بينما كان القلم مرفوعاً في يدي مستعدا لأبدأ به كتابة مقال كما هي عادتي وقبل أن أضع سنة القلم على الورقة مفتتحاً بدايته فوجئت بسماع صوت التلفون وهو ليس صوت جرس الاتصال ولكنه الجرس الخاص بوصول رسالة فتوقف القلم عن الكتابة وفتحت التلفون لأقرأ الرسالة وإذا هي رسالة من احد أحرار تعز وهو من المسئولين الكبار في الدولة الشرفاء الذين لم يكن تأريخهم اسوداً أو ملطخاً بالفساد أو الدماء غير انه من المنضمين إلى ثورة الشباب والداعم لها مادياً ومعنوياً فبدأت بقراءة الرسالة المتضمنة (قالوا : تعز قطعة من الجسد قلت اللهم لاحسد .قالوا: الشبل التعزي صمد قلت: ما عندنا أشبال أصغرنا أسد. قالوا: شباب تعز ولعوها لهب قلت: الأرض ما تباع بالذهب ) ومع أن هذه الرسالة تعبر عن الحرية والعزة والكرامة والشموخ الذي يعيشه أبناء تعز رجالا ونساء شيوخا وأطفال وتعبر أيضا عن مدى الصبر والتجلد والصمود في مواجهة الطغيان والاستبداد فلم يعد يُرْهِب أبناء تعز أصوات الدبابات والمدافع ولا الطيران الحربي ذا الصوت الغريب المفزع المرتفع أثناء فتح حاجز الصوت تعمداًً بقصد إرهاب أبناء تعز ولكنهم قد ألفوا على ذلك وعلى تلك الأصوات منذو بداية الثورة .
وقلتُ في نفسي هذه الرسالة العظيمة تصلني من تعز متزامنة مع القصف الشديد الذي تقوم به القوات الموالية لصالح على الحصب وبير باشا وحي الروضة ووادي القاضي وغير ذلك من الأحياء السكنية والمديريات ويسقط على اثر هذا القصف العشرات من المدنين العزل والمارة بالشوارع والباصات التي تمر في الجولات كما يسقط بعض الشباب ممن يمشون في المسيرات ومع كل ذلك فلم يعد الموت يخيفهم أو يرهبهم لان نفوسهم تواقة إلى الحرية والعزة والكرامة فهاهم يموتون شهداء لينتصر الشعب وتحيا الأمة على الرغم أن المعركة تقاد من طرف واحد هم بقايا النظام وعلى الرغم أيضا من الطوق الذي قامت به تلك القوات على جميع مداخل تعز ومن جميع الاتجاهات بُغيةَ اجتياح المدينة والدخول إلى شوارعها والقضاء على ساحاتها غير أن القبائل وحماة الثورة الشبابية الأحرار حالوا دون دخولها بل كبدوها خسائر فادحة واجبروها على التقهقر والرجوع إلى الخلف وقد ارجع مراقبون إصرار صالح على اجتياح تعز لتكون وسيلة ضغط لتحقيق مكاسب ومطالب له جديدة غير التي شملتها المبادرة الخليجية المشتملة على منحه الحصانة والضمانة له ولأقاربه ناهيك أن المتتبع لخطاب صالح عقب توقيعه على المبادرة ومن جوار الملك عبدالله بن عبدالعزيز والدبلوماسيين العرب والأجانب فقد قال )ليس المهم توقيع المبادرة ولكن حسن النوايا ) وهذا الكلام في حد ذاته خطير وخطير جدا وهو سلاح ذو حدين فقد فهمه البعض بأنه يدل على حسن نيته وهؤلاء أصحاب الفهم الخاطئ لكن البعض الآخر أصحاب الفطنة الذكية والعقول الواعية قالوا إن خطاب (صالح) يعني الإيحاء والتلميح لأصحابه وللقوات الموالية له باستمرار الاعتداءات على تعز وصنعاء وغيرهما فليس العبرة بالتوقيع كما قال فنرد بالقول حسبنا الله ونعم الوكيل. فهذه المبادرة والياتها التنفيذية التي يلتف عليها بقايا النظام بغرض إجهاضها وإفشال تنفيذها مع أنها معدة الألفاظ ومُرتّبة البنود والشروط من قبل صالح نفسه جاعلاً منها صوتاً موجعا ومؤلما في ظهر المشترك ظناً منه أن المشترك لن يوقع عليها وبذلك سيكسب الرأي العربي والإقليمي والدولي وسيبقى على كرسي الحكم بقوتين قوة السلاح الذي لم يكن يوماً ما لحماية الشعب والقوة الثانية المعنوية التي سيحصل عليها إقليمياً ودولياً في حالة رفض المشترك للتوقيع ولكن أعضاء المشترك اتضح أنهم يملكون عقولاً هي رُبما تكون أدهى من صالح وقد تجلت فيهم الحكمة والحكمة يمانية و نجت ظهورهم من الصوت الذي كان معداً لها وعاد على صاحبه وانقلب السحر على الساحر وصدق الله القائل (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) والقائل (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ومهما يكن فالمبادرة شيء جميل يتناسب مع الوضع اليمني ففي الوقت الذي كانت المبادرة تحمل مخرجاً لصالح وضمانة من المحاكمة والملاحقة القضائية فهي أيضاً تحقق أهداف الثورة بالتقسيط وعلى مراحل منها إبعاد صالح عن الحكم ثم إبعاد أولاده ثم إيجاد الدولة المدنية الحديثة وعلى الرغم من الشروع في تنفيذ المبادرة والياتها التنفيذية من قبل النائب المكلف بجميع صلاحيات الرئيس وقيامه بتكليف باسندوه بتشكيل حكومة الوفاق الوطني ودعوة الجماهير للانتخابات الرئاسية وتشكيل لجنة الشؤون العسكرية للتهدئة ورفع الثكنات العسكرية والمسلحين إلا انه يلاحظ ظهور مشاكل وعراقيل وعقبات أمام حكومة الوفاق الوطني ومنها ما يثار في بعض وسائل الإعلام من نهب مؤسسات الدولة كالوزارات وتفريغها من محتوياتها كي تسلم للحكومة الجديدة وهي فارغة وأيضا تفريغ البنوك من العملة الصعبة وإصدار قرارات بتعيين موظفين جدد في دواوين الوزارات موالين للنظام والتنسيق مع حركات متمردة في المحافظات الجنوبية والشمالية لإثارة البلبلة والفتن هذا فضلاً عن سبق إصدار التوجيهات في الأشهر الماضية بتوظيف ستين ألف شخص ممن كانت أسمائهم في الخدمة المدنية وهؤلاء تم توزيعهم على الوزارات والمؤسسات بدون رواتب وذلك لسببين الأول كسب تعاطف الشباب لإسكاتهم عن طلب الرحيل وإذا لم يتحقق هذا الهدف فيحل مكانه هدف آخر هو تحميل كاهل الحكومة الجديدة ووضعها في مأزق لا تستطيع الخروج منه وهذا ما هو قائم الآن هذا ما ظهر ويعلم الله ما هو الجديد الذي ستأتي به الأيام من قبل شركاء المعارضة في الحكومة الجديدة ومع كل هذا وذاك فالثورة الشبابية ناجحة والحرية ثمنها غالٍ ومرتفع وهي الطريق الموصل إلى الديمقراطية وليعلم الجميع أن عهد (النخاسة) الذي كان يوجد فيه أسواق يباع ويشترى فيها الإنسان وكأنه سلعة من السلع إلا أن عهد الجنرالات (العسكر) المستبدين الذين سقطوا في الشهور الماضية ومازال الباقون يتساقطون كان امتداد لعهد (النخاسة ) وقيل إن أول ملك في الكون كان (عسكري) وتوالت شريعة الغاب يستعبد القوي الضعيف حتى أيامنا هذه في بعض دول الوطن العربي التي ثارت عليهم شعوبهم وأسقطتهم وبدأت الشعوب حياتها في عهد جديد تعيش السعادة ويسود بينها روح المحبة والتسامح ويُرفرف فوقها علم الحرية .