ذكر عضو اللجنة الإعلامية بالمجلس المحلي في بني وليد، الإعلامي محمود بوراس، أنه أثناء وجوده في مدينة بني وليد، جاءه أحدُ الأشخاصِ، وأبلغه أن لديه معلومات يود الإدلاء بها كشاهد، قد تفيد في موضوع اختفاء الإمام موسى الصدر، وروى له القصة، وأخبره أنه مستعدٌ للشهادة، والإفادة بما لديه من معلومات، أمام أي محكمة ، أو في أي تحقيق قد يوصل العدالة، من خلال معرفة الأسماء أو الوجوه، للوصول إلى حقيقة اختفاء الإمام الصدر.
وقال الشاهد لبوراس، إنه كان يعمل- أثناء وصول الإمام موسى الصدر إلى ليبيا- في مكتب الاتصال الخارجي، التابع لمؤتمر الشعب العام (البرلمان)، والذي كان يرأسه آنذاك السيد أحمد الشحاتي، وكان عمره- حينها- عشرون عامًا، وكان من بين أعضاء المكتب السادة: محمود الخفيفي، وهو من بنغازي، وفرج السعيطي، وحسين الفلاح، وقد تم تكليف السيد رئيس المكتب باستقبال الإمام موسى الصدر، وكنت من بين فريق المستقبلين، لإتمام إجراءاته الإدارية.
استقبال بارد
وأبلغ الشاهدُ بوراس أن الإمام الصدر، وصل إلى مطار طرابلس الدولي، بعد المغرب في شهر رمضان، وكان معه اثنان من المرافقين، يلبسان الجلابية الطويلة، وقد التقينا به في إحدى الردهات بالمطار، لأننا تأخرنا في القدوم، ولم نستقبله عند الطائرة، وكان المطار خاليًا من المسافرين والموظفين.
وبعدها أخذناهم إلى صالة جانبية، عندها سأل أحمد الشحاتي الإمامَ عن جوازات السفر، فأخبره الإمام أنها مختومة، وجاء شخصٌ اسمه مبروك شليق، وسأل الإمامَ عن الحقائب، وبعد دقائق وصل عبد الله السنوسي (مدير جهاز الاستخبارات في نظام القذافي)، وكان بصحبته شخصٌ آخر لا نعرفه، وكانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها السنوسي يستقبلُ أحدَ الضيوف، وابتعدت أنا مسافة قريبة، وقام الشحاتي بالتعريف بين السنوسي والإمام الصدر، وقد دام هذا اللقاء حوالي خمسُ دقائق.
أخذ جوازات السفر
واستمر الشاهدُ في سرد قصته، قائلاً: بعدها غادرنا المطار، في موكبٍ من خمس سيارات، نوع تويوتا كراون موديل (76/77) دفع خلفي، نحو فندق الشاطئ في طرابلس، ولم يكن هناك أيُ ازدحام في الطريق، وعند وصولنا إلى الفندق، تم حجز جناح للإمام الصدر، ولرفيقيه غرفة، ولم تكن هناك أيُ مظاهر احتفالية للإمام، وقد أبلغهم الشحاتي بأنني سأبقى معهم لإتمام الإجراءات، ثم طلب مني، وهو خارج، حفظ أرقام الغرف، وقال لي إنه سينتظرني خارج الفندق، وقد أبلغني زميلي نوري المنصور لاحقًا بأنه أخذ جوازات السفر من الفندق، وسلمها إلى السنوسي.
وبعد خروجي من الفندق، ركبت مع الشحاتي، وذهبنا إلى مبنى الاستخبارات، وخرج إلينا السنوسي من مكتبه، واستقبلنا، ثم دخل هو والشحاتي المكتب، واستمر اجتماعهما حوالي ربع الساعة، وبعدها خرجا، وسَلَّمَ علىّ السنوسي.
وما أثار استغرابي أنه لم يكن هناك برنامج استقبال وضيافة خاصًا لشخصيةٍ مرموقةٍ، مثل الإمام الصدر، أسوة بضيوف آخرين، كانت هناك برامج استقبال لهم، رغم كونهم أقل منه في المستوى.
استياء
وفي اليوم الثاني، بعد الإفطار، توجهتُ إلى فندق الشاطئ، بشكلٍ شخصي، دون تكليف من أحد، فوجدت الإمام الصدر ورفيقيه في الردهة، وكان مستاءً جدًا ومحتقنًا، فعندما رآني استبشر بقدومي، ولم يعلم أني قد جئتُ من تلقاء نفسي، فقال لي إنه مازال ينتظرُ لقاء القذافي، حتى الآن، ولم يأتني أحدٌ ليعطني موعداً لهذه المقابلة.
وقال لي إنه يريد تذاكر سفر إلى فرنسا، فقلت له يجب أن يقابل الشحاتي، وينقل له هذا الكلام بشكلٍ شخصي، لأنني موظف عادي، فركب معي في سيارتي، نوع فيات 127، التي تتبع لمكتب الاتصال الخارجي، وهي ضيقة جدًا، ولا تليق بشخصية مثل الإمام الصدر، وذهبت به من فندق الشاطئ إلى مكتب الاتصال، الذي كان أمام قصر الملك (الشعب)، وكانت المسافة حوالي 5 كيلومترات، وأثناء الطريق تحدثنا في أمورٍ شخصية، وكان بشوشًا جدًا، وعند دخولنا إلى الشحاتي، لم يَدعْ الإمامَ الصدر إلى الدخول للمكتب، أو الجلوس، وتحدث معه واقفًا في الممر، أمام مكتب مدير مكتبه، وسأل الإمامُ الصدر السيدَ الشحاتي لماذا لم يقابل القذافي حتى الآن؟، فرد عليه الشحاتي بأن العقيد القذافي مشغول، وقال للإمام ارجع للفندق، ونحن سنبلغك عندما يحين الوقت، واستمر هذا اللقاء حوالي عشر دقائق، ثم عدنا أدراجنا إلى الفندق.
اختفاء الصدر
وفي اليوم الثاني، ذهبت إلى فندق الشاطئ، بشكلٍ شخصي أيضًا، فلم أجد الإمام الصدر، فقلت في نفسي: إذا كان الإمام قد سافر فمن المفروض أن نكون نحن من يقوم بتسفيره، ثم عدت أدراجي، ولم أحاول التقصي عن الموضوع، ولم يكن في بالي أنه من الممكن أن يكون قد حصل أيُ مكروهٍ للإمام.
وبعد ذلك، دخل موعد احتفال القذافي بعيد انقلابه ( مايسمى بعيد الفاتح ) ونسيت الموضوع، وبدأت الوفود في التوافد لطرابلس، وامتلأت جميعُ الفنادق، وقلت لنفسي: إذا كان الإمام الصدر قد جاء لحضور الاحتفال، فقد جاء في وقتٍ مبكرٍ جدًا, بعد ذلك فوجئت بنشر بيان من أمانة الاتصال الخارجي (وزارة الخارجية)، عبر إذاعة ليبيا، حول سفر الإمام الصدر، وذكروا في البيان أن السيد محمد الحطاب، هو من ودعه، وأنا أعرفه، فقد كان أحد رجال الاستخبارات.
تحقيق
وبعد إذاعة هذا البيان بأيام، كنت راجعًا إلى شقتي، وعند دخولي إلى الشقة فوجئت بأحد أزلام النظام جالسًا ينتظرني في الشقة (وهو يملك الآن سوقًا في منطقة غوط الشعال)، وقال لي: نريد التحقيق معك، فركبت معه، سيارته، نوع بيجو 504، إلى عمارة في طرابلس، قريبًا من ميدان فلسطين، وأجرى معي تحقيقًا، قال لي فيه: إن الإمام الصدر كان غضبانًا لأنك لم تستقبله بشكلٍ جيد، ويبدو أنه سافر غضبانًا بسببك، فقلت له هو لم يكن غضبانًا من الاستقبال فقط، بل أيضًا لأنه لم يُقابل القذافي، فقال لي: ليس كل شخص يستقبله القذافي، ثم قال لي: هل تقرأ الصحف؟، فقلت له: لا، ثم عرض عليَّ العمل في الاستخبارات، فرفضت العرض، ثم أنهى التحقيق معي، وأطلق سراحي.
وبعدها بأيام عند ذهابي إلى العمل، بمكتب الاتصال الخارجي، وجدت على مكتبي رسالةً إنهاء خدمتي من العمل (خطاب فصل)، وذلك بحجة تقصيري في العمل، وأصبحت بلا عمل لفترةٍ، ثم تحصلت على عملٍ بالشركة العامة للأسواق.
ممنوع من السفر
ثم تم استدعائي بعدها بفترة لعمارة في باب بن غشير، من طرف ضابط يتبع للأمن، اسمه محمد الكبال، وكان التحقيق مثل وثيقة التعارف، يسأل عن الأسرة والأقارب، وقال لي إنه يعرف من أقاربي فلانًا وفلانًا، وأنه عَمِلَ بمدينة سبها سابقًا، عندما كنت ضابطًا صغيرًا، وفي الحقيقة أنني شعرت بأنه كان متعاطفًا معي.
وبعدها بفترة، تم استدعائي للمرة الثالثة، في مبنى في منطقة الظهرة، قرب سينما الودان، والتقيت هناك وزيرَ الداخلية بالقاسم ونيس، واثنين آخرين، يبدو أنهما كانا أكثر أهمية منه، حيث ظل هو ساكتٌ، بينما هم مَنْ يتكلمون معي، ثم أدخلني إلى الغرفة ضابطٌ برتبة مقدم، فقالوا لي: يا ورفلي أنت تعرفُ حاجاتٍ أكبر من رأسك، فقلت لهم: قولوا لي ما الذي أعرفه، وأنا أقول لكم صح أم خطأ، ثم سحبوا مني جواز سفري، وتم إبلاغي بأنني ممنوع من السفر.
وفي العام 2002، كان هناك مؤتمر للرؤساء العرب في لبنان، ولم يحضره معمر القذافي حينها، وتم استدعائي من قِبَلِ مكتب الأمن الخارجي، في مدينتي، بني وليد، وأخذوا مني معلومات شخصية، وأبلغوني بأنه يجب عليَّ أن أذهب إلى إدارتهم في طرابلس، حيث يريدون التحقيق معي، فذهبت إلى طرابلس، فأبلغوني بأن أمانة العدل (وزارة العدل) تريد التحقيق معك بخصوص اختفاء الإمام موسى الصدر، فقلت لهم بأنني قد نسيت هذه القضية، فقالوا لي: اطَلِع على هذا الملف، فقد ينشط ذاكرتك، فاطلعتُ على الملف، وذًهِلتُ من عدد الأشخاص الذين تم التحقيق معهم، خلال هذه الفترة، والذين يعانون نفس معاناتي، فقلت لهم: إنني لا أتذكر شيئًا عن هذه القضية، فأقفلوا التحقيق معي، ورجعت إلى بيتي.
والحمد لله ثورة 17 فبراير قد جاءت، وحصلت على حريتي، وأصبحتُ أستطيعُ الحصولَ على جواز سفري، والسفرَ متى أُريدُ، وهذا ختام قصتي مع موضوع الإمام موسى الصدر، وأنا جاهزٌ لأي تحقيق، وأي شهادةٍ لله، في هذه القضية.
قورينا الجديدة / خاص / عماد عجاج