انشغلت الساحة الثورية خلال عام الى جانب عملها لإسقاط النظام، بصراعات جانبية تلخص ما يحدث في اليمن منذ عقود، وهو ما نجح فيه النظام.
فتأجيج الصراعات الداخلية، من اهم المرتكزات التي استطاع أن يقف عليها النظام ليحكم طوال هذه الفترة، وحروب الساحة الصغيرة ، أخذت حجما أكثر مما تستحق، في وقت كانت تحتاج فيه الساحة أن تتحول إلى قوة جامعة، تدعم قوة اليمن الجديد، فاليمن الآن يرتكز على قوة الحكومة، و الحكومة تنتظر معونات الخارج، أي أن اليمن الآن ما يزال كما هو.. مرتكزاً على دعم الخارج، وليس على قوة الداخل.
وإن لم تكن الساحة الثورية هي القوة الداخلية التي يمكن لليمن الارتكاز عليها، لتحرك مسار الأحداث السياسية خلال الفترة القادمة، فلن تكون هناك أي قوة داخلية تقوم بهذه المهمة.
الصراعات بين التيارات المختلفة في الساحة يقوم على إضعاف كل تيار للآخر، وهذا يضعف القوة المركزية للساحة، والسيطرة على الساحة هو الهاجس المسيطر، و هي سيطرة بهدف انشاء قوة سياسية، لكنها قوة ستنتظر المعونات الخارجية «من خارج الساحة»، فالساحة لا تملك اقتصادها المستقل. ويمكن الاستفادة حتى من هذا الصراع الداخلي بتحويل المنافسة السياسية داخل الساحة إلى منافسة إنتاجية واقتصادية.
فالصراع والبقاء دون عمل حوّل الساحة إلى عامل ضعف، وأصبحت حملا ثقيلا، يحتاج لمن يدعمه ويمول احتياجاته اليومية، ولم تعد السيطرة عليها تعني أي قوة على الأرض.
في الأرض تتحول الساحة إلى مجرد تجمع سياسي، لا يشكل ذات الضغط الذي كان يعنيه قبل عام، الأمور تتغير بسرعة و تسيطر على حركة الأحداث عوامل خارجية، تستفيد من بقاء الصراع الداخلي على حاله.
خزن واعمل شي واحد يمكن أن يعيد الساحة إلى موقعها الأهم لتبني هي اليمن الجديد، وهو أن تخلق أهم مرتكز للقوة وهو الاقتصاد فإن كان الشعب يريد، فعلى الشعب أن يفعل ما يريد.
واعتصام الساحات الذي يتحول إلى مقيل كبير، وتجمع لتبادل أطراف الحديث، يمكن أن يغير فيه مئات الآلاف خارطة اليمن الاقتصادية والسياسية. فقط إن تم الانتقال من الكلام إلى العمل ومن الهتاف الثوري إلى الإنتاج.
أي ثورة في العالم لا تتحول إلى قوة طالما هي لم تنتج، والثورات الكبرى صنعت اقتصادها بنفسها، فإن حققت الثورة هدفها السياسي وأبقت خانة الاقتصاد مفرغة، و معتمدة على المعونات و الهبات الخارجية، فالبطالة والفقر كلاهما سيبقى على حاله، والثورة ستقصى خارج دائرة الفعل السياسي، ولن تكون مؤثرة، ولن تغير الثورة أي شيء في اليمن.
اليمني لن يشعر بالتغيير بمجرد تغيير الرئيس، اليمني سيشعر بالتغيير فقط إن دارت عجلة الاقتصاد، و كان هناك مردود لما يقوم به من فعل ثوري.
ووحده اليمني في الساحات، هو المعول عليه أن يبني اقتصاد اليمن الجديد، وأن تتحول الخيام إلى معامل ومصانع صغيرة، وتنتقل إلى مرحلة العمل الإنتاجي الذي يحقق أولا الاكتفاء الذاتي، وبعد ذلك يكون داعم لاقتصاد الدولة.
يحتاج اليمن أن يقف برهة ويلتفت إلى الخلف ليرى تاريخ العالم والثورات، وتاريخه هو كبلد صنع نفسه بنفسه، ليعرف أن عليه البدء الآن ببناء اقتصاد الساحات.
اقتصاد الساحات
اخبار الساعة - منى صفوان
المصدر : كتابات