أخبار الساعة » السياسية » اخبار اليمن

الربيع العربي دفع أنقرة إلى مراجعة سياستها الخارجية: بوادر تحول في السياسة التركية من القوة الناعمة إلى الحزم في التعامل

- عبدالاله مجيد

يرى محللون ودبلوماسيون أن الربيع العربي دفع تركيا إلى مراجعة سياستها الخارجية بعد الثورات التي هزت نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا والعقيد معمر القذافي في ليبيا، شريكي تركيا في سياسة "صفر مشاكل"، وان هذا تسبب في تقاطع سياسة أنقرة لبعض الوقت مع المزاج الشعبي العربي.

تلوح في مواقف الحكومة التركية بوادر تشير إلى الاستعاضة عن سياسة "صفر مشاكل مع الجيران" التي كانت تتباهى بها في السابق بسياسة أشد حزمًا في سياق صعودها قوة اقليمية كبرى في منطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
 
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن محللين ودبلوماسيين غربيين أن هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى اشتباك مع إسرائيل يفرض على واشنطن أن تختار بين أوثق حليفين لها في المنطقة.  وتبدى التحول السياسي نحو التشدد مؤخرًا في تهديد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان باستخدام السفن الحربية في نزاع تركيا مع إسرائيل، وموافقته على حملة القصف الواسعة ضد المتمردين الأكراد في شمال العراق ومطالبته مصر بتمكينه من دخول قطاع غزة في زيارة تُعد استفزازية سياسيا.
 
كما هدد وزير تركي باستخدام السفن الحربية لمنع قبرص واسرائيل من استثمار حقول غازية بحرية دون مشاركة جمهورية شمال قبرص المدعومة من أنقرة. وسيغادر اردوغان يوم الاثنين في جولة تقوده إلى مصر وتونس وليبيا، الساحات الرئيسة لثورات الربيع العربي.

ويؤكد ابراهيم كالين مستشار اردوغان أن تركيا لا تنتقل من القوة الناعمة إلى القوة الخشنة، بل تستخدم "القوة الذكية" بالتوجه إلى استخدام القوة عند الضرورة. وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن كالين قوله "إن القوة الناعمة ما زالت موجودة".

ويرى محللون ودبلوماسيون أن الربيع العربي دفع تركيا إلى مراجعة سياستها الخارجية بعد الثورات التي هزت نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا والعقيد معمر القذافي في ليبيا، شريكي تركيا في سياسة "صفر مشاكل"، وان هذا تسبب في تقاطع سياسة انقرة لبعض الوقت مع المزاج الشعبي العربي.

كما أن حملة الأسد ضد المحتجين دفعت انقرة إلى خوض منافسة مباشرة مع إيران حليفة سوريا.  واصدرت انقرة موافقتها على نصب محطة رادار اطلسية لمنظومة صاروخية موجهة صوب إيران.
 
وفي حين ابدت ادارة اوباما قلقها من اعتماد تركيا نهج المواجهة مع إسرائيل فان مسؤولين اميركيين أشاروا الى وجود تنسيق وثيق بين واشنطن وانقرة  في التعاطي مع الغليان السياسي الذي تشهده المنطقة العربية وان واشنطن تعتبر انقرة عاملاً يتسم بأهمية مركزية في أي مجهود لإشاعة الاستقرار في الشرق الأوسط.
 
وينظر المسؤولون الاتراك إلى الانتفاضات العربية على أنها تعزز مواطن قوة تركيا بوصفها نموذجا للديمقراطية في بلد مسلم.  وهم يقولون إن سياسة "صفر مشاكل" تبقى متناغمة مع الربيع العربي لأنها تشارك المحتجين قيمهم وامانيهم.

ويشعر المسؤولون ان تركيا جاهزة الآن للتلويح بهذه الأفضليات خلال جولة اردوغان القادمة.  وقال المستشار كالين في اتصال هاتفي مع صحيفة وول ستريت جورنال من انقرة إن تركيا أوضحت أنها لا تضمر أي نيات امبراطورية "ولكن هناك مطالبات من الشارع العربي".

ويبقى حجم ما سيقبل به القادة العرب من الزعامة التركية مسألة مفتوحة.  وعلى سبيل المثال إن اردوغان ألح على تأمين موافقة مصر لعبور الحدود الى غزة حيث من المرجح أن يستقبله الغزاويون استقبال الأبطال.  ويبدو أن مصر رفضت حتى الآن الموافقة على زيارة غزة، بحسب وول ستريت جورنال.

وتنظر إسرائيل إلى حملة تركيا لإنهاء الحصار على غزة بوصفها جزءا من استراتيجية لتسيد العالم الاسلامي على حساب تحالفها التقليدي معها.  وفي إيران اتهم وزير العدل السابق آية الله هاشمي شهرودي تركيا بترويج "اسلام ليبرالي".

كما ان التحول الذي يُلاحظ في السياسة التركية لا يلقى استجابة مطلقة من الجميع في الداخل التركي نفسه.  فان زعيم حزب المعارضة الرئيس كمال كيليجدار اوغلو اثار زوبعة احتجاجات من المسؤولين عندما قال إن سياسة تركيا الخارجية تحولت من صفر مشاكل إلى صفر مكاسب.

ولكن اردوغان يبقى في هذه الأثناء أوسع الزعماء شعبية في الشرق الأوسط.  وافادت التقارير أن منظمات متعددة في مصر تستعد لإقامة احتفال ضخم احتفاء بزيارة اردوغان لمصر حيث اصبح بموقفه الحازم تجاه إسرائيل ومدرسته في الاسلام المعتدل نموذجا للتجربة الديمقراطية بنظر أوساط واسعة. ولكن صحيفة وول ستريت جورنال نقلت عن مسؤول في وزارة الخارجية المصرية قوله إن مصر لا تتبع أحدًا.
 
ومن المتوقع أن يلقي اردوغان كلمة في جامعة القاهرة يوم الاثنين يطرح فيها رؤية تركيا لمستقبل المنطقة، على أساس "لا احتلال ولا تسلط ولا دكتاتورية"، كما قال مستشاره كالين.

ويقترن تواصل اردوغان مع العالم العربي بموقف متشدد في السياسة الخارجية عمومًا. ويتبدى هذا التوجه في سلسلة تحذيرات الى قبرص واسرائيل من التنقيب عن الغاز في مياه المتوسط دون مشاركة شمال قبرص.  ولوحت تركيا بسلاحها البحري في هذه القضية محذرة من العواقب المترتبة على سياسة الحافة لا سيما إزاء العناصر المغامرة في الحكومة الإسرائيلية، بحسب استاذ العلاقات الدولية في جامعة اسطنبول التر توران. ويرى البروفيسور توران أن الحزم الذي يُلاحظ في السياسة التركية يرتبط بالثقة المتنامية جاءت نتيجة الفوز الساحق الذي حققه حزب العدالة والتنمية في انتخابات حزيران/يونيو.

وفي مؤشر آخر إلى هذه الثقة هددت انقرة التي كانت تحرص على علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي بتجميد هذه العلاقات إذا لم تتحقق مطالبها في المحادثات حول توحيد شطري قبرص. وفي آب/اغسطس اعترف الجنرالات الاتراك الذين كانوا ذات يوم اصحاب سطوة مطلقة بهزيمتهم في الصراع مع الحكومة فقدموا استقالة جماعية.  وظهر طاقم جديد من القادة العسكريين يقبل بسيطرة المدنيين على القوات المسلحة.

ولكن مراقبين يشيرون إلى أنه ليس معروفا إلى أي حد ستمضي تركيا بمواقفها المعلنة.  وفي حين أن انقرة هددت بارسال سفن حربية فانها لم تنفذ التهديد حتى الآن.  وان الهجوم على قواعد حزب العمال الكردستاني ليس جديدًا، وهو لم يتطور إلى حملة برية.

وتنقل صحيفة وول ستريت جورنال عن الخبير في الشؤون التركية في جامعة ليهاي الاميركية هنري باركي أن تركيا تستخدم نزاعها مع إسرائيل في محاولة "لاستعادة رصيدها الذي فقدته في العالم العربي" بعد الربيع العربي.  كما تطمح تركيا في الزعامة الإقليمية وتحدي الولايات المتحدة على الاختيار بين أوثق حليفيها في المنطقة.  وقال باركي "انها مقاربة ذات رهانات كبيرة، ولكن الأتراك يتمتعون بثقة كبيرة أيضا".

 

Total time: 0.04