كشفت اللجنة الرئاسية لدراسة القضايا الحياتية- الاخلاقية عن أن مراجع طبية وقانونية في الحكومة الأميركية أجازوا إجراء تجارب طبية على سجناء ومرضى في أربعينات القرن الماضي ما أدى إلى إصابتهم في إعاقات خطرة.
أكد تقرير اعده فريق طبي أخلاقي بقرار من البيت الأبيض أن اعلى المراجع الطبية والقانونية في الحكومة الاميركية وخبراء من جامعة هارفرد وكليات طبية مرموقة أخرى أقروا إجراء تجارب تتعلق بالامراض الزهرية على اشخاص في أربعينات القرن الماضي، أدت إلى التعمد في اصابة سجناء ومرضى عقليين في غواتيمالا بمرض السفلس لاختبار البنسلين.
وخلص تقرير اللجنة الرئاسية لدراسة القضايا الحياتيةـ الاخلاقية إلى أن التجارب كانت انتهاكًا صارخاً لمبادئ الأخلاق لا بمعايير اليوم فحسب، وإنما بمعايير ذلك الزمن أيضًا.
وقال التقرير إن التجارب كانت خروقات اخلاقية خطرة بصفة خاصة لأن الأفراد الذين لهم دور في الموافقة على اجرائها كانوا يتبوأون مناصب مسؤولة في الدولة والحياة العامة.
وكان الرئيس اوباما اعتذر العام الماضي لنظيره الغواتيمالي الفارو كولوم بعد الكشف عن اجراء التجارب. وشاركت في ارتكاب هذه الانتهاكات الاخلاقية مجموعة تثير الاستغراب من كبار المشاهير في عالم الطب والصحة العامة بينهم رئيس الدائرة الصحية العامة ووزير العدل ومسؤولون طبيون في الجيش والبحرية ورئيس الجمعية الطبية الاميركية ورئيس الأكاديمية الوطنية للعلوم وخبراء من جامعات هارفرد وهوبكنز وبنسلفانيا وروتشيستر، كما تلاحظ صحيفة نيويورك تايمز.
وأعطى جميع هؤلاء موافقتهم المبدئية على اجراء تجارب تعمدت إصابة أشخاص بأمراض زهرية رغم أن المسؤولين لم يكونوا كلهم يعرفون الأشخاص المستهدفين بالاصابة.
ويبدو أن حمى الحرب العالمية الثانية والتحمس للبنسلين الذي كان عقارا نادراً حديث الاكتشاف أسهما في التعجل باختبار هذا الدواء الواعد ضد الأمراض الزهرية التي كانت واسعة الانتشار بين الجنود.
وحين بدأت الحرب قدر فريق من الأطباء العسكريين ان مثل هذه الأمراض ستصيب اعدادا من الجنود تكفي لفرقتين مدرعتين أو ملء 10 حاملات طائرات وان معالجتهم بالعقاقير الزرنيخية السائدة وقت ذاك ستكلف 34 مليون دولار تعادل اليوم 440 مليون دولار.
وكان اول من فكر في تجريب البنسلين على البشر لجنة من الأطباء العسكريين والحكوميين والأكاديميين في عام 1942. وفي حين ان بعض الأعضاء ابدوا اعتراضهم فان الاتفاق الأولي بين الجميع كان اختبار عقاقير وقائية على سجناء لأن بالامكان اعطاءهم علاجا طبيا في بيئة تتيح مراقبتهم لاحقا وإبعادهم عن النساء اللواتي قد ينقلن اليهم المرض. كما قال خبراء ان السجناء سيريدون تقديم مساهمة وطنية في المجهود الحربي، وان العديد من النزلاء كانوا اصلا مصابين بمرض السيلان.
وبدأت اولى التجارب عام 1943 في احد سجون ولاية انديانا. وقرر رئيس مصلحة السجون ان تُدفع 100 دولار للسجناء واصدار توصية بالافراج حين تُراجع قضاياهم مقابل موافقتهم. ووزعت على السجناء استمارات يؤكدون فيها موافقتهم. كما تقرر ان يبقى العمل سريا وألا يُستعان بباحثين جامعيين.
ومن المثير للاستغراب أن مسؤولية المشروع أُنيطت بالدكتور جون كتلر وهو طبيب سابق في حرس السواحل عمره 28 عاما فقط. وأدى اكتشاف اوراقه في ارشيف جامعة بتسبرغ الى اماطة اللثام العام الماضي عن التجارب في سجون اميركا وانتقالها الى غواتيمالا.
وفي صيف 1944 صُرف النظر عن اختبار العقار على السجناء لتعذر اصابة السجناء بوضع سيلان مصنع مختبريا على اعضائهم التناسلية. وفي هذه الأثناء اكتشف رؤساء الدكتور كتلر ان البنسلين يمكن ان يعالج السفلس في غضون 8 ايام واعتمده الجيش علاجا في حزيران/يونيو 1944.
ثم اقترح الدكتور خوان فونيس الذي كان مسؤول الصحة العامة للعاهرات في مدينة غواتيمالا ستي اجراء مزيد من البحث في الأمراض الزهرية في غواتيمالا نفسها وذلك خلال زيارته للولايات المتحدة في زمالة دراسية ، بحسب اوراق الدكتور كتلر.
ورحب الدكتور كتلر بالفكرة موقعا اتفاقيات مع الوزارات التي تشرف على الخدمة الصحية العامة في غواتيمالا والجيش ودائرة السجون. وبالمقابل تحصل غواتيمالا على مختبر جديد وتدريب اطبائها مع وضع البنسلين في متناولها وخاصة لاستعماله في الجيش الغواتيمالي.
وخلال اجراء التجارب عالج الباحثون جنودا وسجناء وحراسا لم يكونوا مصابين. كما كسبت التجارب رضا المسؤولين في غواتيمالا باستيراد دواء غير معروف على وجه التحديد لعلاج زوجة كبير اطباء الجيش الغواتيمالي التي كانت تحتضر.