ي الوقت الذي وصلت فيه الأمة إلى حضيض المهانة وسحيق المذلة، ومع سيطرة اليأس على النفوس، والخوف على القلوب، والبلادة على العقول، وبظهور أمراض التواكل والتطفل والتسلق والهروب من الشاهدة إلى الغيب، ومن السنن إلى الخوارق ، قمتم أنتم يا أبناء شعبنا الأحرار بثورة على كل ذلك. قبلتم معها المخاطرة، واستعدتم بها زمام المبادرة. وحين كان الجميع ينتظرون المسيح المخلص أو المهدي المنتظر قررتم أن تكونوا أنتم مسيح اليمن ومهدي الوطن. وهنا كان الانتصار الحقيقي؛ فالانتصار على عداوة النفس هو الطريق للانتصار على عداوة الغير، والتغير سبيل التغيير ’’ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ..’’[الرعد].
ولقد كان لكم أيها اليمانيون صفات أصيلة مزجت بشيفرتكم الوراثية، تدعوكم إلى القيادة وتحثكم على الريادة، قدّسَتها نصوص الكتاب الكريم والسنة المطهرة. وهي صفات قد تترنح لكنها لا تسقط ، وقد تضعف لكنها لا تموت.
فاليمني كان ولا زال (خيار من خيار).. و كان رسول الله (ص) يعرض ذات يوم خيلا وعنده عيينة بن حصن الفزاري، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعيينة : أنا أفرس بالخيل منك . فقال عيينة : وأنا أفرس بالرجال منك . فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : وكيف ذاك ؟ قال : خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم.. من أهل نجد . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ’’كذبت بل خير الرجال رجال أهل اليمن’’. ولا شك أن خير الرجال لا يصح أن يقودهم شر الرجال.
واليمني نصير للحق وإن كان جديدا، عدو للباطل وإن كان تليدا. تبع موسى عليه السلام يوم كان الحق في توراته، ثم تبع عيسى عليه السلام يوم أصبح الحق في إنجيله، ثم تبع محمداً (ص) يوم جمع الحق في قرآنه. فكان في الجاهلية من أهل الكتاب، وأصبح في الإسلام من أهل السنة والكتاب. فما تمسك بالقديم ولا تقوقع في الماضي، بل آمن أن الزمان إن لم يأت بالأحسن فسيأتي به هو. وقد كان.
واليمني غوث ومدد.. قال(ص):’’ إني أجد نفس الرحمن ـ أي فَرَجُه ـ من هنا- يشير إلى اليمن’’. وفي الحديث :’’ جعلت لك ما خلف ظهرك مددا ـ أي اليمن’’. ولا يكون مددا لغيره إلا من كان عونا لنفسه. وما اعتمد أحد على الخارج دون الداخل وعلى الغريب دون القريب، إلا ملّ وقلّ وذلّ، حتى وإن كان حسن النية، سليم الطوية. فهذا الملك الشاعر اليماني امرؤ القيس وثق بقيصر الروم أكثر من ثقته بشعبه فقال: وَلوْ شاءَ كانَ الغزْوُ من أرض حِميَرٍ*ولكنه عمداً إلى الروم أنفرا*بَكى صَاحِبي لمّا رأى الدَّرْبَ دُونه*وأيقنَ أنَّا لاحقانِ بقصيرا*فَقُلتُ لَهُ: لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنّمَا*نحاوِلُ مُلْكاً أوْ نُموتَ فَنُعْذَرَا..فكانت النتيجة أن ألبسه قيصر حلة مسمومة فقتله بها.
وهذا الملك سيف بن ذي يزن وثق بكسرى الفرس أكثر من ثقته بشعبه فاستبدل الاستعمار بالاستعمار واستعاض عن الأحباش بالفرس، وكانت نهايته القتل أيضا.
وما كانت خطيئةُ هذين الملكين هي التحالف مع الأجنبي بل الاستسلام للأجنبي. وليتهما حازا عقل الملكة بلقيس التي لم تفرط في عزة نفسها ولا في سيادة وطنها أمام ملك فلسطين، سليمان عليه السلام، حتى وهي تسلم:’’ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44)’’[النمل] . فالخارج شريك لا بديل، وعلاقتنا به علاقة معية لا إمّعية.
واليمني نصر وفتح.. وفي الحديث:’’ لما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح )، قال: أتاكم أهل اليمن؛ هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، الفقه يمان، الحكمة يمانية). فزكانا النبي (ص) بقوله (أرق قلوبا) تزكية اجتماعية، وبقوله (الإيمان يمان) تزكية دينية، وبقوله الفقه يمان (تزكية فكرية)، وبقوله (الحكمة يمانية) تزكية سياسية. وحكماء السياسة يدركون أن سياسة الحكمة لا تعني التنازلات الدائمة والمداهنات المستمرة والترضيات المسمومة والمناصفات الملغومة، وإنما تعني: اللين في محله والشدة في موضعها. وأحمقٌ من صافح العقارب وعانق الحيات. وكأن المتنبي يخاطب ساستنا بقوله:
رأيتكَ محضَ الحِلمِ في محضِ قدرةٍ* ولو شئتَ كانَ الحلمُ منكَ المهنَّدا
وما قتلَ الأحْرار كالعفوِ عنهمُ* ومَن لكَ بالحُرِّ الَّذي يحفظُ اليَدَا!
إذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَهُ*وإنْ أنتَ أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا
ووضعُ النَّدَى في موضعِ السَّيْفِ بالعُلا *مضرٌّ كوضعِ السَّيْفِ في موضعِ النَّدَى.
واليمني ناشدُ نظامٍ وقانونٍ، وطالبُ شرعةٍ ودستور.. قال (ص)’’ الشرعة في أهل اليمن’’. وحين كان الناس يكتفون بالشرائع المسموعة المروية أصر اليمنيون على الشرائع المكتوبة فقال (ص) في شأن أبي شاة اليماني ’’ اكتبوا لأبي شاة’’. وفي الحديث ’’أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن..’’.
واليمني- أيها العسكريون- يطيع لكن بفهم، ويلتزم لكن بوعي.. قال(ص):’’ أهل اليمن..أسمع طاعة’’. وطاعته تكون في الخير لا الشر، والنفع لا الضر. وفي الحديث ’’ أهل اليمن..أنجع طاعة’’ أي أنفع. وهكذا كان أنصار الثورة من رجال القوات المسلحة والأمن البواسل، وفي مقدمتهم المناطق العسكرية الأربع الذين لا نجد في ذكرى انضمامهم ومساندتهم إلا أن نتقدم إليهم بخالص المحبة وعظيم التقدير على كل ما قدموه ويقدمونه في سبيل انتصار الثورة وتحقيق أهدافها. وكذلك الكثير من ضباط وصف وأفراد الحرس الجمهوري والأمن المركزي الذين لا تنقصهم الإنسانية ولا تعوزهم الوطنية، والذين يرون في الهيكلة مخرجا لهم من ضيق العائلة إلى سعة الوطن.
واليمني- أيها الساسة- يفضل الحكم المدني على العسكري، ويتعاطى مع من يُقنعه لا من يَقمعه. فحين أرسل النبي (ص) إلى اليمن القائد العسكري الأشهر خالد بن الوليد لم يستجب الناس له فأمره بالعودة وأرسل بدلا عنه قاضيا وعالما؛ فأما القاضي فعلي بن أبي طالب، وقد قال عنه: ’’ أقضى أمتي علي’’، وأما العالم فمعاذ بن جبل، وقد قال عنه:’’ أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ’’ فاستجاب لهما أهل اليمن ودخلوا في دين الله أفواجا. إذ العدل والعلم ينتجان القوة، لكن القوة لا تنتج عدلا ولا علما.
واليمني- يا أشقاءنا في الخليج- يعتبركم حلفاءه في حقه ، وأنصاره في مظلوميته.. منذ اليمني الأول الذي ظلمه العاص ابن وائل وغصب منه بضاعته فناداكم من على جبل أبي قبيس:
يا آل فهر لِمظلومٍ بضاعته * ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرم أشعث لم يقض عمرته * يا للرجال وبين الحجر والحجر
إن الحرام لمن تمت كرامته * ولا حرام لثوب الفاجر الغدر.
فتنادى أجدادكم لنصرته في حلف الفضول الذي شَهِده محمد(ص) وشَهِد له فقال:’’ لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت’’.
واليمني- يا صالح- كما أنه كريم لا يطفئ ناره، فهو أبيّ لا يترك ثأره.. وقديما قالوا: احذر من الكريم إذا أهنته، ومن الحليم إذا أغضبته. وما لم يصل اليمني إلى ثأره شرعا سيصل إليه عرفا. فإن اعترضته القوانين لفظها، وإن منعته الشرائع رفضها. ( والشريعة لا تصادم الحق إلا إذا لم يكن المدعي محقا ، أو لم يكن الدين حقا ). وهذا امرؤ القيس اليماني حين جمع الرجال ليثأر من قتلة أبيه مرّ بصنم كان يعظمه وتعظمه العرب يقال له ذو الخلصة؛ فاستقسم عنده بالأزلام وهي ثلاثة أعواد (عود كتب عليه:أفعل، وعود كتب عليه: لا تفعل، وعود كتب عليه: انتظر)، فكان كلما استقسم خرج له (لا تفعل)، فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم، وقال: لو أبوك الذي قتل ما منعتني! ثم قال:
لَوْ كُنْتَ يَا ذَا الْخُلُصِ الْمَوْتُورَا ..مِثْلِي وَكَانَ شَيْخُك الْمَقْبُـــــورَا..لمْ تَنْهَ عَنْ قَتْلِ الْعُــــــدَاةِ زُورَا
فهذا هو اليمني يا (صالح)، فلا تفرح بالحصانة فهي مهدئات لا تعالج مطعونا، ولا تخفف طاعونا.
لا تفرح بالحصانة فهي ثوب شفّاف وصّاف، يَلبِسُه كلُ مفضوحٍ أمره ، مكشوفٍ ستره. وبكلمات مختصرات (أصحاب الحصانات كاسيات عاريات).
وإذا كنتُ في جمعة الكرامة قد قلت لك:’’فاخرج إني لك من الناصحين’’ فها أنا اليوم أقول لك: سلم نفسك إلى أقرب ساحة أني عليك من المشفقين.
وإلى إخواننا في المؤتمر الشعبي العام: اعلموا أننا خلاف ثوار الربيع العربي جميعا قد صنفنا الحزب الحاكم إلى حزب وحاكم فأبقينا الحزب وأسقطنا الحاكم، معتبرين أن المؤتمر ضحية من ضحايا (صالح). لكنّ إصراركم على بقائه في رأس هرمكم التنظيمي يجعلنا نراجع موقفنا منكم، ونعيد حساباتنا معكم. والكرة الآن في ملعبكم فماذا أنتم صانعون؟
وإلى ما يسمى بمجلس النواب، والذي قرر إرسال لجنة تقصي حقائق لا من أجل أراضي الوطن التي ابتلعها بعض منتسبيه، ولا من أجل شهداء اليمن الذين حرض عليهم بعض متنفذيه، ولا من أجل ثروات الأمة التي يُشرّع لنهبها بعض فاسديه، وإنما لجنة تقصي حقائق حول أحداث ساحة التغيير- ساحة الثورة.. هذه الساحة التي اتخذها الشعب مجلسا له واعتمد ثوراها نوابا عنه، بعد سنين من الافتئات عليه والكذب باسمه من قبل هذا المجلس وأربابه. ونحن نقول لهم: إنّ الساحة بكل فئاتها ولافتاتها ثوار أحرار، وهم من سيحصون دقائقكم ويتقصون حقائقكم. ومع احترامنا للوطنيين منكم فإننا نعلم أنكم تعلمون أن أشهر الأفلام الكرتونية في الوطن العربي ثلاثة ( سوبرمان وباتمان والبرلمان) فاخجلوا من أنفسكم- أصلحكم الله . ورحم الله برلمانا عرف قدر نفسه!
وإلى المنتدى القضائي: مباركة هي ثورتكم، وعظيم هو حراككم، ووطنية هي أجندتكم؛ فتقدموا على طريق تحقيق هدف ثورتنا في استقلال القضاء، ونحن منكم وفيكم ومعكم ولكم وبكم.. فمن إلاكم سيحاكم المجرمين، ومن إلاكم سيؤدب المتغطرسين، ومن إلاكم سيقيم الفرض، ويطهر الأرض ويصون العرض. فواصلوا و’’ اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) [آل عمران]. ويا من تعرفون أنفسكم أرفعوا أيديكم عن القضاء، أرفعوا أيديكم عن القضاء، أرفعوا أيديكم عن القضاء. فلن نقبل بعد اليوم أن يكون حاميها حراميها، ولن نقول بعد الآن: فيك الخصام وأنت الخصم والحكم.
وإلى حكومة الوفاق : عن عمران بن حصين قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء قوم من بني تميم فقال : ’’ اقبلوا البشرى يا بني تميم ’’ قالوا : بشرتنا فأعطنا، فدخل ناس من أهل اليمن فقال : ’’ اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ’’، قالوا : قبلنا ’’. فاليمني يا حكومة الوفاق يقبل الوعود ويفرح بالبشرى ويصبر على البطء المبرر والتأخر الطارئ، بشرط أن يعده الصادقون، ويبشره الثقاة المؤتمنون. فعززوا بالعمل مصداقيتكم، وأكدوا بالتضحية ثقتكم، وكونوا للشعب كما يحب يكن الشعب لكم كما تحبون.
وإلى رئيس الجمهورية المشير/ عبد ربه منصور هادي: نحن لم ننتخبك لنتركك، بل انتخبناك لنعينك. فلا يستفزنك المخلوع بأعراض المراهقة السياسية المتأخرة. فإن كان وراؤه عصابة فإن وراءك شعب. وقد اُخذ سيف عمرو بن معد إلى عمر رضي الله عنه وكان سيفا شهيرا، فأمسكه عمر وقال : ما أراه إلا سيفا كالسيوف، فقيل له : يا أمير المؤمنين إنما السيف بضاربه ، وسيف عمرو لا ينفع إلا بيد عمرو. فإذا ظن المخلوع وأبناؤه أن سيف عمرو معهم فتأكد أيها الرئيس أن عمراً معك، وهو الشعب، وإنما السيف بضاربه.
وكلمة صريحة أقولها لك: يا رئيس الجمهورية، إن مهمتك جسيمة ومعركتك عظيمة؛ فإذا أردت أن تكسب الرهان وتحوز السلطان فكن وليا لدماء الشهداء تصبح يا عبد ربه منصور عبدَ ربِكَ المنصور. وصدق عزّ مِن قائل’’ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)’’[الإسراء]. ولأنها ثورة حياة، فشعارها:’’ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ..’’ [البقرة : 179].
وإلى شعبنا العظيم: لقد قطعنا في الحادي والعشرين من فبراير الماضي مرحلة هامة من مراحل الثورة ونحن الآن على أعتاب مرحلة أهم.. كشفنا تلاعب العصابة الصالحية بدماء الناس وأموالهم ، فضحنا سرقتهم للثروات، وقطعهم للكهرباء ونهبهم للوقود، وقطعهم للطريق، وبيعهم للبلاد. وقد نجحنا في مرحلة المراقبة فلننجح في مرحلة المحاسبة. وكما حوّل صالحُ اليمنَ سجناً لنا، سنحول اليمن محكمة له.. ولن نوقف نضالنا حتى يُعتقل، ولن نخفف نشاطنا حتى يُحاكم، ولن نُعلِق حتى يُعلَّق.
وإلى ثوار الساحات: اتفقوا تُوفّقوا؛ فساحاتكم مساجد وستمتد، وثورتكم صلوات وستشتد. فـ ’’ أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان.. ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله’’
وختاما:
لن أسامحْ
..بعد هاتيك المذابحْ
..بعد أن دمرت رحلي
..بعد أن أحرقت حقلي
..بعد أن يتمت طفلي
بعد أن شردت أهلي في الأباطحْ
لن أسامحْ
................
أيها الناهبُ
..والغاصبُ
..والخائنُ والكاذبُ
..والمسرف في سلبي وقتلي
لا تقلْ لي
.. ودم الثوار في كفيك يغلي
: قم وصافح
لن أسامح
والحصانات جميعا
..تحت نعلي
الشعب سيف بيد هادي وطوق على رقبة صالح
اخبار الساعة - فؤاد الحميري
المصدر : صحيفة اليقين