على أسس علمية سليمة، وهذه الهيئات قد تسمى مجلس خبراء و مجلس إستشاري وكذلك مجلس شباب أمناء الثوره والتي تتخصص بإسداء النصيحه عند رسم السياسات الخارجية والإقتصادية والتعليمية والثقافيه ومراقبة إنجاز أهداف الثورة.

على صعيد آخر فإنه صار يبدو جلياً أن المجتمع الدولي تأخر  في القيام بمسؤوليته السياسية والأخلاقية تجاة اليمن ولو على أساس صراع المصالح ، وذلك لتأخره في إدراكه أن مصالحه الأن هي مع الشعب اليمني وعلى أساس من العلاقات المؤسسية التي تريد الثورة السلمية أن تكون مؤسسات حقيقة ، لا سيما أن القوى الدولية كانت ترمي بثقلها وتقدم الضمانات للمساعدة في التغيير والإنتقال الآمن للسلطة  ، إنما وبعد أن أطلق الثوار  مشروع الجمعية الوطنية لقوى الثورة السلمية فإن الفرصة ما زالت تنادي المجتمع الدولي لإعادة النظر في ميزان القوى الداخلي الذي يمثله الأن المجلس الوطني بصفته الإطار النضالي لتوحيد قرار قوى الثورة السلمية،  وليتبنى المجتمع الدولي مشروعاً دولياً بعد مشروع المجلس الوطني الذي أعلن كإطار لنقل السلطة إلى الثورة الشعبية الشبابية وتوحيد كل القوى السياسية في اليمن وليكون هذا المجلس هو الميزان الذي ينقل الصورة واضحة للعالم للتعامل مع الثورة الشبابية بدون أدنى شك، وصولاً إلى امتلاك الأهليه والإمكانيه والقدرة والإرادة سلمياً فذلك أفتك كما كتب الأستاذ زيد الشامي.

 وغني عن أي قول أن المجلس الموقر ولد لينقل رسالة واضحة ومباشرة بأن الشرعية ليست إمتيازاً بل مسؤولية، وإذا أنت أخليت بهذه المسؤولية فهذا يجعل من الضغوطات وإستراتيجية الإقصاء من الخارج أمراً طبيعياً ، وقد يقنن هذا التدخل في دائرة الأمم المتحدة لإضفاء الشرعة الدولية مباشرة ، لأن السكوت عن ذلك يعرض الإدارة الدولية للإساءة.. لذلك فإنه يصير بديهياً أن من متطلبات المرحلة القادمة هو الإنتقال الحقيقي والشفاف إلى مفهوم الشراكة الدولية لمصلحة البلد والمنطقة مع تحيز كلي لعلاقات تحكمها كلياً المؤسسات، وليس مع أشخاص على حساب مصلحة الشعب!!

من هنا فإن الإعلان عن ولادة المجلس الوطني ،  كخيار  ومجلس سياسي متقدم ومتطور للثورة ، وليس مجلساً انتقالياً،  يجعل الحدود الفاصلة أكثر وضوحاً الأن! وعلى المجلس الوطني الأن مهمة إدارة الثورة ، وإن من مهمات وأولويات المجلس هو جمع كافة القوى والتكتلات في تكتل واحد، وبما يسهم في عملية التغيير، ويعمل على أسس النضال السلمي، وعملية استكمال التغيير في اليمن والحوار حول مستقبله، مع الإعتبار أن الحوار لا يزال جارياً مع كل القوى والتكتلات للإنضمام للجمعية الوطنية وأن جهات ما زالت تدرس المشروع، كما أن المشروع والتحول الحقيقي يحتاج إلى مقدمات أقوى من إعلان الجمعية الوطنية أو المجلس الوطني ، للحصول على توافق واسع رأسياً وأفقياً ، وتوسعه بشكل لجان شعبية على مستوى التجمعات الشعبية الحضرية والريفية ، وإعطاء وضع خاص للمحافظات الجنوبية ، كل ذلك على أساس قاعدة التغيير  ، ونعني بالتغيير فهم اللغة التي يتحدث بها العالم، وعلى المجتمع الدولي هنا أن يوازن الأن بين التغيير  والإستقرار!

 ولأن الثورة السلمية خلاقة فإن من العبث حشر إرادتها ضمن قاعدة واحدة أو حسابات جامدة ، بل أن إعلان المجلس هو الأساس الواقعي الذي يجب التعامل معه وهو من شأنه أن يكبح صراع الحلبة بإقامة كيان شبابي جزاءً ووفاءً للنموذج الراقي الذي قدمه الشباب لليمن والمجتمع الدولي ، وهذه بديهة حقيقية لم تعد بحاجة إلى إثبات حضورها لشدة وضوحها وشدة وضوح فشل إدارة السلطة بشهادة السلطة نفسها! بل إن الإعلان عن مجلس وطني خطوة وقائية أيضاً تمنع مزيداً من كوارث الصراع ، وليسدل هذا الإعلان ستاراً على حقبة التحديات الإنتقامية الهدامة وينطلق بروح الشهداء وبسواعد وعقول الشباب والشعب وإستشارة الكبار إلى حقبة التحديات الإنتقالية البناءة، ولأن الثورة السلمية بلغت الأن مبلغاً من النضج والبلوغ وسن الرشد ، فحان الإعتراف رسمياً – شعبياً ودولياً - من مكونات الداخل وأشقاء وأصدقاء الخارج بهذا المجلس الوطني كممثل شرعي للشعب اليمني بما تمليه قواعد اللياقة السياسية وبحسابات سياسية بسيطة ، للقيام بدور أكثر فعالية للإسهام في الخروج باليمن من الوضع الذي تعيشه في أسرع الوقت حيث الوقت عاملاً حاسماً اليوم في كل جوانب الحياة، وبما يلبي تطلعات الشعب اليمني في إحداث التغيير الذي تنشده ثورة الشباب السلمية، فبهذا المجلس الوطني تمهد الأمور للحل السلمي والمواطن جزءاً أساسياً من هذا الحل ، وبفطنة دبلوماسية أخرى فمطلوب إحترام هذا المجلس والإعتراف به.

إن الثورات لا تستأذن أحدا – كما يقول الأستاذ علي محسن حميد - ولا ترهن مصيرها لما يقرره الخارج وهي بالمجمل مصلحة وطنية صرفة ولا شأن لها باستقامة أو خلل موازين القوى الإقليمية والدولية أو أي مصالح تتعارض مع أهدافها مهما تكن أهميتها، وهذا لا يعني أن الباب مفتوحا لها على مصراعيه للإضرار بمصالح الغير، لذلك لابد من الانتباه إلى دور الخارج وعدم إغفاله لئلا يتحالف مع الداخل المقاوم للتغيير.

ويبقى أن ثورة شباب اليمن أمامها تحد كبير  وهو إقناع الخارج قريبه وبعيده بأنها ليست ضد مصالحهم ولن تثير إشكالات لهم وهي غير قابلة للتصدير وأهدافها ليست عابرة للحدود، وهذا يتطلب من قوى الثورة جميعاً التواصل مع صناع القرار في الخارج وزيارة عواصم عربية وغربية وموسكو وبكين بل إطلاق حملة جهود دبلوماسية تتبناها دول العالم!

ولأن الشباب هم وهج الثورة السلمية وعنوان المجلس الوطني ، ففي خط مواز من الإعتراف الدولي بهذا المجلس ومباركة خطواته النضالية ، فإن المقام يجدد الثقة بالمجتمع الدولي ليقدم مسؤوليته التاريخية أمام الشعب اليمني وثورة الشباب السلمية التي أخذت الدنيا إلى صفها وخاصة أمام توالي الأحداث المؤسفة التي تابعها العالم من مذبحة النرويج إلى أحداث الشغب في بريطانيا إلى الخوف الأمريكي من الإرهاب المنفرد وعملية مستوطنة إيلات الأخيرة بين الفلسطينين والإسرائيلين وتعدي الأمر لقتل إسرائيل لثلاثة من عناصر الأمن المصري، من هنا نشدد على المجتمع الدولي إغتنام الفرصة على أساس من الشراكة الدولية لتقديم مشروع دولي للشباب اليمني ، هؤلاء الشباب السلميين الذين خلق الله بلادهم مشروعاً حضارياً وإقتصادياً بإمتياز حيث تملك اليمن من موارد ومصادر ما لا تملكه عدة دول مجتمعة كما أشار إلى ذلك رجل الأعمال جمال المترب، وقد تابعنا جميعاً الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في معرض كلمته بمناسبة اليوم الدولي للشباب مخاطباً كل الشباب في العالم، يقول أن الفرصة لتغيير العالم الأن في أيدي الشباب.

لذلك فإن مبادرة المجتمع الدولي بمشروع دولي ضرورة دولية وفي ظل ظروف صارت فيه اليمن عالة على نفسها لأسباب يعلمها الأن الجميع، فإنه يستوجب إنقاذ البلد والتخطيط لإنقاذها خوفاً من تحولها إلى صومال أخرى، ذلك أن تخلف اليمن إقتصادياً وشللها الإقتصادي لا يعني إطلاقاً تأخرنا بل هو الموت البطيئ!! ولنا في ما يجري في الصومال عبرة كبيرة وقد تخلت عنها دول العالم حتى وهي تمر بكارثة الجوع والجفاف والموت إلا من بعض الدول والمنظمات بإستحياء وحجج، ولعل الأمر يتغير بعد زيارة الزعيم التركي أردوغان لمقديشو التي صاحبت زيارته التاريخية تغطية إعلامية خاصة لمكانة شخصها وحجم الأزمة الصومالية التي من أجلها قرر أردوغان فتح سفارة لبلاده في مقديشو لمتابعة شأن الأزمة الصومالية الحادة!

 ولأننا نعتقد أن الشراكة الدولية مع الشعوب هي إحدى مهمات المرحلة القادمة ، فإنه يظهر جلياً أننا سنكون أمام مشروع دولي مع الشباب ، وسيتوقف حصولنا على موقع مرموق في هذه المعادلة الدولية على درجة المسؤولية التي سنوليها ومدى قدرة إدارة المصالح الوطنية والإستراتيجية بشفافية وإبتكارية تحاكي مستوى الأحداث ، وليس التهرب من المسؤولية ورميها على الأخرين أو الإحتماء وراء مفهوم الضحية السابق! ولا أروع من رهان الأن على الشباب الذين أهدوا لليمن، بل للمنطقة برمتها عهداً جديداً..

لكل ما سبق فإنه صار من المعلوم أن أصحاب القرار في السياسة الدولية لن يظلوا متفرجين على الدولة الفاشلة في مواقعها الإقليمية، بل يتطلع المجتمع الدولي إلى الشراكة الشبابية المرتقبة التي عرفت عن نفسها بسلميتها فغلبت كل المراهنات ودحضت نظريات العنف الذي لازمت تنظيم القاعدة ، والمجتمع الدولي بهذه الشراكة الدولية – الشبابية اليمنية الناجحة  سيكون مكلفاً بصياغة نموذج جديد لحلفاءه الجدد في اليمن ، ونكون بهذا التوجه قد وضعنا عنواناً جديداً لمواجهة التصادم على مسرح اليمن  ونكون صنعنا أول مقاومة حقيقة للإرهاب، في الوقت الذي العالم المتقدم يتادول الحديث عن الإرهاب في الفضاء الالكتروني، وميثاق دولي لتنظيم النشاط في الفضاء الالكتروني، وتلخيص العوامل المشجعة والعوامل الكابحة لإستعمال سلاح حرب الفضاء الالكتروني في الصراعات بين الدول!

وكل عام واليمن واحد بخير،

Total time: 0.1246