اخبار الساعة
تتوالى فصول جريمة حكومات الاحتلال الإسرائيلي بحق يهود اليمن، الذين تم جلبهم إلى فلسطين عشية حرب النكبة ومباشرة بعدها، يوما بعد يوم، بما يجزم بحجم الازدراء والعنصرية التي كنتها الحكومات الإسرائيلية العمالية الإشكنازية لليهود العرب الذين جلبوا إلى فلسطين لتحسين الميزان الديمغرافي لصالح اليهود، بعد طرد وترحيل الفلسطينيين من وطنهم، وبقاء ما يقارب 130 ألف فلسطيني فقط في الداخل.
ويتضح من التفاصيل الجديدة أن جرائم سرقة واختطاف أطفال يهود اليمن من المشافي الإسرائيلية ومراكز استيعاب المهاجرين، بين عامي 1948 و1954، ثم "بيعهم" وتسليمهم لعائلات يهودية غربية غنية، بما في ذلك عائلات يهودية أميركية، لم تكن الجرم الوحيد بحق يهود اليمن، بل إنه سبق ذلك عملية سطو واستيلاء على ممتلكاتهم وأموالهم المنقولة وهم لا يزالون في اليمن، خلال عمليات تنظيم هجرتهم إلى فلسطين.
وقد كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم"، اليوم الأحد، تفاصيل هذه الجريمة التي تم التستر عليها منذ سبعين عاما، كما تم التستر على ادعاءات وشكاوى يهود اليمن الذين سرق أطفالهم في المستشفيات، ثم أبلغوا بوفاة هؤلاء الأطفال، ولم يسمح لهم لا برؤية جثامين أطفالهم ولا معرفة مكان دفنهم.
ووفقا للصحيفة المذكورة، فقد عادت قضية خطف أبناء يهود اليمن في إسرائيل للأضواء مجددا، بما في ذلك شهادات على تعرضهم لتجارب طبية من قبل حكومة إسرائيل الأولى، في عهد بن غوريون، إذ يتضح اليوم، بعد الكشف عن وثائق سرية، أن عملاء الوكالة الصهيونية كانوا أعدوا عمليات تهريب يهود اليمن بدقة، وبشكل منظم، حيث طلب من اليهود الذين رغبوا بالهجرة إلى فلسطين تنظيم ممتلكاتهم وترتيبها وتجهيزها للشحن، على أن يستلموها عند وصولهم فلسطين، وقام يهود اليمن بما هو مطلوب منهم وسلموا ممتلكاتهم المنقولة إلى وكلاء الوكالة الصهيونية، بما في ذلك مخطوطات تاريخية ثمينة لكتب التوراة والتلمود، والتحف النحاسية والذهبية المستخدمة أيضا في الكنس اليهودية، ونثريات ثمينة، لكن لم يحصل أي من يهود اليمن الذين هاجروا إلى فلسطين مع وصوله على ممتلكاته التي كان يفترض أنها سبقته.
وبدلا من ذلك، اتضح اليوم، بحسب ما تقول الصحيفة، أنه تم الاستيلاء على هذه الممتلكات وبيعها في الأسواق لتجار التحف التاريخية وجامعي الكتب والمخطوطات، كما وصل قسم منها للجامعة العبرية، التي سبق لها أن استولت وأخفت عشرات آلاف المخطوطات والكتب التي سرقت خلال النكبة من بيوت الفلسطينيين في القدس ويافا وحيفا وعكا، وتحتفظ بها اليوم المكتبة الوطنية الإسرائيلية في الحرم الجامعي للجامعة العبرية في حفعات رام القائمة على أراضي خربة الشيخ بدر.
ونشرت الصحيفة وثائق تبين جداول مطبوعة بجرد الممتلكات إلى جانب أسماء أصحابها، والتي تدعي سلطات إسرائيل اليوم أنها اختفت آثارها ولا أحد يعرف أين هي.
ويأتي هذا الكشف مع استمرار محاولات أعضاء كنيست من أصول يمينة إثارة هذا الموضوع، خاصة وأن عدد الأطفال اليمنيين الذين تم اختطافهم وتسليمهم للتبني لدى عائلات غير محدد رسميا. ففي حين يتحدث يهود اليمن عن مئات الأطفال، ادعت المؤسسة الرسمية أنه كانت هناك حالات فردية ومعدودة، وأن ادعاءات يهود اليمن عارية عن الصحة.
وفي الثالث من الشهر الحالي، اعترفت ممرضة إسرائيلية تدعى شواشنا شوحام، في مقابلات صحافية، أن ادعاءات يهود اليمن صحيحة مائة بالمائة، وأنه كان أطفال اليمن يختفون من المشافي الإسرائيلية ومراكز استيعاب المهاجرين، بعد يوم من وصول عائلات غنية إشكنازية بسيارات فارهة ليأخذوا الأطفال، وكان يقال للممرضات إنهم سيحصلون على فرصة أفضل للحياة.
ولعل أهم ما تؤكده التفاصيل الجديدة، إلى جانب العنصرية البنيوية للصهيونية الغربية في نظرتها لليهود العرب، هو محاولات طمس جريمة خطف الأطفال اليمنيين من المستشفيات، ثم إطلاق اسم قضية يهود اليمن والبلقان لطمس الدوافع العنصرية في عملية سرقة الأطفال.
إلى ذلك، يؤكد التوثيق الذي تحدثت عنه الصحيفة، ولوائح جرد الممتلكات، أن عملية الهجرة لم تكن قسرية، وأن يهود اليمن لم يفروا بين ليلة وضحاها من اليمن خوفا على حياتهم، بل سبق ذلك عملية متواصلة من جرد الممتلكات وتسليمها لوكلاء الحركة الصهيونية، وشحنها بالسفن من ميناء عدن إلى فلسطين. كما أن هذا الأمر يبين كذب الدعاية الصهيونية بأن الدول العربية استولت على أملاك اليهود وسرقتها وتركتهم فقراء لا يملكون شيئا.
يشار إلى أن الانفتاح الذي تبديه حكومة الاحتلال في كشف أرشيف ملف أطفال اليمن، مقابل قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تمديد أمر السرية على ملفات تتعلق بالنكبة الفلسطينية، ينطلق من دوافع سياسية حزبية.
وفيما لا حاجة لشرح أسباب التستر على جرائم النكبة، فإن الغاية من تحريك حكومة نتنياهو لملف يهود اليمن هو إعادة بث مشاعر الكراهية وتعزيز مشاعر الغبن والظلم التي يحملها اليهود العرب لليسار في إسرائيل، باعتباره من نفذ سياسات التمييز العنصري والقهر ضد الطوائف الشرقية، ويتزامن هذا أيضا مع رياح الانتخابات التي تهب في إسرائيل من حين لآخر.
*العربي الجديد