على بُعد 200كم تقريبًا من العاصمة الألبانية تيرانا، وتحديدًا في الجنوب في قرية Bulo ، وقريبًا من مدينة جيروكاستري، استوقفتنا معالم مسجد جديد بمئذنة عالية جدًّا كأغلب المساجد في البلقان. كنا على موعد مع رجل قيل لنا إنه يقطع الصخر ويبني مسجدًا حجريًّا منذ خمس سنوات.
استقبلنا "غازي" بابتسامة طمأنينة، وترحيب كبير. كان مظهره لا يختلف عن العاملين معه في المسجد الذي هو في المراحل الأخيرة تقريبًا، وسيُفتتح قريبًا كما قال. حول غازي وقف العديد من أقاربه وابنه في فخر كبير. المسجد هو الأول في القرية.
وفي وقائع قصته حكى غازي حكاية، تخللتها الدموع مرارًا. بعضها دموع فرح، وأخرى للندم، وثالثة للتقصير، كما يقول.
في قصته الفريدة كان غازي يحمل إسلامًا صوريًّا كما يقول. كان ثريًّا، يمتلك مطعمًا، يبيع فيه كل المحرمات، من لحوم الخنازير والخمر، وغيرهما. ومع غازي كان يعمل زوج أخته.
مع الأيام لاحظ غازي أن زوج أخته يختفي في وقت محدد. لم يلحظ وقتها أنه وقت صلاة الظهر. كان قريبه قد قرر الالتزام والمحافظة على أداء الصلوات. مع الوقت قام بمواجهته فقال له: "أنا قررت أن ألتزم؛ فأنا مسلم". فوجئ غازي وقال: "أنا أيضًا مسلم". فرد عليه: "كيف تكون مسلمًا ومأكلك حرام، ومشربك حرام، وتُطعم الناس ذلك، وتبيعه لهم؟!". كانت الكلمات قاسية جدًّا عليه.
يقول غازي إنها تركت أثرًا عميقًا في داخله. مع الوقت كان يشعر بدهشة كبيرة من قريبه الذي لم يعد يخالطهم، ولا يأكل من المحرمات، ولا يحضر مناسباتها.
أخذ غازي يقرأ أكثر في معاني القرآن الكريم؛ فهو لا يجيد اللغة العربية. وجاءت اللحظة التي يعتبرها خالدة في حياته. قرر أن يكون مسلمًا حقيقيًّا. دخل على أسرته، وصاح أمامهم: من اليوم سنبدأ حياة جديدة. لن نأكل الحرام بعد الآن! لم يترك الصلاة في المسجد من يومها.
يذكر موقفًا لا ينساه عن تلك اللحظة تحديدًا في بيته.. ففيما كان يشرح لأمه وزوجته وأبنائه كيف يصلون افتقد أحد أبنائه، ووجده بعدها في إحدى الغرف في الدور الثاني وهو يصلي. كان موقفًا يقول إنه لا يستطيع وصفه.
بعد إقناع أسرته استغرق غازي وقتًا لإقناع المقربين لديه، وقد نجح.. غير أنه كان يشعر دائمًا بأنه لم يقم بما يكفي. قرر أخيرًا أن يبني مسجدًا في مدينة الحجارة. تلك المدينة التي معظم أبنيتها من الحجارة. كان ذلك مكلفًا غير أنه لم يتراجع، وقرر أن يبنيه في قريته. خلال ذلك لم يتوقف عن الدعوة، وأسلم على يديه عدد كبير من النصارى في محيطه.
تغالبه دموعه وهو يحاول أن يصف كيف يشعر وهو يقرأ معاناة أصحاب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في زمنهم وما تعرض له بعضهم من تعذيب. يقول: نحن الأمور ميسورة أمامنا، ولا نقوم بما يجب فعلاً.
طوال سنوات كان غازي يقطع الطريق على سيارة اشتراها بعد بيع منزلين يملكهما. كان يقطع الصخور بنفسه، وينقلها لمكان البناء.
يروي غازي حكاية عن أول مرة ذهب فيها للحج، ويقول: "قد لا تصدقونني. وهذا والله ما حدث". قال: "كنت نائمًا في خيمة في منى. رأيت في حلمي أن الناس كلهم يبحثون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وكنت أبحث معهم. وفجأة وجدته أمامي. شعرت به يحتضنني ويقول هنيئًا لك الإسلام". يضيف غازي بعينين دامعتين: "قلت له يا رسول الله، دعني أخبر الناس عنك". فرد عليه الرسول الكريم: "أنت وجدتني وأنا سأجدهم إن شاء الله". توقف الحلم، وعندما أوقظه أحد رفاقه.
يقول غازي: "ما يقلقني حقًّا أن يخالط عملنا الرياء. ووالله كل ما فعلته قليل، ولا يذكر. أتمنى فقط أن أموت مسلمًا؛ فكل المال الذي أملكه لن ينفعني، وتبقى الأعمال الصالحات".