اخبار الساعة
عندما تطول طوابير المتسوقين امام محلات السوبرماركت في الأسواق القطرية، وتطفح عرباتها بالمواد الغذائية الأساسية من ارز وعلب الحليب والدجاج واللحوم وقوارير المياه، فان هذه مؤشرات توحي بالقلق من احتمالات اندلاع وشيك للحرب، واشتداد الحصار الذي أعلنته ثلاث دول خليجية ضد قطر بزعامة المملكة العربية السعودية قبل يومين.
من حق المواطنين القطريين ومعهم مليونا اجنبي معظمهم من الهنود والباكستانيين والعرب ان يقلقوا في ظل تصاعد الخلاف القطري مع اربع دول عربية هي السعودية ومصر والامارات والبحرين، خاصة بعد قرارات اغلاق الحدود البرية والبحرية والاجواء ووقف حركة الطيران.
من يتابع تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “التويتر”، والتي اعلن فيها تأييده لهذه الإجراءات التصعيدية للدول الأربع واعتبارها “بداية النهاية للارهاب”، يخرج بإنطباع راسخ بأنها جاءت بضوء اخضر امريكي، ولوضع قطر تحت “انتداب” هذه الدول الأربع ووصايتها.
ترامب الذي قبض ثمن هذا الموقف المؤيد للسعودية وقراراتها اكثر من نصف تريليون دولار (460 مليار دولار) على شكل صفقات أسلحة واستثمارات في البنى التحتية الامريكية، قال بالحرف الواحد، “ان دول الخليج الثلاث قالت انها ستتبع نهجا حازما ضد تمويل التطرف، وكل الدلائل تشير الى قطر”.
صحيح ان الشيخ خليفة بن جاسم بن حمد آل ثاني رئيس غرفة تجارة قطر اعترف بطريقة غير مباشرة، بحالة “الهلع″ التي تسود أوساط المواطنين والمقيمين في دول قطر، عندما ادلى بتصريح اكد فيه ان بلاده تملك مخزونا استراتيجيا من السلع الغذائية يغطي احتياجاتها لمدة عام، وصحيح أيضا ان ايران فتحت اجواءها ووضعت ثلاث موانيء بحرية امام الواردات القطرية، لكن هذا كله لا ينفي وجود ازمة حقيقية ويقلل من اخطارها بالتالي، فأكثر من 40 بالمئة من واردات قطر الغذائية تأتي عبر المعبر الحدودي البري الوحيد مع السعودية.
امير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الذي اطفأ فتيل ازمة مماثلة، ولكن اقل خطورة، بين الدول الأربع ودولة قطر عام 2014 ، ادرك بحكم خبرته، ان احتمالات الحرب باتت اكبر من أي وقت مضى، وطالب امير قطر الشيخ تميم بن حمد بضبط النفس، وعدم التصعيد وتأجيل خطاب ناري كان على وشك القائه يرفض فيه الوصاية السعودية الإماراتية المصرية، وشد الرحال الى مدينة جدة للقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في مبادرة وساطة لتطويق الازمة.
فرص نجاح هذه الوساطة، وبعد تغريدات الرئيس ترامب المؤيدة للحرب، والداعمة لها، تبدو محدودة، خاصة بعد ان كشفت صحيفة “الفايننشال تايمز″ البريطانية الرصينة ان قطر قدمت مليار دولار نقدا (كاش) لجماعات “إرهابية” في العراق وسورية، ذهب نصفها الى “حزب الله” العراقي، مقابل الافراج عن 26 مختطف قطري كانوا في رحلة صيد معظمهم من الاسرة الحاكمة، علاوة على 200 الى 300 مليون دولار الى “فتح الشام”، الفرع السوري لتنظيم “القاعدة”، و120 الى 140 مليون دولار لجماعة “احرار الشام”، ومعظم هذه التنظيمات والجماعات، ان لم يكن كلها، موضوعة على قائمة الإرهاب الامريكية والسعودية، وهذه الارقام موثقة، وجرت مصادرة 500 مليون دولار نقدا أرسلتها دولة قطر على متن طائرة قطرية الى العراق من قبل الحكومة العراقية وما زالت في حوزتها.
الحرب بين قطر وخصومها بزعامة السعودية المشتعلة منذ عشرين عاما، اتخذت أربعة مراحل:
الأولى: إعلامية، ولعبت فيها كل من قناتي “العربية” و”الجزيرة” دورا بارزا.
الثانية: سحب السفراء مثلما حدث عام 2014، وهذه الخطوة جرى تطويقها ولكنها لم تحل الازمة.
الثالثة: الحصار الاقتصادي واغلاق الحدود والموانئ والمجالات الجوية، ووقف التعامل مع المصارف القطرية وهذا ما يحدث حاليا.
الرابعة: المواجهة العسكرية، وهي ستكون عنوان الأسابيع او الأشهر المقبلة في حال فشل الوساطة الكويتية الثانية، او الحالية، التي بدأت اليوم الثلاثاء بزيارة الشيخ صباح الأحمد للسعودية.
قطر خسرت ثمانية مليارات دولار في يوم واحد، أي الاثنين، عندما انخفضت قيمة أسهمها في البورصة بحوالي 7 بالمئة، واذا استمر الحصار وزاد تشديدا، وهذا المرجح، فان الخسارة قد تكون مضاعفة، مضافا اليها ارتفاع أسعار بوليصات التأمين، وأسعار الشحن وخسائر شركة الطيران، وارتفاع أسعار الواردات، وانخفاض الصادرات، وهي كلها أمور متوقعة.
بإختصار شديد نقول ان نجاح الوساطة الكويتية يعني قبول قطر بالشروط السعودية الإماراتية المصرية الامريكية، أي القبول بالوصاية والانتداب الكاملين، وان تقبل بقوات سعودية إماراتية على اراضيها بطريقة او باخرى، على غرار ما حدث ويحدث في البحرين.
المطلوب “تركيع″ قطر وتحويلها الى دولة منزوعة الانياب والمخالب عسكريا وسياسيا واعلاميا.. دولة بدون “الجزيرة”، و”الرأي.. والرأي الآخر”، وكل ما يتفرع عن ذلك من برامج ومذيعين ومذيعات وقنوات وصحف ومواقع الكترونية، في الوقت الراهن على الأقل، والباقي متروك لخيالكم، وهو خصب بكل تأكيد.