اخبار الساعة
كيف نَجحت وَساطة السيد نصر الله في نَزع فَتيل الصّدام الدّموي بين الحوثيين وأنصار صالح؟ ولماذا نَعتقد أن هذهِ “التهدئة” مُؤقّتة إذا لم تُحَل أسباب الخِلاف جَذريًّا؟ ومن هو الطّابور الخامس الذي يُحذّر مِنه الطّرفان؟ وهل مَجزرة “فج عطان” انعكاسٌ لخَيبة أمل التّحالف العربي؟
نَجح السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في تجنيب اليمن وقوع مجزرةٍ دمويّةٍ غير مَسبوقةٍ بين طَرفي التحالف “الحوثي الصالحي”، ونَزع فتيل الصّدام الذي دعا إليه الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح للاحتفال بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس حزب المُؤتمر الشعبي العام الذي يَتزعّمه.
المَعلومات المُؤكّدة التي وَصلتنا، أكّدت أن السيد نصر الله بادر بالاتصال بالسيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “أنصار الله”، وطَلب منه تهدئة أنصاره، ومَنع حُدوث مُواجهات مع أنصار الرئيس صالح عشيّة يوم الأربعاء، الأمر الذي تَجاوب معه زعيم الحوثيين، وقدّره الرئيس صالح خير تقدير، وانعكس في خِطابه الذي خلا من أي تصعيدٍ في اليوم التّالي (الخميس)، وأكّدت لنا مصادر مُقرّبةٍ منه أن هذه الوساطة “المَسؤولة” من قبل السيد نصر الله دَفعت بالرئيس صالح إلى استبدال الخِطاب الأصلي التصعيدي بآخرٍ قصيرٍ ومُختصرٍ، لا يتضمّن أي إساءةٍ للحوثيين، وركّز على الوحدة الوطنية وضَرورة مُحاربة الطابور الخامس الذي يَبذر بُذور الفِتنة.
***
رِهانات “التّحالف العربي” الذي تَقوده المملكة العربية السعودية على حُدوث انقسامٍ بين الحَليفين اليمنيين مُنيت بصدمةٍ كبيرةٍ، لأنهما أدركا أن هذا الانقسام يعني انهيار صُمود الجبهة المُعادية للعُدوان، ولكن هذا لا يعني أن “الطابور الخامس″ الذي تحدّث عنه السيد عبد الملك الحوثي، وحذّر منه الرئيس صالح في خِطابه في ميدان السبعين لن يتوقّف عن مُحاولات بَذر بُذور الفتنة، مِثلما أكّد لنا مسؤولٌ كبيرٌ في حزب المؤتمر.
التهدئة “المُؤقّتة” الحاليّة، وحتى تُصبح شِبهُ دائمةٍ، يجب أن تُشكّل فُرصةً لدراسة الأسباب السطحيّة والجذريّة التي أدّت إلى تصعيد التوتّر بين الحليفين، ودَفع الرئيس صالح إلى دعوة أنصاره في ميدان السبعين في استعراضٍ للقوّة، وهو استعراض يَعكس سياسة “حافّة الهاوية” التي يُجيدها، ونَجح حتى الآن في تحقيق أهدافه في لَفت أنظار الطّرف الآخر، وَوقف ما يرى أنه، أي الرئيس صالح، خُروجٌ عن اتفاق الشراكة.
الرئيس صالح لخّص الأزمة “المُباشرة” في خِطاب الأخير في الحديث عن “اللجنة الثورية” التي يرأسها محمد علي الحوثي، وجرى الاتفاق على حلها بعد تشكيل المجلس السياسي، وحكومة الإنقاذ برئاسة الدكتور عبد العزيز بن حبتور، والقول بأنّها استمرّت في عَملها والسيطرة على المجلس، وباتت تُعرقل سَير الحُكومة، أمّا النّقطة الأُخرى الهامّة التي وَردت في الخِطاب نفسه، فتعلّقت في عدم ذهاب موارد الدّولة إلى الخزينة العامّة، ممّا أدّى إلى عدم دفع رواتب المُوظّفين منذ عشرة أشهر، ولكن الرئيس صالح يَعلم جيّدًا أن هذه الموارد شحيحة، وربّما شِبه مَعدومةٍ، لأن عوائد النّفط والغاز، العمود الفقري للدّخل الحُكومي، توقّفت بسبب سيطرة التحالف على الآبار النفطيّة والغازيّة، والشعب اليمني فقيرٌ مُعدم، والضرائب على الدّخل والأعمال الخاصّة، باتت غير مُمكنةٍ في ظِل توقّف أعمال الشركات، وهُروب رؤوس الأموال.
مُشاركة السيد صالح الصماد، رئيس المجلس السياسي، في مهرجان حزب المؤتمر في ميدان السبعين كانت خُطوةً تصالحيّةً لها مغزىً كبير، فالرّجل المَحسوب على حركة “أنصار الله” الحوثية، ويَحتل مَنصب رئيس الدولة، وتُشكّل رسالة على نجاح وساطة السيد نصر الله، وتَجاوب السيد عبد الملك الحوثي معها.
الأمر المُؤكّد أن التحالف العربي السعودي أُصيب بخيبة أملٍ كُبرى من جرّاء هذه المُصالحة، فقد كان يتمنّى حُدوث الصّدام الدّموي، وبما يُؤدّي إلى انخراط الحليفين في حربٍ دمويّةٍ تُضعفهما معًا، وانهيار تحالفهما “المُضعضع″ بالتّالي بشكلٍ كامل.
الغارة التي شنّتها طائرات “عاصفة الحزم” ليلة الجمعة الماضي، أي بعد يومٍ من مهرجان السبعين، واستهدفت منطقة “فج عطان” في صنعاء، وأدّت إلى مَقتل 14 شخصًا، وإصابة 22 آخرين، نسبةٌ كبيرةٌ منهم من الأطفال والنساء، ربّما كانت ردّة فعلٍ غاضبةٍ على هذهِ المُصالحة، وفَشل الرّهان على الصّدام.
***
المُتحدّث باسم التحالف اعترف بأن هذه الغارة جاءت بسبب مَعلوماتٍ خاطئةٍ، وسيَتم إجراء تحقيقٍ، وقال أن الحوثيين أقاموا مَركزًا عَسكريًّا وَسط السكّان، وهذا الاعتراف ما كان له أن يتم لولا الإدانات الدوليّة لهذا الهُجوم الدّموي، حتى أن السيد عبد الملك المخلافي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية في حُكومة الرئيس هادي، طالب بتحقيقٍ لمَعرفة الأسباب، وحمّل التّحالف العربي المَسؤوليّة عن المَجزرة بطريقةٍ غير مُباشرةٍ.
وساطة السيد نصر الله نَجحت في نَزع فتيل أزمة ميدان السبعين، ومَنعت حُدوث الصّدام الدّموي في رأينا “مُؤقّتًا”، ولكن “جَمر الفِتنة” ما زال تحت الرّماد، وأي “نفخة” عارضة يُمكن أن تُطلق شرارة الحرب الداخليّة التي ستُعقّد الأزمة، وتُؤجّل أيّ حُلولٍ سياسيّةٍ لها لسنواتٍ قادمة، وتُحوّل اليمن إلى ميدان صِراعٍ على أكثر من جبهة.
الحِوار المَطلوب والسّريع لم يَعد بين “التحالف العربي” ومُعارضيه، وإنّما بين هؤلاء المُعارضين أنفسهم، أي حركة “أنصار الله” وحزب المُؤتمر، لتسوية كل المشاكل المُعلّقة، وإعادة “الشراكة” إلى ثوابتها الصّلبة، وإلا فإنّ المَسرح اليمني السياسي والعَسكري سيَجد نَفسه أمام “تحشيدٍ مُؤتمريٍّ” جديدٍ تحت ذرائع أُخرى، وما أكثرها في جَيب الرئيس صالح.. والأيام بيننا.