عودة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح إلى اليمن، أعادت خلط أوراق الأزمة المتفاقمة في البلاد من جديد، إلا أن هذه العودة قد تكون مفيدة إذا ما كانت النية ذاهبة في اتجاه إيجاد مخرج للأزمة التي صارت تأخذ مع مرور كل يوم، أبعاداً سلبية، خاصة في الأسابيع القليلة الماضية، بعدما دخلت الأطراف السياسية والعسكرية على خط النار، وبدأت نذر الحرب تخيّم على كل البلاد، التي تحتاج إلى السلم أكثر من أي وقت مضى .
بعد نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر من الغياب خارج اليمن للعلاج من آثار الهجوم الذي استهدفه في جامع دار الرئاسة، أدرك الجميع أن الحل تأخر كثيراً، وقد تسهم عودة صالح في التسريع بالحل من خلال تطبيق المبادرة الخليجية، التي تعتبر أرضية مناسبة لمعالجة أزمة اليمن اليوم، وسبق أن وقعت عليها المعارضة وحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، ولم يتبق إلا توقيع الرئيس نفسه .
من الواضح أن الرئيس صالح وأركان حكمه أضاعوا فرصاً عدة في الأشهر الماضية، للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، بعد المماطلة والتسويف في التوقيع على المبادرة الخليجية أكثر من مرة، على الرغم من أن المبادرة منحت الجميع فرصة إيجاد حل سياسي للأزمة عوضاً عن اللجوء إلى السلاح، الذي لن يتمكن، مهما بلغت قوته، من إيجاد الحل الذي يريده النظام أو حتى أي طرف آخر .
الحل يكمن في تطبيق المبادرة والتوقيع عليها بسرعة قبل أن تتطور الأمور إلى الأسوأ وتصير الرغبة في العودة إليها مسألة مستحيلة، ومن واجب اليمنيين كافة، في السلطة والمعارضة معاً، استغلال الرغبة الإقليمية والدولية في مساعدتهم للخروج من المحنة التي يمرون بها في الوقت الحاضر، والبدء بإعادة ترتيب البيت اليمني الذي تضرر كثيراً من جراء الخلافات التي عصفت بأبنائه منذ نحو ثمانية أشهر .
قد تكون هذه العودة هي المطلوبة لتجاوز اليمن مأساته التي صنعها أبناؤه بأيديهم، والرئيس صالح مطالب بقرار تاريخي يحسب له، وينتصر للحكمة التي اشتهر بها اليمنيون في ما قضى، ويعمل على تجنيب البلاد المزيد من الخراب والدمار من خلال عدم التردد كثيراً، وتيسير تنفيذ المبادرة الخليجية التي سبق أن رفض التوقيع عليها أكثر من مرة .
يجب ألا تكون العودة مقدمة لممارسة الانتقام والثأر السياسي، لأن ذلك يؤسس لمستقبل مملوء بالآلام والدموع للجيل اليمني القادم، فالمواطن اليمني يستحق حياة أفضل بعد هذه السنوات من الظلم وتخريب الحياة السياسية والاقتصادية، بعدما تحول اليمن إلى بلد منكوب، حيث يقع أكثر من ثلث سكانه تحت خط الفقر .
المكابرة السياسية من خلال رفض توقيع مبادرة الحل والإنقاذ، قد يدفع ثمنها اليمن كله، فإذا أصر صالح على معالجة الأزمة بنفس الطريقة القديمة، فإن البلد سيجد نفسه ينزلق في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر . وإذا ما قرأ صالح التاريخ جيداً، وعمل على إيجاد حل سياسي قبل به في السابق بموجب المبادرة الخليجية، والقاضي بنقل السلطة إلى نائبه والاستعداد لإجراء انتخابات رئاسية، فإنه يكون قد أسدى لليمن، الذي حكمه ل 33 عاماً، خيراً كبيراً، فليس المهم اليوم المصالح الشخصية، بل المحافظة على وحدة اليمن وأمنه واستقراره .
صالح مدعو إلى عدم الالتفات إلى آراء الصقور داخل حزبه وخارجه، التي تصور له حل التوقيع على المبادرة بأنه “انهزام”، فالهزيمة هي الذهاب بالبلد إلى محرقة حرب شاملة تأكل الأخضر واليابس . وهذه الكأس المرة يجب إبعادها عن اليمنيين، وتحصين اليمن ضد مزيد من الكوارث .