لقي السفير الروسي لدى تركيا أندريه كارلوف مصرعه، الليلة، إثر تعرضه لإطلاق نار من شاب تركي خلال كلمة كان يلقيها السفير في افتتاح معرض (روسيا بعيون أتراك) الذي نُظّم بالتعاون بين السفارة الروسية وبلدية منطقة جانقايا في متحف الفن الحديث بالعاصمة أنقرة.
وفي خضم تواتر الأخبار بشكل متسارع حول هذا الاغتيال وما يتعلق به وبالجاني وإعلانه على الملأ أنه أقدم على هذا العمل انتقاماً لما فعله الروس في الأزمة السورية، وتحديداً حلب، وأخيراً مقتله في مواجهة لاحقة مع الشرطة التركية، يتبادر إلى الأذهان الكثير من الأسئلة حول بعض الجوانب التي سبقت هذا الحادث. ولفهم جانب من هذا الأمر لابد من إلقاء نظرة على سيرة السفير الروسي وأهم المحطات التي مر به خلال عمله في البلاد التي قتل فيها الليلة.
ولد أندريه كارلوف في 4 فبراير 1954 وفي عام 1976 تخرج في كلية العلاقات الاقتصادية الدولية بمعهد العلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية السوفيتية. وفي عام 1992 أنهى دراسته بالأكاديمية الدبلوماسية التابعة للخارجية الروسية.
وقبل أن ينهي دراسته بالأكاديمية الدبلوماسية عمل أندريه ضمن السلك الدبلوماسي الروسي؛ إذ شغل خلال الفترة ما بين عامي 1976 و2008 مناصب عدة في الجهاز المركزي لوزارة الخارجية الروسية، سواء داخل روسيا أو خارجها.
وخلال الفترة بين عامي 2001 و2006 عمل سفيراً لبلاده لدى الصين ثم نائب مدير قسم القنصليات بوزارة الخارجية الروسية (2007-2009)، ثم مديراً للقسم ذاته (2009-2013) وفي 12 يوليو 2013 أصبح سفيراً لروسيا لدى تركيا.
هذا جانب من حياته العملية والعلمية قبل التحاقه العمل في تركيا، وبعد نحو عامين من استقرار عمله بالأراضي التركية، وتحديداً في أكتوبر 2015 استدعته الخارجية التركية إثر ضربات للطيران الروسي قرب حدودها مع سوريا، ووجهت إليه تحذيراً من “العواقب الوخيمة” لتلك العملية.
ومع حادثة إسقاط القاذفة الروسية الشهيرة في نوفمبر 2015 والتي شكلت منحنى سلبياًً في العلاقات بين البلدين بدأ الجضور الإعلامي للسفير الروسي يأخذ حيزاً كبيراً، سواء في تركيا أو روسيا. وفي الشهر ذاته، ومع تصاعد التوتر بين الطرفين تم استدعاء السفير الروسي؛ للاحتجاج على ما تتعرض له البعثات والشركات التركية في روسيا من اعتداءات.
وبعدها بنحو شهرين (يناير 2016) استدعته أنقرة إثر طائرة روسية الأجواء التركية. وفي يونيو 2016 وفي رد فعل على محاولات التقارب بين البلدين، أعلن أندريه كارلوف أن “شروط تطبيع العلاقات من جانب روسيا معروفة، وتتمثل في: تقديم أنقرة اعتذارا رسميا، ومعاقبة المسؤولين، وتقديم التعويضات عن خسائر الدولة”.
وإثر زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى سان بطرسبرغ ولقائه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، وذلك خلال أغسطس 2016 أعلن السفير الروسي لدى أنقرة عزم وزير خارجية بلاده سيرغي لافروف، إجراء زيارة رسمية إلى تركيا، وشدد على أن “العلاقات التركية – الروسية دخلت مرحلة جديدة.. الموضوع الأكثر أهمية على أجندة لافروف هو الأزمة السورية وتداعياتها وانعكاساتها على المنطقة والعالم”.
وفي الشهر التالي، وتعميقاً لهذا التوجه؛ قال أندريه كارلوف: “ننتظر عودة المقاولين الأتراك إلى روسيا بفارغ الصبر”، مشيراً إلى “تجاوز الأزمة الكبيرة بين البلدين بفضل مبادرة قادة البلدين”، وقال: “نبذل جهوداً لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها”. وأشاد في كلمة له خلال مشاركته في فعالية نظمتها رابطة المقاولين الأتراك في العاصمة أنقرة، بإسهامات شركات البناء التركية التي تعمل في روسيا، وأضاف: “اكتسبت الشركات التركية في روسيا سمعتها بفضل جهودها، حيث بلغت نسبة مساهمة المقاولين الأتراك في بعض الأعوام ثلث المشاريع الجارية”. وحول مشروع خط أنابيب السيل التركي الهادف إلى نقل الغاز الروسي إلى القارة الأوروبية عبر الأراضي التركية، أكد كارلوف أن “تركيا ستحصل على الغاز، ليس من أجلها فقط، وإنما من أجل التصدير أيضاً”.